المساواة على قاعدة الفعل السياسي المشترك



سامر أبوالقاسم
2015 / 3 / 4

هناك ضرورة ملحة، في شروط وضعنا الراهن، وفي ظروف حالتنا الوطنية، إلى أن تتقاسم النساء والرجال سلطة اتخاذ القرارات الخاصة بالشؤون العامة، لأنه ببساطة كلاهما يشكل المجتمع سويا، وهم وهن ـ في نهاية المطاف ـ المعنيات بالقرارات السياسية.
فما يمكن اعتباره أساسا للمطالبة داخل مجتمعنا بمساواة المرأة والرجل، يكمن في رؤيتنا التي تنطلق من الرغبة في إقامة نظام أكثر إنصافا وعدالة، ويكمن في الإرادة القوية والجامحة في أن يكون هذا النظام متمتعا بتماسك اجتماعي قوي؛ تعزز وشائجه كل العلاقات والتفاعلات الجارية بيننا كأفراد وجماعات ومؤسسات، ويكمن فيما يمكن أن نتحلى به من شجاعة سياسية قادرة على إحداث تقدم مستدام قابل للقياس نحو مساواة بين المرأة والرجل في كل مواقع القرار.

إن الارتقاء بمنظورنا للمساواة بين المرأة والرجل، يبدأ من حيث قدرتنا على استبدال النماذج السياسية القائمة على أساس التمييز بين الرجل والمرأة، والعمل على فتح فضاءات أرحب من حيث إنصاف النساء في مجالات اتخاذ القرارات الجماعية، محلية كانت أو جهوية أو وطنية. ولعل هذا المنظور هو الكفيل ـ ليس لوحده طبعا ـ بإضفاء طابع الشرعية أكثر على تمثيلية النخبة السياسية في بلادنا، والابتعاد عن التحليق في فضاءات الاستفادة من الامتياز أو الريع السياسي.

إن الانتقالات الإيجابية على مستوى الدمقرطة والتحديث داخل المجتمعات، وكذا التحولات الاجتماعية والثقافية والتربوية، دائما كانت ولا تزال في حاجة إلى تفكير وتنظير وتخطيط وبرمجة وأجرأة... وهو ما يستدعي التحلي ببعد النظر وطول النفس والصبر. وإذا ما تم استحضار مطلب المساواة بين المرأة والرجل، كمفصل من مفاصل هذه الانتقالات والتحولات، فإننا نجد بأن كل أشكال وأنواع التمييز ضد المرأة منغرسة ومتجذرة في الذهنيات والعقليات وفي نسيجنا المجتمعي وفي غالبية تجاربنا وتفاعلاتنا اليومية، بالشكل الذي يصبح معه التفوق الذكوري يحتل جزءا كبيرا من التفكير الجماعي والمنظورات الفردية والتعاملات الجارية، وكذلك الأمر بالنسبة لدونية المرأة.
فعدم حضور المرأة في السياسة والعمل السياسي بالدرجة المطلوبة غالبا ما يعزى إلى ذاك التوزيع المنطلق أساسا من فكرة أن المرأة مكملة فقط لأدوار الرجل، وبالتالي فهي تستبعد من اتخاذ القرارات. وكثيرا ما يتم رده إلى أن خشونة الحياة السياسية غير ملائمة للنزعة العاطفية للنساء المتصفات بالرقة والحنان. وفي بعض الحالات يفسر على قاعدة أن اهتمامات المرأة في المجال السياسي ليست كبيرة مقارنة مع اهتمامات الرجل...
وأمام مطلب مساواة المرأة للرجل ينتصب البعض واقفا، مدعيا تارة الأولوية للتصدي لحل مشكلات أخرى أكبر، وأن الأمر يتطلب تحليا بالصبر أكثر، وأن إجراءات التمييز الإيجابي من أجل تيسير إدماج المرأة أظلم، وكل هذا يخفي رغبة حثيثة في عرقلة مسار النساء للوصول إلى مراكز القرار. وهي كلها مبررات ومسوغات للعمل على إعادة إنتاج نظام سيء مبني أساسا على عقدة التفوق الذكوري من جهة، واختزال النظر إلى المرأة من زاوية الدونية مقارنة بالرجل من جهة أخرى. وهو ما يعطل آليات مساءلة أشكال وأنواع اختلال التوازن في النظام العام وأوجه التمييز ضد المرأة من أجل الحيلولة دون وصولها إلى مراكز القرار.
إن كل طرق وكيفيات وصيغ العرقلة والفرملة في مجتمعنا اليوم، وخاصة منها تلك التي تطال مطلب المساواة بين المرأة والرجل، لا يمكنها بالبات والمطلق أن تحل مشكلة التمييز ضد النساء، ولا إشكالية إعادة إنتاج نظام تبعية النساء للرجال، وهي في أحسن الحالات تعمل على إرجاء حل المشكل، وتعطيل آلية من آليات التنمية والدمقرطة والتحديث بالنسبة للمجتمع بصفة عامة.
والحال أن سعي الدولة والمجتمع معا إلى تيسير شروط وظروف استفادة النساء من التمثيلية السياسية، والحد من نسب التمييز ضدهن، وإعادة الاعتبار لهن بدل إقصائهن وتهميشهن، سيعمل على استعادة العمل السياسي لمشروعيته، وهو أمر على قدر كبير من الأهمية بالنسبة لبلادنا على مستوى مواكبة مسار التنمية والدمقرطة والتحديث.