الثامن من مارس وتحطيم وهم حماية النساء



سعاد الحياني
2015 / 3 / 3

بعد أيام سيحل الثامن من مارس، اليوم العالمي للمراة حيث يحتفل العالم بالمرأة ويقف بإرادته أو مكرها ليعترف أن المراة لاتعيش كما يجدر بها أن تكون ..ولا تحصل على الاحترام الذي تستحقه.. ولا تحصد وفق ما تزرعه.. ولا تساهم ايضا بقدر ما لديها من طاقة .كل سنة يمر الثامن من مارس تاركا وراءه الكثير من الضجيج هنا وهناك والكثير من الكلام الجميل والقليل القليل جدا من التغيير الفعلي .ومابين الفهم الحقيقي لمغزى اليوم والفهم الفلكلوري له تمتد العديد من الانشطة والعروض والندوات والاشكال النضالية .لكن افضل ما في هذا اليوم أن العالم -بنسائه ورجاله -يتخلى عن عنجهيته ليعترف بوجود الخلل .وأهم ما في هذا اليوم أيضا أن له رمزية قصوى لا يدركها إلا القليلون يستمدها من كونه تخليد لذكرى احتجاج نساء عاملات تم قمعهن بوحشية.هذه الذكرى تلخص رمزيا ما تحتاجه النساء لتتحررن :
1-خروج النساء للعمل والحصول على استقلال مادي و النضال من أجل ان يكون هذا العمل انسانيا .
2-امتلاك قوة الاحتجاج والسعي للتغيير والوعي بكون التغيير ليس سهلا ابدا وطريقه طويل وشائك.
هذه المفاتيح اساسية لتحرر المرأة وفرض كيانها كذات فاعلة منتجة وغير تابعة لأحد. فحين تستقل المرأة ماديا ويكون بمقدورها توفير حاجياتها الاساسية تنتفي تبعيتها وتتعلم اتخاذ قراراتها بنفسها ولا تكون مضطرة تحت اي اكراه لأن تتنازل عن كرامتها أو ان تفعل ما تكرهه من أجل ارضاء أي طرف مهما كان . وحين تدافع عن حقها في عمل انساني كريم وتناضل من أجله يتكون لديها الوعي بكونها جزءا من منظومة كبيرة . وتعي أن وضعها الشخصي البسيط هو في الواقع هو اكثر تعقيدا من أن تمتلكه لوحدها أو تغيره لوحدها وتعرف ان تحسين أوضاعها يرتبط ارتباطا عضويا و وثيقا بتغير المجتمعات ككل وبالنتالي فإن نضالها يجعلها تصطف الى جانب كل المقهورين.
أما حين تمتلك المرأة قوة الإحتجاج و الإصرار عليه فتكون في طريقها لتغيير اكذوبة ورثت عبر الأجيال وهي عجز النساء و ضعفهن واحتياجهن للحماية .فحين تتعلم المرأة أن تحتج نقابيا وسياسيا تكون قد امتلكت القوة لتحتج على كل ما يقهرها ويستغلها ويضطهدها .وتدرك تباعا ان كل وضعلا يناسبها ولا يعبر عنها حق تعبير هو قابل لأن يتغير على يديها أو على الأقل هو يستحق المحاولة من أجل تغييره.
وإذا كان الواقع الملموس قد اثبت أن استقلال المرأة اقتصاديا لم يجعلها تمتلك تماما قراراتها خاصة هنا في بلداننا الممتدة من المحيط الى الخليج فإن ذلك راجع لكون عمل المرأة ليس حلا سحريا بقدر ما يشكل نقطة البداية .فأهميته ليست في كونه يغير الوضع تماما وإنما في كونه يفتح الطريق امام من تريد التغيير .فالمرأة العاملة المستقلة ماديا لديها دعائم مادية ترتكز عليها لتغيير وضعها الاعتباري والواقعي.لكنها ستكون مجبرة على مواجهة ثقافة متجذرة في المجتمع ،ثقافة تحتقرها وتعتبرها ناقصة وضعيفة وغير مؤهلة ،ثقافة تفرض عليها الوصايةوتحاصرها من كل الجوانب فيكون من الصعب جدا الخروج عليها. لهذا غالبا ما يفقد الاساس المادي الذي ترتكز عليه المرأة العاملة دوره وثقله امام ضخامة الأخطبوط الذي تمثله الثقافة الذكورية. فيتحول عملها من أداة في يدها تمكنها من التحرر الى مجرد عبء اضافي .لهذا اعتبر ان القدرة على الإحتجاج وقوته والرغبة في التغيير شيئ اساسي على النساء اختباره وجعله ركنا من اركان حياتهن اليومية من أجل فرض الذات وتقويض دعائم الثقافة الذكورية التي يدعمها الدين ويجعلها غير قابلة للنقاش أو التجاوز فيصبح القهر والاحتقار والانتقاص من شخص المرأة وعدم المساواة امور مقدسة لا يمكن رفضها أو الاحتجاج عليها وتباعا لذلك لا يمكن تغييرها. ولأن الواقع أيضا اثبت أن الأحكام التي يحملها الدين والثقافة الذكورية اجمالاحول المرأة مجحفة وغير عادلة فغالبا ما يتم اللجوء الى الاحتيال بكون المرأة كائن ضعيف يحتاج لحماية الرجل وبالتالي فإن تلك الاحكام التي تبدو مجحفة تتناسب ووضعها ككائن يحتاج للحماية.ولعل الاصوات التي تجهر بهذه الفكرة تستمد مرجعيتها من الدين وتحديدا الاسلام .فنجد الشيوخ عبر مختلف الوسائل يحرصون على نشر هذه الفكرة ومطالبة النساء بالتحجب وطاعة الزوج وتقبل كل الاحكام في مقابل ان تحصلن على الحماية.فلماذا يدعي هؤلاء أن المراة تحتاج للحماية؟والحماية ممن بالضبط؟ ومتى استطاع الرجل فعليا توفير الحماية للنساء؟
