بائعات الجسد، أجساد مشتهاة والتحرر‬



مورغان ميرتويل
2015 / 2 / 1

الكاتب/ة: مورغان ميرتويل.

ترجمه‫/‬ته الى العربية‫:‬ وليد ضو

‫"التحرر الجنسي" هو اليوم سمة أساسية بالنسبة لأولئك الذين واللواتي يدعون الوصول إلى الحقوق الاجتماعية والسياسية. هذا هو الاستنتاج الذي تستخلصه مورغان ميرتويل لفهم الخطاب الجديد المجرم لعاملات الجنس. مرتكزة على كلام جوان سكوت، تتفحص ميرتويل كيف أن "الرغبة" الحقيقية أو المفترضة لعاملات الجنس قد أصبحت سلاحا حقيقيا بيد القامعين/ات. أولئك الذين واللواتي يناضلون/ن لـ"إلغاء الدعارة" يظهرون كداعمين/ات لليبرالية غير معلنة.‬

‫في كلمة قدمتها جوان سكوت بعنوان "تحرر ومساواة: جينالوجيا نقدية" في الجلسة العامة "ما وراء البطريركية" ضمن ندوة "التفكير بالتحرر" (نانتير، شباط 2014) وصفت سكوت كيف أن خطاب التحرر الجنسي والمساواة بين الجنسين، يخضع للرأس المال المعولم والذي يجعل من موضوع الرغبة والقدرة على تلبيتها، شرطا أساسيا للمواطنة، ويساهم في دوام الابقاء على "الأقليات المحرومة"، وخاصة النساء المسلمات.‬

‫جوان سكوت تنطلق من فكرة أنه في دولنا الغربية، العلمانية والديمقراطية، يصل الإنسان إلى المواطنة من خلال التحرر:‬

‫"التحرر والمساواة هما صفتان يفترض تأصلهما بالإنسان، صفتان تسمحان بالقدرة على التصرف- إنسانية حقيقية- وتؤهلاه كفرد داخل مجتمع الأمم".‬

‫ولكن، الخطاب الذي تنتقده هو: "الرغبة الجنسية باعتبارها القاسم المشترك العالمي في تعريف الإنسان". من هنا، ولأن النساء المسلمات يُعتَبَرنَ مقموعات جنسيا فتصبح "مطالباتهن الرامية إلى الاعتراف بكينونتهن الكاملة ضمن دول أوروبا الغربية حيث يسكن منذ وقت طويل" مرفوضة. بعبارة أخرى، إسلاموفوبية هذا الخطاب، ليست سوى سمة، أو نتيجة "خطاب ممدِن (محضِر) الذي يعتبر أن الأفراد الأكثر قدرة على التصرف برغبتهم وإشباعها هم الأكثر جدارة لأن يصبحوا مواطنين".‬

‫إلى جانب "مسألة الدين الإسلامي"، وخاصة الحجاب، هناك مسألة أخرى زادت من حدة هذا الخطاب الرامي إلى تحقيق التحرر الجنسي والمساواة بين الجنسين خلال السنوات الماضية، هي موضوع العمل الجنسي. من هنا، يبدو مثيرا للاهتمام التساؤل هل رفض مطالب عاملات الجنس، يمكن، أن يندرج بدوره ضمن الخطاب الممدِن الذي حللته هنا جوان سكوت.‬

‫بحسب سكوت، الجديد في هذا الخطاب ليس في اهتمامه بموضوع الجنسانية، إنما الحرية الجنسية، وإمكانية تلبية الرغبات، سواء تلك المقدمة كمعيار عالمي لتعريف الإنسان، أو تلك المقدمة كشرط يجب على الأفراد أن يبلغوه حتى يصبحوا "جديرين بمواطنتهم": "قدرة التصرف ليس فقط انطلاقا من عقل يحكمه المنطق، إنما أيضا من الجسد المشتهى". إذا هي الوجه الآخر للعملة، التي كانت في السابق، القدرة على قمع، من خلال المنطق، الجنسانية، المشكلة للأهلية، أصبحت اليوم القدرة على التعبير عن الرغبة الجنسية التي حلت مكان تلك:‬

