يوم المرأة السورية وحق الحياة والحرية - إلى نائلة حشمة -



بدر الدين شنن
2015 / 3 / 6

تطل المرأة السورية .. الصابرة الشجاعة .. في يوم المرأة العالي ، هذا العام أيضاً ، من بين أهوال دمار ، وحرمان ، وأحزان ، وتحديات الحرب ، التي فرضت على وطنها وشعبها ، من قبل دول استعمارية ، وأنظمة رجعية ، وقوى إرهاب دولية ، هي وريثة عصور الغاب المتوحشة .

تطل من بقايا مدن .. صارت أحواض الورد فيها مقابر .. ومعظم دورها وشوارعها خرائب ، أو من مدن محاصرة بالموت وبالتحصين المضاد للموت ، ومازال أبناؤها ، وبيوتها ، وشوارها ، عرضة للسيارات المفخخة ، والعبوات الناسفة ، ولقذائف وصواريخ من فاتهم تدميرها ، وهم عليها مسيطرون ، أو فشلوا في السيطرة عليها .

تطل من مخيمات وسكن اللجوء .. من بين ملايين اللاجئين ، في داخل الوطن ، حيث يتكدسون في مراكز الإيواء المؤقتة المرهقة ، وفي خارج الوطن ، حيث كرم وتواطؤ دول الجوار والأشقاء ، يغمرهم بالبؤس ، والذل ، والشقاء ، ويتعرضون كطعان البهائم ، للتوزيع على هوامش مجتمعات بلدان أخرى ، لتقليص أعدادهم بصورة منهجية ، خوفاً من أن يتحولوا ، عند انكشاف فضيحة المؤامرة ، والخداع ، والكذب ، والتجارة بهم وبمصائرهم وكرامتهم ، إلى قنابل موقوتة ، تعرض أمن بلادهم للاهتزاز ، أو يتسرب عبرهم الإرهاب ، لنقل الحرب القذرة ، التي خططوا لها ونفذوها ودفعوا تكاليفها، إلى مدنهم وبيوتهم . والقاصرات هناك يتعرضن لصفقات زيجات النخاسة في مرابع الشيوخ والأثرياء والملوك .

وتطل هذا العام أيضاً ، كما سنوات الحرب الأربعة السابقة .. بعيون ملؤها الدمع حزناً على أعزاء ’قتلوا .. عبثاً .. ولؤماً .. وتوحشاً ، وبقلوب يحرقها الشوق لغائبين ، لم يعرف مصيرهم على دروب الهجرة والتهجير ، وبأفكار قلقة .. متوترة .. تبحث عن أفق النهاية ، للكارثة المروعة المتحكمة ببلادها ، التي فاقت كل الحدود السوداء والحمراء ، سواء بسفك الدماء الإجرامي المتعمد ، أوالتدمير الهمجي للعمران ، والمقدسات ، ولمقومات العيش المدني المتحضر ، أو بانتهاك هيستيري حاقد للكرامة الوطنية ، والشخصية ، والإنسانية .

إن المرأة السورية تتحمل ، فضلاً عن قضاياها واحتياجاتها النوعية كامرأة ، في بيئة ما تزال يأكلها عفن الفوات والتخلف ، تتحمل عبء الحرب مضاعفاً . إنهم يدمرون بيتها .. فتضع جسدها سقفاً ودرعاً لأسرتها وأبنائها . والطفل الذي حملته وأعطته من دمها .. وولدته .. هنا .. وهناك .. فوق الأرض السورية .. ورعته بحنانها .. وحليبها .. ودموعها .. وكبر .. حتى صار مثل شجرة الصنوبر والتين والزيتون .. تمرد وقتل .. وقاتل و’قتل . والزوج ، والأخ ، والأب ، والجار العزيز ، الذين احتضنوها بالحرص ، والمودة ، والحماية ، فقدتهم ، حيث غابوا قسراً خارج الحدود ، أو استقروا بحفر " قبرية " مجهولة ، فعوضت بحراكها في كل الأصعدة المتاحة ، عن الزوج والأخ والأب والجار . وابنتها .. زهرة العمر وبهجته ، وحلم الفرح بها وبأولادها ، مهددة بالاختطاف ، والاغتصاب ، أو فقدتها على دروب التشرد بحثاً عن ملاذ آمن .

