جرائم بلا عقاب



نضال نعيسة
2005 / 9 / 20

عندما يعلم الجاني أنه سيفلت بفعلته,أيا كانت ,فإنه لن يتورع عن ارتكاب أي جرم يحقق له مصلحة خاصة دنيئة,أو يرضي خيالا مريضا مشوها بنته تربية متخلفة,ومجتمع بدائي زرع فيه كل نوازع الشر ,والعدوانية,والدونية نحو مخلوق إنساني جميل ,وضعيف يشاركه هذه الحياة.ومن سخريات القدر ومفارقاته المضحكة أن هؤلاء الجهلة لا يعرفون من كل قوانين وشرائع الحياة,إلا تلك التي تسهل له ارتكاب الجريمة ضد المرأة ,تحت يافطة الشرف,تساعده في فعلته قوانين لم تعد تواكب الحياة الإنسانية المتحضرة على الإطلاق.وللأسف فقد كانت مجمل القوانين الوضعية تنصف الإنسان ,بغض النظر عن جنسه ,ذكرا أم أنثى كان,ومن هنا انخفض ما يمكن تسميته بجرائم الشرف إلى الصفر في المجتمعات التي تأخذ بها,فيما ظل هذا النوع من الجرائم يتفاقم في المجتمعات التي تدعي العمل بقوانين مستمدة من السماء.وعندما تهلل ثقافة الموت للجريمة,وتعتبرها بطولة وإنجاز ,فليس من المستغرب أبدا رواج هذا النوع من البزنس والتجارة بحياة النساء. وكلما ازدادت نسبة الجهل,والفقر,والأمية كلما ازدهرت حمى القتل ,والانتقام, وكان لهذه الجرائم نصيبا أكبر من الحدوث.

من المعلوم تماما أنه عندما تستفحل أية ظاهرة سلبية في أي مجتمع ينبري مشرعو هذا المجتمع لسن القوانين والشرائع لوضع ضوابط وروادع تحد من هذه الظواهر السلبية المنفلتة العقال,ولحماية المجتمع من الغوص في أتون كوارث تستنزف طاقاته ,وتستهدف وجوده.وعندما يقوم أي كان بتنفيذ القانون بيده ,فهذا يعني أن لا وجود للقانون في هذا المكان على الإطلاق,وهذا ما ينطبق بالكمال والتمام على ما اصطلح تسميته بجرائم الشرف ,والشرف منهم براء.وإن أية قوانين تبيح ,وتسهل الجريمة,تحت ذرائع الموروثات الغيبية التي نشأت على في حقب التخلف والانحطاط والإنغلاق,يجب ألا يؤخذ بها على الإطلاق,ومن الواجب القانوني ,والوطني ,والأخلاقي ,والإنساني إسقاطها من العمل والحسبان. ولكن ,وفي الحقيقة هناك صمت مريب ,ومشين فيما يتعلق بهذه الجزئية التي تتناول المرأة ,في القوانين التي يعمل بها في هذه المنطقة من العالم,وتواطؤ مرير, لا بل مصلحة ما , بين القوى المتزمتة المحافظة ,وأنظمة الإستبداد والطغيان ,وهذا ما يؤكد على العلاقة الجدلية المتلازمة بين الجانبين فيما يتعلق بالنظرة العامة والشاملة لقضايا تحرر ,وحقوق الإنسان بشكل عام. كما يجب أن تدخل ما يسمى بجرائم الشرف في حيز الجريمة الكاملة الحاصلة عن سبق الارصد والإصرار ,وإنزال أقسى العقوبات بها ,ومحاكمة كمجرم قاتل منحرف لا يجوز بحال إيجاد الأعذار المخففة له ,ولا بد من النظر ومحاكمة أولا الأسباب ,والظروف السياسية,والإجتماعية والاقتصادية التي أدت إليها,وعدم أيجاد أية تبريرات تزيد من تفاقمها وبلوغها حد الفلتان ,والوباء ,والكارثة الاجتماعية.وإن أي تساهل وتغاض عن هذا سيعني في المحصلة مزيدا من الضحايا الجدد الذين سيصبحون في النهاية مجرد أرقام في إحصائيات صماء.

من المعلوم تماما أن أية جريمة ,أو انحراف,أو شذوذ,ومن منظور نفسي بحت ,هو وليد ظروف إنسانية مزرية,وتربية غير سليمة,أو نتيجة مباشرة لخلل نفسي ما تساعد في نشأته ,وتبلوره ظروف وعوامل كثيرة لا مجال لسردها الآن.ومن هنا كان القضاة,وفي القضاء المدني المتطور في بلاد قطعت أشواطا في هذا المجال ,وفي كثير من الأحيان ,يجدون الأعذار المخففة للكثير من الجرائم ,والجنح ,والانحراف من دون أن يبرئ فاعليها كليا.وهذا الأمر ينطبق على الجاني والضحية في نفس الوقت.فالجاني هو أيضا ضحية موروثات وتقاليد وأعراف بالية.

