المرأة: الواقع الحقوقي / الآفاق.....2



محمد الحنفي
2015 / 3 / 17

إلـــى:

§ ــ المرأة في عيدها الأممي الذي يبقى محتفى به حتى تحقيق كافة الحقوق الإنسانية للمرأة.
§ ــ جميع الحاضرين في أول ندوة تقيمها جمعية التنوير للثقافة والفكر، بعد الانتهاء مباشرة من عملية إنجاز ملفها القانوني.

§ــ كل من وجهنا إليهم الدعوة، ولم يحضروا إما لغياب الاهتمام، أو استخفافا بالجمعية.

§ــ الأعضاء المؤسسين لجمعية التنوير للثقافة والفكر.

§ ــ أعضاء المكتب الذين أخذوا على عاتقهم السير بالجمعية، في اتجاه تحقيق أهدافها النبيلة.

§ ــ من أجل ثقافة تنويرية متحررة.

§ ــ من أجل ترسيخ قيم نبيلة في واقعنا.

مفهوم المرأة:

إننا عندما نطرح هذا المفهوم للنقاش، لا نكاد نستثني أحدا من النظرة الدونية للمرأة، مهما كانت المكانة التي تحتلها في المجتمع، ومهما قدمت من تضحيات لا حدود لها، من أجل المجتمع، مع أنها هي التي ولدت:

1) لتضحي من أجل أسرتها.

2) لتضع نفسها رهن إشارة زوجها.

3) لتهتم بإعداد بناتها وأبنائها جيدا.

4) لتضاعف المجهود في عملها، وفي كل ميادين الاشتغال.

5) لتكشف عن قدرات فائقة في المجالات العلمية والمعرفية.

6) لتفصح عن قدرات فائقة في مجالات الإبداع الفني والأدبي.

7) لتبرز كفاءاتها وقدراتها الفائقة، في الساحة النضالية: الجماهيرية، والسياسية.

8) لتناضل من أجل ضمان الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

9) لتبرهن عن حرصها على التمتع بحقوقها الخاصة، كما هي في اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة.

10) لتحرص على مساواتها للرجل في جميع المجالات.

إلا أن هذه التضحيات جميعا، من أجل المجتمع ككل، ومن أجل النساء على حد سواء، لا تكاد تبرز على السطح، للاعتبارات الآتية:

الاعتبار الأول: كون الحكم، في أي بلد، يعتبر أن التحكم في المرأة، واستعبادها، وتدجينها، وسيلة للتحكم في المجتمع ككل.

الاعتبار الثاني: أن تحكم العادات، والتقاليد، والأعراف، في واقع بلدان المسلمين، يعتبر سدا منيعا ضد انطلاق المرأة، في اتجاه تحطيم كافة القيود، التي تحول دون التمتع بكافة الحقوق الإنسانية، وبحقوقها الخاصة.

الاعتبار الثالث: تحول الأيديولوجية المترتبة عن أدلجة الدين الإسلامي، إلى دين جديد، يستعيد إلى الواقع القيم المتخلفة، بما فيها قيم امتهان كرامة الإنسان، وهضم كافة حقوقه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وقيم امتهان كرامة الإنسان، بما فيها كرامة المرأة بصفة خاصة، بشكل مطلق، حتى يصير اعتبار المرأة عارا، أو عورة في الوجدان الشعبي، وباسم الدين الإسلامي، الذي ليس إلا أدلجة للدين الإسلامي.

الاعتبار الرابع: اعتماد قوانين للتطبيق في الحياة العامة، وفي حياة المرأة، غير متلائمة مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان العامة، والخاصة، بما فيها اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وهو ما يجعل حقوق الإنسان، وحقوق المرأة بالخصوص، تنتفي من الواقع، كما تسعى إلى ذلك الحكومة الحالية في المغرب، والتي يقودها حزب العدالة والتنمية.

ولذلك، فمفهوم المرأة يمكن أن نعمل على تحديده، انطلاقا من تصورنا له، وانطلاقا من الواقع القائم، المحكوم بالاعتبارات التي أتينا على ذكرها.

فتصورنا للمرأة كمفهوم، مستمد من مضامين الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، كما هو مستمد من اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، التي تمت المصادقة عليها سنة 1979.

