حين تهدد الجمعيات النسائية بمقاضاة الحكومة أمميا .



سعيد الكحل
2015 / 3 / 4


هل نحن في دولة القانون ؟ أم على بابها ؟ أم خارج أسوارها ؟؟ مؤسف حقا أن تجد الجمعيات النسائية وكل المدافعين عن حقوق المرأة أمام الباب المسدود بعد أن أغلقت الحكومة كل منافذ الحوار وتنكرت لمبدأ التشارك أمام الهيئات النسائية من أجل تفعيل بنود الدستور المتعلقة بالوضع القانوني والاجتماعي والاعتباري للمرأة وحمايتها من كل أشكال العنف والتمييز والاستغلال التي تتعرض لها المرأة في مختلف مراحل عمرها وأوضاعها الاجتماعية والمهنية . ولعل التقارير الصادرة عن الجمعيات النسائية تضع الحكومة على رأس الجهات المسئولة عن استمرار الوضع الكارثي الذي تعيشه النساء ، بل والإصرار على توسيع دوائره ليشمل أوسع الفئات العمرية من النساء والفتيات . فعوض التصدي الحازم للاستغلال الجنسي والنفسي والجسدي والمادي للطفلات ، تركب الحكومة عنادها بشرعنة كل أشكال الاستغلال ؛ الأمر الذي سينعكس ، بكل فظاعة ، على نسب الضحايا من الإناث/الطفلات التي تضاعفت أمام صمت الحكومة وتواطئها ، بحيث كشفت التقارير الرسمية عن تزايد زواج القاصرات ضدا على ما كانت ترومه مدونة الأسرة ؛ إذ انتقل من 18 ألفاً و341 عقداً عام 2004 ، تاريخ سريان مفعول المدونة ، إلى 35 ألفاً و152عقد زواج عام 2013، أي بنسبة ارتفاع بلغت 91.6 ٪-;-. إحدى عشرة سنة مرت على وضع مدونة الأسرة ولم تزد الاستغلال إلا استفحالا . فهل نحن بحاجة إلى مدونة جديدة أم إلى حكومة مواطنة ؟ أكيد أن أي حكومة تشرّع للاستغلال وتشرعن الظلم الاجتماعي لنصف المجتمع وتعطل الدستور في كل ما يتعلق بالارتقاء بالنساء وتحسين أوضاعهن ، ليست حكومة مواطنة ؛ وطالما هي على هذه الصفة والحال ، فلن تجدي البيانات ولا العرائض في تغيير موقف الحكومة من قضية النساء التي تمثل ، بالنسبة للحزب الذي يرأس الحكومة ، قضية عقائدية وليست سياسية أو حقوقية . فأيا كانت التشريعات منصفة للنساء ، فإنها لن تجد سبيلا لتفعيلها في ظل حكومة يحمل رئيسها ثقافة تبخيس النساء ويؤمن بوضعيتهن الدونية ويحشرهن في خانة "العورات" ، بل متشبع بالموروث الثقافي الذي يجعلهن "ناقصات عقل ودين" وأنهن ما خُلقن إلا للإنجاب والأعمال المنزلية ، وفي أحسن الأحوال "ثريات" لتزيين المنازل وخدمة الذكر/الزوج (سي السيد). حكومة بهذه الرئاسة وبهذا الإرث الثقافي المنحط ، لن تتصدى للعنف الممارس ضد النساء ولن تعمل على محاربته ؛ وهذا الذي جعل نسب ضحايا العنف في ارتفاع رغم كل الحملات التوعوية والتحسيسية التي تنظمها الجمعيات النسائية ، دون أن تكلف الحكومة نفسها وضع الآليات القانونية للتكفل بالناجيات من العنف . فبحسب التقرير الذي أصدرته جمعيات مغربية تنشط في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، فأن 62.8 في المائة من المغربيات تعرضن للاعتداء، من بينهن 55 بالمائة يعانين من العنف الزوجي . لقد تعقدت أوضاع النساء بفعل التراجعات الخطيرة التي أقدمت عليها الحكومة وكرستها بما سنته من قوانين وما رفضته من مطالب نسائية ، خاصة تلك المتعلقة بوضع قانون إطار لمناهضة العنف ضد النساء . فبعد رفض الحكومة منع زواج القاصرات وإلغاء المادة 16 من مدونة الأسرة التي يتم استغلالها لشيوع هذا النمط من الزواج ، وكذا المادة 21 من المدونة التي تسمح بزواج الفتيات أقل من 18 سنة ؛ سنت الحكومة قانونا يجيز عمل الطفلات خادمات في البيوت ، الذي هو وصمة عار في سجل التشريعات المغربية . ذلك أن المسئولية السياسية والدستورية للحكومة تلزمها بتوفير فرص التعليم والتمدرس لكل أبناء المغاربة ، وليس أن تضع لهن تشريعا يكرس استغلالهن ويحولهن إلى جواري .
أمام هذا التعنت الحكومي والاستفراد بالقرار والتشريع ، لم يبق أمام عدد من الجمعيات النسائية المدافعة عن حقوق النساء سوى اللجوء إلى الآليات الأممية لمقاضاة الحكومة والضغط عليها قصد احترام التزامات المغرب الدولية وتفعيل بنود الدستور الذي ينص على المساواة والمناصفة . وإنها لسابقة أن تلجأ هيئات نسائية إلى الآليات الأممية ضد حكومة بلادها من أجل إنصاف المواطنات ، ما يعني أن الحكومة ليست حكومة لكل المواطنين تصون حقوقهم وتحمي كرامتهم . حكومة بهذا التعنت تثبت أنها حكومة تتصرف وفق قيم الذكورة التي تتجاهل ، ليس فقط المطالب النسائية ، ولكن أيضا حقوقهن الدستورية . حكومة ، إذن ، لا تكتفي بقطع الأرزاق بل تتجاوزها إلى مصادرة الحقوق ؛ حكومة ستضيع على المغرب ردحا من الزمن وستكلف شعبه جهدا أكبر في الدفاع عن المكتسبات بدل توسيعها ومراكمة المزيد . ولعل خروج النساء في مسيرة وطنية يوم 8 مارس من أجل تفعيل المساواة والمناصفة اللتين نص عليهما الدستور دليل قاطع على تهديد المؤسسات الدستورية الذي يستوجب تدخل رئيس الدولة لوقف الانهيار وتصحيح المسار .