في عيد المرأة العالمي هل ننصف المرأة العراقية العادية ..؟



ذياب مهدي محسن
2015 / 3 / 2

أقوال عديدة تتحدث عن " المرأة " وفي عيدها السنوي أتذكر ما أعتبره الأكثر إنصافاً للمرأة مما قيل عنها ، وعن إنصافها، المقولة للشاعر الفرنسي اراغون " لو وقف جميع رجال الكرة الأرضية لمدة خمسين سنة متصلة يعتذرون للنساء عما فعله بحقهن الذكور على مدى التاريخ البشري .. لما كان ذلك كافياً " . وعادة أفضل ما قيل عن المرأة كان من الرجال ، لكن أسوأ ما قيل عنها كان ايضاً من الرجال ....!؟
لم يكن الثامن من آذار من كل عام ، هو يوم المرأة السنوي من حيث الفكرة، وكان في الغالب هو 19 آذار، وهو اليوم الذي قامت النساء الفرنسيات ، قبل مئة عام ونيف بالضبط ، وأثناء الثورة الفرنسية بتظاهرات حاشدة ، طالبن من خلالها بالحق في المساواة والحرية وحق الانتخاب والترشيح ، كل المظاهرات اتجهت الى قصر فرساي ، حيث ظهرت للمرة الاولى فكرة تحديد يوم من كل عام لإنصاف المرأة والدعوة الى إحقاق حقوقها في المساواة والمشاركة السياسية والاجتماعية ، وقامت الامم المتحدة فيما بعد بتحديد الثامن من آذار كيوم عالمي للمرأة .
إذاً ، مائة عام ونيف على اول تحرك منظم لنصرة المرأة ، على الصعيد الدولي ، لكن هذه المناسبة في المعيار العراقي ، تكتسب هذا العام بعداً مختلفاً ، إذ انه يؤرخ عام انتهاك لحريات المرأة وتغيبها مابين ارهاب الدولة واحتلال داعش لقسم من الارض بأسم الدين ؟ فتعرضت المرأة العراقية لأبشع جريمة انسانية واخلاقية من قبل هؤلاء (سلطة وداعش ) على حد سواء !؟ أنها الحرب الهمجية التي شنها الاحتلال الامريكي وادواته داعش وشبيهاتها ؟ ، وما تبع ذلك من تداعيات ونتائج مست بشكل مباشر، كل المجتمع العراقي بكافة أطيافه ، لكنها تركت آثاراً غائرة وعميقة على المرأة العراقية بشكل خاص ، وقد ناقشت العديد من الدراسات وورشات العمل والانشطة هذه الآثار، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية ، ولا اجد ضرورة لتكرار ما اوردته تلك الانشطة من تأثيرات .
مؤسسة فريدم هاوس للدفاع عن الحريات ، وهي مؤسسة اميركية أسستها زوجة الرئيس الاميركي الاسبق فرانكلين روزفلت ، اصدرت تقريرها السنوي قبل ايام ، وأشارت فيه فيما يخص منطقة الشرق الاوسط الى ان هناك تقدماً ملحوظاً في تطور حقوق المرأة في 14 دولة من دول المنطقة ، بينما تراجعت في اربعة دول هي العراق وليبيا واليمن وفلسطين ، ويلاحظ من هذا السياق ، ان الدول الأربعة تعمها الحروب بمختلف اشكالها ، ولعل ذلك يجيب على السؤال الحائر، لماذا تتقدم المرأة في المشاركة في الدعوات السلمية والإخاء والمساواة اكثر من الرجال ، اذ ان المرأة تدرك بحسها المرهف ، وتجربة الزمن ، ان الاستقرار والسلام هما البيئة الصالحة لإحقاق حقوقها ، بينما الحروب ، تجعل منها الضحية الاساسية حتى لو بقيت على قيد الحياة .
ورغم البيئة القاسية التي تعيش تحت كابوسها المرأة العراقية عموماً ، وفي الارض المحتلة من داعش على وجه الخصوص ، يحذونا الأمل في الخلاص من هذا الأرهاب ومن ثم أعادة تأهيل المرأة المستلبه والمهظومة من قبل هؤلاء ؟ . يوم المرأة العالمي ، أأمل أن يكون يوم عراقي بامتياز، فيه تكرم المرأة العراقية ، ولو ليوم واحد على الاقل ، لكن مثل هذا التكريم في التجربة العراقية ، يغبن المرأة العراقية ، المرأة " العادية " فحسب العادة والتجربة ، فإن هذا التكريم يتغافل عن المرأة " المنسية "، التي ليست أرملة قائد ، او والدة شهيد ، او عاملة في الحقل العام ، او بارزة في ميدان الادب والثقافة والسياسة ، أما المرأة العادية ، فهناك تجاهل تام لها ، مع انها وفي كثير من الحالات ، تحتاج الى تكريم اكثر من المكرمات في الصالونات والاحتفالات والمهرجانات ، فما ذنب امرأة ترعى اطفالها بعد فقدان الزوج ، وربما تضطر للعمل في البيوت كخادمة ، او تضطر الى ان تبيع على بسطة في الشارع والزقاق في سبيل لقمة العيش ، او امرأة ، ترعى زوجها المقعد وتدبر امور علاجه ، او امرأة ، تعمل ليل نهار في مهن بسيطة من أجل أن تنفق على تعليم ابنتها او ابنها بعدما فقدت رب العائلة ، أليست مثل هذه النماذج لها الحق في أن نتذكرها ونكرمها ، انها امرأة " عادية " في عرفنا ومذهبنا الثقافي والاجتماعي ، لكنها في الواقع امرأة " خارقة " وكل ما تفتقده هو نصيبها في زوج مسؤول او قائد استشهد أو فقد ، ولم يتسن لابنها او ابنائها ان يستشهدوا، وربما تكون أمية ، لا تقرأ ولا تكتب ، ولكنها ترعى وتعلم اطفالها ، وهي مذنبة لأنها لا تملك الوقت ولا الإبداع ، كي تصبح مشهورة ، يشار اليها بالبنان ، فهي تنفق وقتها وجهدها وراء لقمة العيش ، وتكد من أجل رعاية اطفالها ، ولهذا السبب فهي ليست في وارد التكريم !!.
كل التحية والإجلال والإكبار للمرأة العراقية ، العاملة في كل الميادين ، وعلى الاخص ، الاغلبية العادية منهن ، اللواتي نسيهن المجتمع ، وغبن عن مراسم التكريم والإنصاف ، والجزء المنسي من ذاكرتنا المكتوبة والشفهية ، فهل يمكن أن ندعو لتخصيص يوم للمرأة العادية هذه ، أم ان التجاهل والتناسي والتنكر سيظل مذهبنا ، حتى في يوم المرأة ، والذي لم يصنف فئة هذه المرأة ، ولم يتجاهل المرأة العادية ، التي تنكر لها عيدها !!.... قرنفلاتي