تثبت الدراسات الانتربولوجية أن المجتمع الانساني تحول من شكله الامومي الى شكله الابوي مع ظهور الملكية الخاصة. وكانت رغبة الانسان في تحديد ملكيته وتوريثها لأبنائه عاملا مهما لحرصه على حفظ النسل . ولأن المرأة هي المسؤولة المباشرة على الولادة فقد لزم أن يتم تقنين علاقاتها وتحديدها لمعرفة الابناء الحقيقيين لكل ذكر. وهذا استلزم تباعا الحد من حرية المرأة وتحويلها مع الوقت الى متاع يمتلكه الرجل ليستكمل به وضعه الاجتماعي .وكانت فكرة حماية المرأة وضعفها أحد الافكار التي تم الترويج لها لايهام النساء عبر الاجيال انهن في خطر مستمر وأنه عليهن الاذعان لأمور كثيرة في مقابل الحصول على تلك الحماية الوهمية. فكان أن تطورت الأمور الى أن حبست النساء في البيت وتم اقصاؤهن بشكل نهائي من الحياة العامة .لكن الأخطر أن تتعالى اصوات الآن في هذا العصر حيث خرجت النساء للتعلم والعمل مرددة احتياج النساء لحماية الرجال مع أن هؤلاء لا يحددون ابدا ممن تجب حمايتهاولا كيف بل يكتفون بوضع قائمة شروطهم لتحقيق هذه الحماية المزعومة وهي التحجب وأن ترث نصف ما يرث الرجل ويكون لزوجها الحق في ضربها إن هي رفضت طاعته وغيرها من الاحكام. فضلا عن الكثير من الجمل الانشائية التي لا تقنع احدا.
غير أن ما يحصل فعليا حين يقتنع المجتمع برمته رجالا ونساءً بقصور المرأة ودونيتها و حين يسلب حقها كانسان في المشاركة في الحياة العامة .أن الرجل ينظر للمرأة التي تشاركه الشارع كفضاء عام و كأنها تتهجم عليه في مكان هو ملك له فيرى أن له كامل الحق في الاعتداء عليها سواء بالتضييق أو التحرش أو حتى الاغتصاب .فهذا المجتمع الذي يدعي حماية نسائه لم يسبق له أن أنصف الضحية حين تكون امرأة بقدر ما كان يجهد نفسه ليجد اعدارا للجاني وفي أحسن الحالات يفتح المجال للجاني ليكفر عن ذنبه دون أن يعاقب أو يدان -نموذج زواج المغتصب من ضحيته-هذا حين يكون المجتمع مستقرا آمنا .فماذا عن اوضاع الحرب مثلا حين يكون المجتمع برمته مهددا ؟إن أول ما يثير الانتباه أنه في حالة الحروب يكون المجتمع اكثر تسامحا مع نسائه فيسمح لهن بالخروج من البيت والمشاركة بتقديم بعض الخدمات التي تستطعن القيام بها كالتمريض أو تهريب الاسلحة والغداء للمحاربين أو حتى المشاركة في الحرب إن استطعن ذلك.فيتم آنداك الاعتراف بقدرات النساء وبكونهن قادرات على تقديم خدمة خارج بيت الاب أو الزوج. وينتفي الحديث عن الحماية لتصبح مصلحة الوطن فوق مصالح افراده ..ولم يحدث قط في التاريخ أن وفر الطرف المنهزم الحماية لنسائه وتعرضن دائما للسبي والإغتصاب والقتل وتحملن دائما ويلات الحربفعن أي حماية يتحدثون ؟ وإن كان للرجل هذه القدرة على حماية النساء فالاجدر أن يمارسها في زمن الحروب أو المجاعات أو الكوارث .والاكثر من ذلك فإن المجتمع الذي وضع شرفه وكرامته رهن جسد المرأة وعلاقاتها الجنسية قد جعل نسائه عرضة للاغتصاب والسبي في كل الحروب التي خاضوها فكلما رغب الطرف المنتصر في اذلال خصمه يكون جسد النساء هو المستهدف فيتم توقيع النصر على اجساد النساء فلا يحس المنتصر بلذة الانتصار ان لم يسق معه نساء خصمه سبايا .فعن أي حماية يتحدثون وكلما فتحنا كتابا من كتب تاريخنا ينقلت منه انين النساء المغتصبات من قبل المغول والسلاجقة بل ومن قبل المسلمين انفسهم حين كانت تجرهم المصالح الى الحرب والاقتتال .فلا يحق لأي كان أن يتبجح بحماية النساء لأنه في الوضع الذي تحتجن فيه فعليا للحماية يقف الانسان رجلا وامرأة عاجزين بتلقيان المصير المحتوم ..أما في زمن الاستقرار فلا معنى للحماية لسيما في وقتنا الراهن حيث يتكفل القانون والمؤسسات - على علتهما- بتوفير الحماية لكل أفراد المجتمع نساء ورجالا وأطفالا.