‫"بالطبع الجنسانية، والتحرر الجنسي اعتبرا منذ وقت طويل صفة إنسانية والتحكم بهما يشكل معضلة دائمة للنماذج المقترحة للإدارة الذاتية (غالبا ذكورية) من أوغوستان حتى روسو، ومن فرويد وحتى اليوم. المنطق كان، بالنسبة إلى فلاسفة عصر الأنوار، أداة الانضباط الذاتي، والتحكم بالذات، كما فعلت الطبقة السياسية والمسؤولون الاقتصاديون خلال القرن 19. ولكن خلال القرن الماضي، وبشكل مستمر، هذه الدعوات إلى المنطق حلت مكانها ضرورة تحرير الرغبة الجنسية- الرغبة التي، خلال فترات سابقة، كانت مقموعة لأنها كانت مصدرا لنشر الفوضى بين الناس، وإظهار هذا الشغف الذي، إذا ظهر عبر جسد النساء، فيجب إقصائه من المساحة العامة" (1).‬

‫ويبدو مثيرا للاهتمام ربط هذا التغير في المقاربة بما كان يحصل خلال الحقبة عينها إزاء العمل الجنسي، لأنه وفي نهاية القرن 19 تأسست الحركة المناهضة للعمل الجنسي (حيث تأسست الفيدرالية الدولية المناهضة للعمل الجنسي عام 1875 على يد جوزفين بوتلر)، التي طالبت بشكل أساسي وضع حد للتشريع المنظم لبيوت الدعارة. وهذا التشريع كان في الواقع وسيلة لعقلنة الجنسانية ولـ"تدجينها"، وذلك من خلال استعادة لتعبير تيفاني بينارد (2)، وتشريع قمع أولئك اللواتي كنا نسميهن "المتمردات"، اللواتي يرفضن أن يتم تصنيفهن ويردن الاستمرار بإعلان جنسانيتهن في المساحة العامة. خلال القرن العشرين، وبـ"بفضل" الجهود المناهضة للعمل الجنسي، بات الخطاب السائد يعتبر أجساد عاملات الجنس أجسادا غير جنسية، وأجساد غير مشتهاة، إنما أجساد خاضعة للعنف، وتحت هذه الذريعة لا يمكن التسامح مع العمل الجنسي، ليس فقط في المساحة العامة، إنما أيضا في كل أرض الوطن (3). وبعبارة أخرى، لأنهن جسدن الرغبة الجنسية، كان وحتى نهاية القرن 19، يجب "إقصاء عاملات الجنس عن المساحة العامة"، بات اليوم هذا الإقصاء يتم باسم متطلبات هذه الرغبة.‬

‫ضمن الخطاب المناهض للعمل الجنسي، عاملات الجنس يشكلن رمز المرأة المقموعة جنسيا. وتتجرأ النسوية كذلك: "أي حرية جنسية لعاملات الجنس؟ أي رغبة؟ أي لذة؟" (4) السؤال ليس بمعرفة إذا كان بإمكان عاملات الجنس التحرر جنسيا أم لا- حتى ليس من الضروري التذكير أن عاملات الجنس يمكن أن يكون لهن حياة جنسية خارج نشاطهن المهني- ولكن التركيز على استخدام مفهوم التحرر (الجنسي) في الخطاب المناهض للعمل الجنسي، وبشكل خاص كيف أن ذلك يبرر رفض عاملات الجنس من بعض الحركات النسوية.‬

‫جوان سكوت تذكرنا هنا بالنقاشات حول المطالب الإسلامية:‬

‫"السؤال هو حول منح الحقوق أو توسيعها مفهوم المساواة ليشمل السكان الجدد في الأمم الأوروبية، هو لمعرفة هل تحرروا/ن بشكل كاف نفسيا، ومساواتيا ليستحقوا مواطنة كاملة والتمتع باندماج تام".‬

