حقوق المرأة العراقية والدستور



حامد الحمداني
2005 / 9 / 14

خاضت المرأة العراقية المناضلة معركة الحرية والانعتاق والمساواة والعدالة الاجتماعية لسنوات طويلة ، ودفعت الثمن غالياً من الدماء والدموع ، وتحملت السجون والمعتقلات والتعذيب و الإعدام من أجل أن تنال حقوقها الإنسانية التي سطرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ،والذي طالبت هيئة الأمم المتحدة بأن تتضمن دساتير الدول لنصوص ذلك الإعلان الذي يؤكد على المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات ، وكان يحدوها الأمل بعد سقوط نظام الطاغية صدام حسين أن تنال حقوقها وحرياتها كاملة غير منقوصة بعد أن بشرت الولايات المتحدة بعصر ديمقراطي جديد في العراق .
لكنها صدمت صدمة كبرى عندما أصدرت الأحزاب الإسلامية في مجلس الحكم قراراً سرياً برقم 137 ألغى بموجبه القانون المدني الذي سنته ثورة الرابع عشر من تموز 1958 النافذ منذ عشرات السنين ، والذي كان انقلابيوا 8 شباط قد اجروا تعديلات عليه وسلبوا العديد من الحقوق التي تخص المرأة ،لكنهم لم يجرأوا على إلغائه بجرة قلم كما فعل مجلس الحكم ، وليعيدوا العمل بالشريعة الإسلامية التي كانت سائدة قبل أربعة عشر قرناً !! ، لكن الحاكم المدني بريمر أوقف القانون المذكور.
لقد كان مثل هذا الإجراء من قبل مجلس الحكم الذي توسمنا فيه أن يحقق عصراً من الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان نكوص عن أماني شعبنا وامتهان لحقوق نصف المجتمع العراقي المتمثل بالمرأة ، وتثبيت جائر للمجتمع الذكوري الذي يعتبر المرأة سلعة يتصرف فيها كما يشاء دون قانون يحميها من ظلمه .
ولقد هبت المرأة العراقية يساندها كل الديمقراطيين المؤمنين بحقوقها على تلك المحاولة من قبل الأحزاب الإسلامية في حملة تظاهرات واحتجاجات وندوات في سعيها لإحباط أي توجه من هذا القبيل لسلبها حقوقها وحرياتها .
وبعد إجراء الانتخابات العامة التي أوصلت الأحزاب الإسلامية إلى السلطة والتي باتت تهيمن على هيئة كتابة الدستور الدائم عادت الكرة من جديد لتحقيق ما فشلت بتحقيقه في مجلس الحكم فجاءت مسودة الدستور المقترح برداء الشريعة الإسلامية بغية الالتفاف على حقوق حريات المرأة ومساواتها مع الرجل .
أن هذا التطور يثير في نفوسنا القلق المشروع لما ينتظرنا في مستقبل الأيام إذا كان هذا هو التوجه الذي يقود العراق اليوم والذي يسعى إلى عودة عصر الحريم .
إن ناقوس الخطر يدق بأعلى صوته أن هناك قوى مؤثرة في السلطة تسعى للعودة بنا القهقرى إلى العصور الماضية ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين ، عصر تحرر الشعوب من ظلام العصور الماضية .
لماذا ناضل شعبنا ضد الطغمة البعثفاشية طيلة أربعة عقود ،ودفع ثمنا باهظاً من أرواح أبنائه؟ اليست كل تلك التضحيات من أجل أن ينال شعبنا حقوقه وحرياته كاملة غير منقوصة ؟ أليست المرأة تمثل نصف المجتمع أيها السادة ، أليست هي الأم والمربية والمدرسة ، بل أستاذ الأساتذة الأولى كما وصفها شاعر العراق الكبير معروف الرصافي ؟
هل يجوز أن يكافئها دستورنا المقترح في هذا العهد بالذات الذي توسمنا فيه عهد الحرية وحقوق الإنسان والمساواة بهذا النص الجائر، لكي تبدأ المرأة كفاحها من أجل حقوقها المهضومة من نقطة الصفر من جديد ؟
إننا ندعو المرأة العراقية إلى التصدي بكل قوة ، وبمختلف الوسائل والسبل لإجهاض هذا التوجه ، والتأكيد على حقوقها وحرياتها المشروعة كاملة غير منقوصة عملاً بما جاء في الإعلان العالمي الذي أقرته الأمم المتحدة منذ عام 1948 والذي وقعت عيه كافة الدول ومن ضمنها العراق ،فقد ولى ذلك العصر الذي كان يتحكم الرجل فيه بالمرأة المسلوبة الحقوق ، فلم يعد من الممكن أن تتزوج المرأة إلا بإرادتها ، ومن حقها أن تطلب الطلاق متى وجدت ضرورة لذلك ، وحقها في حضانة أطفالها ، ومن حقها المساواة في الأرث وحق العمل،وشغل مختلف الوظائف العامة دون أي تمييز ، وبشكل خاص في المحاكم ، وحقها في أجر متساوي ، وسائر الحقوق والحريات الأخرى.
إن على كل القوى المؤمنة بالديمقراطية وحقوق الإنسان أن تقف إلى جانب المرأة ، ودعم حقوقها ، والنضال من أجل سن قانون للأحول المدنية يتلاءم وحقوق المرأة الآنفة الذكر ويتجاوب ومتطلبات العصر بعيداً عن الشريعة وقيودها ، وعلى الجميع أن يتحملوا مسؤوليتهم لفرض قانون عصري للأحوال المدنية دون أي تهاون ،وقبل أن يفوت الأوان وتفرض الأحزاب الإسلامية قانونها الذي لا يعني سوى تأكيد عبودية المرأة .