وبناء على هذا التصور، فإن المرأة إنسان، لها نفس الحقوق، وعليها نفس الواجبات، التي للرجل لا فرق بينهما، لأنها تتمتع بنفس القدرات العقلية، والفكرية، التي للرجل، ويمكن أن تكون لها نفس القدرات العضلية، والوجدانية. وإذا كان هناك ما يفرق بينهما، فيرجع إلى نوعية المرأة، ونوعية الرجل على المستوى الجنسي. وهو فرق لا يمكن وضعه كوسيلة لإعطاء الاعتبار للرجل، على حساب كرامة المرأة، خاصة وان المرأة تتميز عن الرجل، باعتبارها ولودا، بينما الرجل لا يستطيع ذلك، ولهذا فالأفضلية يجب أن تكون للمرأة، باعتبارها وسيلة لاستمرار البشرية، وتكاثرها على وجه الأرض، وانتشارها، وباعتبارها المربية الأولى للأجيال الصاعدة. وهو أمر لا يتمكن منه الرجل، في أي مرحلة من مراحل التاريخ، وهو امتياز مكن المرأة من السيادة في المرحلة الأميسية، وخاصة قبل انقسام المجتمع إلى طبقتين رئيسيتين، في المجتمع العبودي، حيث نجد الأسياد، والعبيد، وفي المجتمع الإقطاعي، حيث نجد طبقة الإقطاعيين، وطبقة عبيد الأرض، وفي المجتمع الرأسمالي، الذي لا زال قائما، حيث نجد الطبقة البورجوازية، وطبقة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. وحيثما صرنا، نجد المرأة تعاني من الاستغلال المزدوج، الذي يمارسه الأسياد، أو العبيد، أو الإقطاعيين، أو الأقنان، أو البورجوازية، أو العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، على المرأة في أماكن العمل، وفي البيت.

وانطلاقا من هذا التصور، فإن المرأة إنسان، ولا يمكن أن تكون شيئا آخر، غير الإنسان، تتمتع بكافة الحقوق الإنسانية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وكما هي في اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، التي عليها أن تنخرط في النضال ضد الاستعباد، الذي لا زال قائما بشكل، أو بآخر، وضد الاستبداد، ومن أجل تحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وضد الاستغلال، من أجل تحقيق العدالة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

أما إذا انطلقنا من الواقع القائم، الذي يبقى بعيدا عن الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، فإن المرأة تبقى ذلك الكائن المستعبد على المستوى العام، وعلى مستوى البيت. وهذا الاستعباد المزدوج، من قبل المجتمع، وبحكم العادات، والتقاليد، والأعراف المتخلفة، وبفعل الاستغلال الممارس على الرجل، والمرأة على السواء في المجتمع، وبفعل الاستغلال الذي يمارسه الرجل على المرأة في البيت، لتصير قيمة المرأة متدنية، إلى درجة التعامل معها ككيان حيواني صرف، من حق مالكه أن يفعل به ما يشاء، ودون مساءلة من المشرفين على تطبيق القانون.

وبناء على ما رأينا، فإن المرأة إنسان حسب تصورنا لها، والمرأة حيوان لا قيمة له حسب الواقع القائم، والفرق كبير بين أن تكون المرأة إنسانا، وبين أن تصير مجرد حيوان.

وكيفما كان الأمر فإن هذا العصر الذي نعيشه، مفتوح على كل الاحتمالات، بما فيها تحقيق المساواة الكاملة بين النساء، والرجال على حد سواء، خاصة، وأن وتيرة النضال من أجل ذلك، في ارتفاع مستمر، والجمعيات الحقوقية، والنسائية، في تزايد مستمر. وهو ما يجعل وعي المرأة بكافة حقوقها في تزايد مستمر، رغم إغراق المجتمع بالفتاوى الحاطة من كرامة المرأة، ورغم حلول الأيديولوجية المنبنية على أساس استغلال الدين الإسلامي، محل الدين الإسلامي في واقعنا، وهو ما يمكن أن نعتبره عرقلة في حق الرجل الإنسان، وفي حق المرأة الإنسان. ولذلك فلا مناص من أن يتصدى الرجل، والمرأة على حد سواء ل:

1) الاستعباد الذي يستهدف الرجل والمرأة على السواء.

2) الاستبداد الذي يحول دون تمتع الرجال، والنساء بالديمقراطية.

3) الاستغلال الذي يمتهن كرامة الرجال، والنساء في نفس الوقت.

4) أدلجة الدين الإسلامي، التي تقود إلى امتهان كرامة النساء، والرجال على حد سواء.

5) الحرمان من التمتع بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.

6) النضال من أجل تحقيق المساواة الكاملة بين النساء، والرجال.

7) النضال من أجل ملاءمة كل القوانين المعمول بها، مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

8) تجريم ممارسة العنف، وكل أشكال الإهانات، التي تتعرض لها المرأة في البيت، وخارج البيت على حد سواء، حتى وإن كان أبوها، أو أخوها، أو قريب منها، أو زوجها، أو ابنها لفرض احترام كرامة المرأة.