‫بطريقة مشابهة إلى حد ما، النقاش حول العمل الجنسي يتطرق أيضا حول منح الحقوق إلى عاملات الجنس: في الواقع، خلال السنوات الأخيرة حيث جرى التركيز على تجريم الزبائن؛ بالكاد جرى نقاش مطالب نقابة العمل الجنسي (STRASS) على سبيل المثال. وكان السؤال هو هل يمكن سماع صوت عاملات الجنس؛ بعبارة أخرى، هل عاملات الجنس "ناقلات" بشكل كاف لقيم المساواة وهل وضعهن نفسي محرر بشكل كاف حتى يندرج كلامهن في النقاش السياسي؟ والجواب المناهض للعمل الجنسي عن هذين السؤالين هو بالطبع لا. من جهة، تُقرَأ ممارسة العمل الجنسي كعنف جنسي يلحق بأشخاص على مدى مسار مكون من العنف الجنسي (5)؛ عاملات الجنس، بالتالي، بتن جاهلات لهذا العنف، وهو سبب لسماع، فقط، أولئك اللواتي تركن هذا العمل. كما يتم التركيز على "الناجيات" من العمل الجنسي اللواتي، وروزين هيشر تشكل مثالا على ذلك، يقلن أنهن كن غير مدركات للعنف داخل المهنة إلا عندما توقفن عن ممارستها، إنكار العنف يتم تقديمه كجزء لا يتجزأ من الاستمرار بهذا العمل:‬

‫"عندما نكون داخل المهنة، لا يمكننا سوى القول: إنه أمر جيد! لصالح عائلتي، لصالح أولادي! وإلا سننهار مثل بيت من ورق. أنا، ذات يوم، دافعت عن العمل الجنسي وعن بيوت الدعارة!" (6).‬

‫هنا تشير أيضا جوان سكوت إلى هذا الخطاب:‬

‫"التحرر لا يعني أن تتحرر من القيود السابقة، ولكن فهم ما نحن عليه وما تشكله ذواتنا التي تتمظهر ضمن الشروط الغربية الحديثة".‬

‫بتعبير أدق، التحرر من القيود الذي تمثلها الدعارة (وليس القيود المادية التي أدت إلى ذلك) ينظر إليه كتحرر يحقق الذات عبر الخروج من الإنكار، يتحقق من خلال التوقف عن ممارسة الدعارة. من جهة أخرى- وبالعودة إلى السؤالين المطروحين أعلاه- فقد جرى رفض عاملات الجنس من كل أفق مساواتي حيث- وخاصة بعد تجذر الخطاب المناهض للعمل الجنسي وتحوله ليصبح مؤيدا للحظر- كل شخص يعارض تجريم الزبائن، على سبيل المثال، لا يمكن اعتباره إلا كشخص معاد للنسوية، لأنه يبني موقفه لحماية مصالحه سواء مصلحة القوادين، أو ما يمكن اعتباره امتيازا ذكوريا في الوصول إلى أجساد النساء.‬

‫ضمن خطاب عاملات الجنس، التحرر يرتبط بما أشارت إليه جوان سكوت: "نهاية الخضوع القانوني"، حتى لو أن عاملات الجنس يعلمن أن "المساواة في الحقوق" ليست سوى خطوة، وهي ضرورية ولكن غير كافية لمحاربة علاقات الهيمنة والاستغلال التي يمكن أن يكن ضحيته. أبعد من ذلك، التحرر الذي تتحدث عنه عاملات الجنس يرتبط بنضال جماعي (7). أما ضمن الخطاب المناهض للعمل الجنسي، فعلى العكس، التحرر متحقق على أرض الواقع، ويجب تحقيقه عند "المقيدات بالدعارة" (8). هذا الخطاب الذي يعتبر أن وقف الدعارة (وزوالها) يحسم التحرر الجنسي والمساواة بين الجنسين يبدو أنه يمثل الخطاب الحديث الذي انتقدته جوان سكوت والذي يعتبر أن "التحرر الجنسي والمساواة ليسا سوى تحقيقا للقدرة الجنسية عند الفرد".‬

‫المقاربة المناهضة للعمل الجنسي التي تناولتها جوان سكوت تساعدنا على فهم أفضل للمفارقة الظاهرة في الخطاب المناهض للعمل الجنسي: الحجة القائلة أن الدعارة لا تسمح بتحقيق الرضى الجنسي للزبائن. هذه الحجة التي طورتها جمعية رجال (Zéro Macho) ترعاها فلورانس مونترينو، حيث قال أحد المتحدثين باسم الجمعية: "أنه لن يدفع لامرأة فقيرة لممارسة الجنس الفموي معه"، وذلك لأنه "سيموت من العار" (9)، في حين يعتبر البعض أن "الدعارة لا تحل أي مشكلة للرجال"، أو حتى- حجة كثيرا ما يستعملونها- أنهم غير قادرين على التلذذ مع عاملة جنس. هذا الرفض لما يعتبر امتيازا ذكوريا بحيث أن هذا الامتياز لا يسمح لهم بالحصول على الإشباع الجنسي يمكن أن يعتبر جانبا آخر من الخطاب الليبرالي القائل أنه: "من خلال "الاشباع الجنسي" يُعَرَف "ما هو إنساني حقا"".‬