ولعل كثير من الجرائم,ولاسيما ما يسمى بجرائم الشرف ,إن صحت التسمية ,يدخل في أسبابها كثير من العوامل الاجتماعية كالكبت,والظروف الشاذة ,وتناول هذا الموضوع الحيوي والحساس من منظور متشدد وصارم يضع أي محاولة لمقاربته في نطاق التحريم.ومن هنا صار التعامل مع هذا الموضوع بالكثير من النهي ,والتعميم ,وانعدام وجود ثقافة جنسية تجعل النظر لأمر كهذا يدخل في نطاق الوظائف الحيوية الطبيعية اللازمة لاستمرار الحياة,لا التصورات المريضة,والأوهام الغيبية البعيدة كليا عن الواقع والحياة,والتي جردت الإنسان من إنسانيته ووضعته في مراتب الوحوش والذئاب.وهذا ليس تبريرا لأي سلوك منحرف ,وشذوذ ودعوة للرذيلة كما قد يفهمها أصحاب الأوهام,ولكنها دعوة للنظر إلى الموضوع برمته من منظور علمي بعيد عن التشنج ,والتمسك بالموروثات الفكرية التي جعلت الحياة بمجملها عاجزة عن التقدم والسير في الإتجاه الصحيح المناسب.وعند حدوث أي انحراف ,أو شذوذ جنسي ,أو خلل سلوكي في حياة أي إنسان يجب البحث عن الدوافع ,والظروف التي أدت إلى هذا,ومحاولة منع حدوثه مرة أخرى ,قبل التفكير في وسائل ,وأساليب القصاص التي بدت غير مجدية في أغلب الأحوال.والنظرة الشمولية المتخلفة كما هو معلوم تضع جميع الحالات ,وتكون نظرتها واحدة ,في نفس المقياس والميزان.

لقد بات واضحا عجز هذه البنى السياسية والاجتماعية عن حماية هذا الإنسان بشكل عام ,والمرأة بشكل خاص من كافة التعديات في هذه المنطقة المنكوبة,والفشل في تقديم أي نوع من الرفاهية والضمان لحياته,ولقد أصبحت المرأة تحديدا,هدفا للكثير من سلوك التنكيل والاضطهاد جعلت حياتها مستباحة للمرضى والشذاذ الذين ينعمون بحماية رسمية وقانونية وفرتها دساتير وقوانين أغلقت الباب ‘لى أي تطوير وإبداع بدائية.ولذا صار من اللازم تدويل قضية المرأة ,ووضعها تحت وصاية الأمم المتحدة في ظل بقاء النظرة الدونية لها .تماما كما تم التعامل مع موضوع الإرهاب.وإلزام هذه الدول بسن تشريعات تكفل لها حياة كريمة مصانة من عبث العابثين المتسلحين بأفكار شيطانية لا سيما كما يبدو من أن هذه المجتمعات سائرة في غيها ,وطريقها المظلم ,ولا يتوفر لديها النية الصادقة في تحرير المرأة من براثن الجهلة ,ولا بد من وقفة دولية لوقف هذا الاستشراء.وبالأمس اتخذت الأمم المتحدة قرارا بمعاقبة كافة الدول التي تحمي,وتساعد ,وتحتضن جماعات الإرهاب,ولم لا تتسع رقعة هذه القرارات المباركة لتشمل حياة المرأة التي أصبحت مهددة بشكل كبير.وبشكل مواز تماما, مطلوب وضع قوانين وضعية تردع الجناة ,وتضمن ألا تمس المرأة بسوء ,وينالها ضيم تحت شتى الذرائع والمسميات.إذ لم يعد مقبولا كل هذا الفلتان ,والانحلال الذي جعل المجتمع كله مهددا وعلى أكف العفاريت ,والجان.

لا بد من التذكير والقول أن حالة الجريمة التي ذهب ضحيتها المجني عليها هدى أبو عسلي ,لا تدخل كليا في إطار جرائم الشرف ,لانتفاء طابع الإعتداء ,أو الانتهاك والمواقعة بعيدا عن أعين الرقباء والأوصياء,أو الشبهة الجنسية ,وكان هناك زواج حاصل وشرعي,ولكنها تدخل في نطاق أكثر خطورة يسبغ عليها الطابع الطائفي ,العرقي والعنصري البغيض,وربما هو ,حسب رأييي,ومن منظور إنساني وعلماني,أشد خطورة,ووقعا ,وألما,وبعدا مستفبليا من الحيز الجنسي الضيق ,البسيط,.