ومثل المرأة السورية ، في أيام التاريخ الأولى ، على مدار آلاف السنين ، التي ارتبطت بها مسؤولية استدامة الحياة ، وسلامة المأوى ( الوطن ) وحمل الحلم وحفظه من الضياع .. مرات .. ومرات .. لا تحصى . وعندما يذهب الرجل ولا يعود ، تصبح هي الأم والأب ، وهي الحنان والحب ، وهي الإرادة والشجاعة . ووفرت بدائل لمقومات الحياة القاسية بأساليب مبدعة ومتجددة .. من جني الثمار .. إلى التدجين .. إلى الزراعة . وبفضلها استمرت الحياة بعد التذابح والاقتتال والحروب ، بمزيد من الخصوبة ، والرعاية للطفولة والأجيال النامية . وبفضل ذكائها وصبرها ، ومشاعرها الرقيقة المتميزة ، تقلص الوحش الغريزي في الكائن الإنساني ، الذي يتجلى في التنافس الحيواني المدمر لامتلاك السطوة على الآخرين وعلى مقتنياتهم . ونما مقابل ذلك وكبر الخير في الإنسان ، واحتل مكانه الثابت في معادلة .. المفيد والضار .. والصح والخطأ .. الحلال والحرام .. الخير والشر .

ومثل تلك المرأة السورية النبيلة المعطاءة عبر التاريخ .. إن المرأة السورية الآن ، في زمن الحرب الغادرة القذرة ، تواجه بمسؤولية الرعب المنتشر حولها ، وتعمل ما بوسعها ، لتأمين استدامة الحياة ، وتواصل البقاء ، في كل مدينة وقرية ، وفي كل مخيم اغتراب . فهي بحنو صدرها ، وصلابتها ، ووعيها الأنثوي العميق الأصيل ، تخترق حرائق ودخان الحرب ، وانفجارات التدمير والقتل والموت ، وتفتح الأفق على النور .. والألوان .. والجمال .. والحب .. والطفولة .. والفرح . وتبني بأحلام النوم واليقظة ، بيوتاً جميلة سوف تبنيها بدلاً من بيوتها المهدومة أو المسروقة .. وترسم لأطفالها ولمن حولها ، دوائر المستقبل ، وتمنحهم الثقة بالغد . وتقاوم ضيق الخيمة والمكان المؤقت المحشورة فيه .. بالنظر .. نحو الجنوب .. أو نحو الشمال .. وشرقاً وغربا .. حيث الأهل والبيت والوطن .

وتفتخر أنها قاتلت في " كوباني " الوحش " داعش " وهزمته .. وحررت " كوباني " البطلة من مذلة وتوحش الإرهاب .
وصمدت بوجه حصار النار ، والموت ، والحرمان المتعدد ، لتحافظ على حلب الشهباء شامخة ، تليق بإرث أبو الطيب المتنبي ، وسيف الدولة ، وإبراهيم هنانو ، وسعد الله الجابري .
وتألقت بدمشق ، تحت قتل القذائف والصواريخ اليومي ، لإبقاء عاصمة الوطن ، مشرقة ، في حياتها اليومية ، في الشارع ، والسوق ، والمشفى ، والمدرسة والجامعة ، والمسجد ، والكنيسة .
وفي حمص وحماة ، برهنت على الحرص على مدينتها ، وسلامة أبنائها ، ورسخت أسس البقاء والحياة .
وفي مدن الساحل وإدلب هي مظلة الأمان والاستقرار .

ومن حقها ، حيث هي ، في أي مكان من الأراضي السورية ، وفي أماكن اللجوء ، أن تتصدر اهتمام العالم ، واحترامه ، وتضامنه معها .. من أجل السلام وتحرير الوطن من الإرهاب الدولي .. من أجل العودة إلى الوطن والبيت .. من أجل عودة الأمان للإنسان السوري واحترام حقه بالحياة والحرية .. من أجل عودة قوس قزح الفرح للصبايا .. والأمهات .. والحبيبات .. الذي غاب طويلاً .

كل الإجلال والاحترام للمرأة السورية في يومها العالمي .. هذه المرأة .. الضامنة .. بأصالتها .. وبطولتها التاريخية الشاملة .. وصدق انتمائها .. وحدة الأسرة والشعب والوطن .