الأصل في المرأة:

إن ما تعيشه البشرية في عصرنا هذا، لا يتجاوز أن يكون عارضا، والعارض هو ما خالف الأصل، الذي تمثل، ومنذ وجود الجنس البشري على وجه الأرض، في:

1) المساواة بين الرجال، والنساء.

2) التوزيع العادل للثروة، التي يأخذ منها كل فرد حسب حاجته من الطبيعة، باعتبارها مصدرا للخيرات، التي تضمن للكائن البشري شروط استمراره.

3) التمتع التلقائي بكافة الحقوق الطبيعية، التي لا حاجة فيها إلى وجود مواثيق دولية؛ لأن الدول حين ذاك غير قائمة، خاصة وأن الحاجة إليها منعدمة في واقع الإنسان، في مرحلة التشكيلة المشاعية.

4) ظهور، ما صار يعرف تاريخيا، بالمرحلة الأميسية، التي صارت المرأة فيها متحكمة، وسائدة في المجتمع، ولها الكلمة الأولى على الرجل، الذي يبقى تابعا لها، ولا وجود إلا للقيود التي تكبل الرجل، وتحول دون تحركه، من أجل النيل مما تقوم به المرأة في المجتمع الأميسي. وبعد تمكن الرجل من امتلاك الأرض، وانقسام المجتمع إلى طبقتي الأسياد، الذين يشكلون قلة في المجتمع، والعبيد الذين يشكلون السواد الأعظم من المجتمع، بما في ذلك النساء، اللواتي صرن من جملة ممتلكات الأسياد، وعليهن أن ينجبن المزيد من العبيد، والإماء، الذين، واللواتي، يشكلون، ويشكلن ثروة هائلة، في ملك الأسياد، كما يشكلون، ويشكلن يدا عاملة في خدمة مصالح الأسياد، لتصير بعد ذلك المرأة تعاني من الاستعباد، والاستغلال المزدوج، والدونية، حتى وإن كانت حرة، خاصة، وأن المرأة مجرد كلمة معبرة، عن امتهان كرامة المرأة، كما هو معمول به في عصرنا هذا.

وإذا كان الأصل في المرأة، أن تكون مساوية للرجل، وأن تتقاسم معه الخيرات التي تنتجها الطبيعة، وإذا تطور هذا الأصل لتصير المرأة سيدة في المرحلة الأميسية، فإن ما عرفته المرأة من مهانة، بعد انقسام المجتمع إلى طبقتين رئيسيتين: طبقة مستغلة، وطبقة يمارس عليها الاستغلال، منذ التشكيلة العبودية، ومرورا بالتشكيلة الإقطاعية، وصولا التشكيلة الرأسمالية، هو نتيجة لتكريس الاستغلال الطبقي، وقيام الدولة الطبقية. وهو ما يعني، في عمق الممارسة الفكرية، أن قضية المرأة قضية طبقية، ولا يمكن أن تكون غير ذلك.

فالمرأة في المجتمع الطبقي، إذا لم تناضل ضد الاستغلال، الذي يمارس على جنس الرجل، وجنس المرأة على حد سواء، ولا يمكن أن تتخلص من دونيتها، التي صارت بمثابة الإرهاب الممارس على المرأة: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، وخاصة في العصر الرأسمالي الليبرالي الجديد، الذي برهنت فيه المرأة عن كفاءات نضالية، وقدرات تفوقت فيها على الرجل، في العديد من المجالات التي تكرس فيها دونية المرأة، باسم القانون، وباسم الدين الإسلامي.

فالقانون، يجب أن يتلاءم مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى يصير دستوريا، حسب دستور فاتح يوليوز 2011 بالمغرب، لتصير المرأة مساوية للرجل في جميع مجالات الحياة.

والدين الإسلامي، يجب أن يبتعد عن الشأن السياسي، وأن لا يقحم فيه، وأن تجرم كل الأحزاب، والتوجهات السياسية، والجمعيات، والنقابات، التي تأسست على أساس استغلال الدين الإسلامي، وإقحامه في السياسة، وفي العمل الجماهيري، مع أن الدين الإسلامي لله، وليس للاستغلال السياسي، كما في القرءان: (وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا). وهو ما يعني ضرورة إبعاد الدين عن السياسة، كما جاء في القرءان أيضا: (وأمرهم شورى بينهم)؛ لأن الواقع، في تمظهراته المختلفة، متغير باستمرار.