‫وفي حين يعتبر البعض أن العلمانية هي الضمانة للتحرر الذي يمكن تعريفه كاحتمال تعبير وتلبية للرغبات الجنسية، هو بالنسبة للبعض الآخر وقفا للدعارة. بحسب جوان سكوت:‬

‫"كما يستخدم الخطاب السائد، التحرر والمساواة لإدخال منطق السوق الواضح في المجال السياسي: يتم استبدال قوة العمل بالقوة الجنسية، والخطاب حول التحرر الجنسي صلته ضعيفة مع التكاثر الذي عادة ما يربط بالأزواج الغيريين.‬

‫بمعنى آخر، التحرر الموعود، والعلمانية من جهة، ووقف الدعارة من جهة أخرى، يفترض أن تذهب بنا إلى:‬

‫"التركيز على الجنسانية المحررة (سواء كانت مثلية أم غيرية) التي تشكل صدى للرغبة بالاستهلاك التي تشكل محرك السوق، وتسمح بتحويل الانتباه عن الظلم الاقتصادي والاجتماعي الناجم عن التمييز والأشكال البنيوية لعدم المساواة".‬

‫هنا نصل إلى الأساس الأيديولوجي الليبرالي، الذي يقوم في نهاية المطاف على الإرادة الفردية للقدرة على التحرر (الجنسي)، دون أخذ بالحسبان علاقات الهيمنة والتبعية التي يمكن أن تعيق ذلك. وهكذا هو النقاش حول الدعارة، فالموقف المناهض للعمل الجنسي يقوم على "التحسيس بالمسؤولية" للزبائن (ولعاملات الجنس لتشجيعهن على "الاندماج")، من دون أن يعالج الأسباب الاقتصادية والبنيوية التي تدفع بالنساء ليس فقط إلى ممارسة هذا النشاط ولكن بشكل عام الاعتماد على الرجال. وفي الختام، نذكر، دائما مع جوان سكوت، أن هذا الخطاب إشكالي، ليس فقط لأنه يشتت أنظارنا عن القضايا البنيوية، إنما أيضا لأنه يحور النضال الجماعي من أجل تحرر حقيقي، كما أنه يصبح أداة قمع أولئك الذين واللواتي يدعي تحريرهم/ن:‬

‫"عندما يقدم التحرر والمساواة كمردافين ويعرفان كتعبير عن رغبة جنسية فردية وعالمية، فلا يختلفا بذلك عن المساواة السياسية الشكلية. ويصبحا أداة تديم التبعية وعدم المساواة بالنسبة للأقليات السكانية المحرومة، بالإضافة إلى استمرار التهميش في ما يسمى بديمقراطيات الغرب".‬

نشر النص باللغة الفرنسية في موقع revueperiode.net بتاريخ 7 نيسان 2014

الهوامش:

(1) Joan W. Scott, Émancipation et égalité : une généalogie critique

(2) Tiphaine Besnard, Une folle débauche. Les Prostituées à la Salpêtrière et dans le discours médical 1850-1914 , Paris, L’Harmattan, 2010, p. 168.

(3) Vallaud-Belkacem : « la France n’est pas un pays d’accueil de la prostitution »

(4) Naïma Charai et Iris Naud, « La prostitution, mythes et réalités », Osez le féminisme n° 13, avril 2011, p. 6.

(5) « Si le fait d’avoir vécu des violences sexuelles durant l’enfance ne conduit pas nécessairement à la prostitution, il est clair que ces violences, conditionnant l’image que peuvent avoir les victimes d’elles-mêmes, facilitent le passage à l’acte prostitutionnel. » (Rapport d’informations sur la prostitution, avril 2011)

(6) « Prostitution : je n’étais qu’une marchandise »

(7) M. Merteuil, D. Simonin, « les travailleuses du sexe peuvent-elles penser leur émancipation ? Sur quelques effets excluants des discours abolitionnistes »

باللغة العربية هنا http://al-manshour.org/node/4610

(8) http://www.mouvementdunid.org/L-abolition-si-vous-ne-deviez

(9) http://zeromacho.wordpress.com/nos-raisons/