حقوق المرأة في منطقتنا بين الموروثات والتطرف



جوزيف بشارة
2015 / 3 / 9

لا يمكن أن يمر اليوم العالمي للمرأة من دون أن نتذكر حال المرأة في مجتمعاتنا. المرأة التي لا نقدّرها أبداً بحجم عطائها الحقيقي لنا كأفراد وكمجتمعات. خلال العقود القليلة الماضية حققت المرأة حول العالم، باستثناء البلدان العربية والإسلامية، قفزات جيدة في طريق الحصول على حقوقها كاملة. استطاعت الوصول إلى أكبر المناصب، تمكنت من الحصول على أعلى الشهادات، وأثبتت المقدرة على اتخاذ القرارات المصيرية الحاسمة. لم تعد المرأة في الخارج تجلس تحت أقدام الرجال، ولم تعد تنتظر قرارات الذكور لتحديد مصيرها، ولم تعد تقبل بدور ثانوي في الحياة العامة يمّن عليه بها المجتمع البطريركي. تحولت المرأة إلى فاعل أساسي وبطل حقيقي في مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والرياضية وغيرها.

في مجتمعاتنا تكاد الحالة الاجتماعية المتدهورة للمرأة تراوح مكانها. لا قفزات إلى الأمام ولا حتى خطوات صغيرة. يعود السبب الأساسي في هذا الحال إلى موروثات بالية لن نقدر حتى يومنا هذا على إزاحتها، وعوامل دينية تضع المرأة في مرتبة تالية للرجل. يبدو التغلب على سيطرة الموروثات على وجدان الإنسان في المنطقة العربية والإسلامية أمراً يسيراً بالمقارنة بالحصار الذي تفرضه العقائد الدينية على عقل ونفس وروح وعاطفة الإنسان في مجتمعاتنا. التعليم والتثقيف ربما يكونا قادرين على إزاحة الموروثات العتيقة غير السليمة، لكن الأزمة الحقيقية تتمحور في العقائد الدينية الجامدة التي يؤمن الكثيرون، أميون ومتعلمون، جهلة ومثقفون، بثباتها أمام متغيرات الحياة. ولا تبدو العوامل الدينية قابلة للإزاحة بدون ثورة دينية شاملة تصحح المفاهيم وتزيل ما هو طالح وتبقي ما هو صالح.

بين الموروثات البالية والعقائد الدينية الجامدة تُهدر عن عمد حقوق المرأة. للمقارنة بين الحقوق المنتقصة للمرأة بتلك التي يحصل عليها الرجل بالمقارنة بالحقوق المنتقصة للمرأة، كتبت الباحثة مها عبد الإله السويس مقالاً بعنوان "10 حقائق لم تعرفها عن المرأة في العالم العربي" نشره موقع البنك الدولي، ذكرت فيه الباحثة أن متوسط نسبة تمثيل النساء في البرلمان لا تتجاوز 7% من إجمال عدد المقاعد في العالم العربي. وبالنسبة لمشاركة المرأة في القوة العاملة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تصل نسبة مشاركتهن إلى 25%، ولا تتجاوز نسبة العاملات في القطاع غير الزراعي أكثر من 17%.

يمضي المقال للتأكيد على أن البلدان العربية تقبع في ذيل الترتيب العالمي في تقرير الفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، حيث "ينخفض متوسط أداء أعلى بلدانه أداءً عن المتوسطات الإقليمية لجميع مناطق العالم الخمس الأخرى." يذكر المقال أن دولة الكويت تعتبر "أعلى بلدان العالم العربي أداء وتحل في الترتيب 113 من بين 142 بلداً." يشير المقال نقلاً عن مؤلفي التقرير العالمي للتفاوت بين الجنسين إلى أنه سيتعين على النساء الانتظار 81 عاما حتى تتحقق المساواة بين الجنسين في العمل حول العالم.

وفي إضافة لها مغزاها تشير الباحثة مها السويس إلى انتشار مرض الاكتئاب بين نساء مجتمعاتنا بصورة تفوق كل المعدلات العالمية. تذكر الباحثة مها عبد الإله السويس في مقالها نقلاً عن تقارير دولية تُصنف المنطقة في المرتبة الأولى عالميا من حيث معدلات إصابة النساء بالاكتئاب. وتشير إلى أن سبع من بين الدول العشر الأولى عالميا من حيث إصابة النساء بالاكتئاب تقع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتذكر تقارير أن النساء في الفئة العمرية 15-49 عاما هن الأكثر تأثرا. وربما كان الاكتئاب نتيجة طبيعية للضغوط الرهيبة التي تتعرض لها المرأة في مجتمعاتنا نتيجة عدم مساواتها بالرجل والظلم الذي تتعرض له.

قد يرضى الكثيرون بالوضع السيء للمرأة في مجتمعاتنا، وقد يسعى البعض لتكريس موقع المرأة كعنصر مكّمل وليس أساسياً في بلاد منطقتنا. لكن هل يمكن لمن يؤمنون بالمساواة العادلة بين الرجل والمرأة أن يتقبلوا بصمت الاضطهاد والقمع اللذين تتعرض لهما المرأة؟ تقول كارين كراون المديرة المعنية بشئون المساواة بين الجنسين بمجموعة البنك الدولي أنه حان الوقت لتحقيق "نتائج حقيقة تمكن المرأة وتسد الفجوات بين الرجال والنساء" حول العالم."
الحقيقة أن الكلام سهل، أما العمل فهو أكثر صعوبة. وعلى الرغم من بعض التقدم الذي أتم إنجازه على المستوى في العقود الأخيرة في أمور كالتعليم الأساسي والصحة، إلا أن تحقيق تقدم على الساحة الاجتماعية يبدو أنه يسير في الاتجاه العكسي. المعوقات التي تواجه العمل على تحقيق المساواة في المجتمعات العربية والإسلامية في السنوات الأخيرة أصبحت تزداد باطراد في الأعوام القليلة الماضية. الظهور القوي لجماعات متطرفة وتنظيمات إرهابية من عينة الإخوان المسلمين والقاعدة والدولة الإسلامية وبوكو حرام يكاد يغتال الأمل في نقل المرأة من وضعها الاجتماعي المزري إلى وضع أفضل. اليوم حيث تتكثف الجهود لمواجهة مسلحة طويلة الأمد مع الإرهاب في سوريا والعراق واليمن ومصر وليبيا، أرجو ألا يستنزف المجتمع الدولي كل طاقاته في هذه المواجهة، وذلك حتى يتمكن من تقديم بعض المساعدة للمرأة المقهورة في منطقتنا.

مصادر:

http://blogs.worldbank.org/arabvoices/ar/ten-facts-about-women-arab-world
http://www.albankaldawli.org/ar/news/feature/2015/03/06/international-womens-day-2015-this-is-the-year