المرأة: الواقع الحقوقي / الآفاق.....3



محمد الحنفي
2015 / 3 / 19

إلـــى:

§ ــ المرأة في عيدها الأممي الذي يبقى محتفى به حتى تحقيق كافة الحقوق الإنسانية للمرأة.
§ ــ جميع الحاضرين في أول ندوة تقيمها جمعية التنوير للثقافة والفكر، بعد الانتهاء مباشرة من عملية إنجاز ملفها القانوني.

§ــ كل من وجهنا إليهم الدعوة، ولم يحضروا إما لغياب الاهتمام، أو استخفافا بالجمعية.

§ــ الأعضاء المؤسسين لجمعية التنوير للثقافة والفكر.

§ ــ أعضاء المكتب الذين أخذوا على عاتقهم السير بالجمعية، في اتجاه تحقيق أهدافها النبيلة.

§ ــ من أجل ثقافة تنويرية متحررة.

§ ــ من أجل ترسيخ قيم نبيلة في واقعنا.

محمد الحنفي

أثر التحولات الاقتصادية، والاجتماعية على واقع المرأة:

وانطلاقا من أن المرأة المساوية للرجل، والمرأة السيدة، هي الأصل، فإن ما عرفته المرأة من فقدان للمساواة، وللسيادة، ليس إلا نتيجة لانتقال المجتمع البشري من تشكيلة المشاعة، إلى التشكيلة العبودية، ثم إلى التشكيلة الإقطاعية، ثم إلى التشكيلة الرأسمالية.

وإذا كانت المرأة مستهدفة إلى جانب الرجل، في كل التشكيلات الاستغلالية، فإنها، إلى جانب ذلك، مستهدفة باستغلال الرجل، حتى وإن كان عبدا، أو قنا، أو عاملا / أجيرا، حسب طبيعة التشكيلات التي عرفها التاريخ البشري، مما جعلها، ويجعلها معانية من الاستغلال المزدوج:

أولا: الاستغلال العام، الذي يمارس على المرأة والرجل، في ظل أي تشكيلة من التشكيلات الاقتصادية ـ الاجتماعية، التي عرفتها المجتمعات البشرية.

ثانيا: الاستغلال الخاص الذي يمارسه الرجل على المرأة في البيت.

ولذلك، فالمرأة في التشكيلة العبودية، عليها أن تخدم مصالح السيد، وأن تخدم مصالح زوجها العبد في البيت، بالإضافة إلى مطالبتها بإنجاب أكبر عدد من العبيد، والإماء، الذين ينتزعهم منها السيد، لبيعهم في أسواق النخاسة، لجمع المزيد من الثروات.

والمرأة في التشكيلة الإقطاعية، عليها أن تخدم مصالح الإقطاعي، كقنة في المزرعة، أو في القصر، بالإضافة إلى خدمة مصالح زوجها القن، في بيت الزوجية، ويطلب منها أن تساهم، بشكل كبير، في مضاعفة عدد الأقنان المرتبطين بالإقطاعية، لضمان مضاعفة خدمة الأرض، حتى تنتج أكثر، لصالح الإقطاعي.

وفي التشكيلة الرأسمالية، نجد أن المرأة تستغل كعاملة، إلى جانب العامل، لمضاعفة الإنتاج، الذي لا يستفيد منه إلا الرأسمالي، في الوقت الذي تحرم فيه العاملات، والعمال من كافة الحقوق العامة، والخاصة بالشغل. وفي نفس الوقت، نجد أن المرأة تتعرض لاستغلال الرجل في البيت، الذي قد يكون عاملا معها، في نفس العمل، إلى جانب أن تربية الأولاد، صار بحكم العادة، من شأن المرأة.

وفيما يخص المجتمع ذا التشكيلات المتعددة، أو المحكوم بنمط الإنتاج الأسيوي، كما يسمى في الأدبيات الماركسية، نجد السيد، إلى جانب الإقطاعي، إلى جانب الرأسمالي، كما نجد العبد، إلى جانب القن، إلى جانب العامل. وهو ما يعني تعدد التشكيلات الاقتصادية ـ الاجتماعية، وتداخلها، مما يجعل الدارسين لهذه المجتمعات، يحتارون في تحديد الطبقتين الرئيسيتين، خاصة، وأننا نجد في بعض الأحيان، أو في كثير من الأحيان، أن الرأسمالي، هو نفسه الإقطاعي، وهو نفسه السيد، إذا كان يعتقد أن من يرتبطون به في قصره عبيد له. وكيفما كان الأمر، فإن المرأة في نمط الإنتاج الأسيوي المتعدد التشكيلات، تعاني بدورها من الاستغلال المزدوج، استغلال الأسياد، أو الإقطاعيين، أو الرأسماليين، أو تعاني من الاستغلال المزدوج من الرأسمالي / الإقطاعي / السيد، ومن استغلال الرجل العبد، أو القن، أو العامل في البيت، الذي يجد له مبررا دينيا، لتزداد بذلك معاناة المرأة في الواقع، وفي البيت في نفس الوقت.

النظرة الدينية للمرأة:

وانطلاقا من النظرة التي عانت منها المرأة في التشكيلات الاقتصادية ـ الاجتماعية الاستغلالية، ولا زالت تعاني منها، في إطار التشكيلة الاقتصادية ـ الاجتماعية الراسمالية، التي لا زالت مستمرة إلى يومنا هذا، تبرز مختلف الأديان السماوية، التي تكرس تلك الدونية، وتعتبرها قدرا لا مفر للمرأة منه. وعلى سبيل المثال، نجد في الدين الإسلامي، كما ورد ذلك في القرءان (وللرجال عليهن درجة)، و (للذكر مثل حظ الأنثيين) في الإرث، و (أحل لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) في شروط معينة، بالنسبة لتعدد الزوجات، وغير ذلك من النصوص الواردة في هذا الشأن. وهو ما يترتب عنه:

1) تكريس الدونية التي عرفتها المرأة في مختلف التشكيلات الاستغلالية، التي عرفتها البشرية. وذلك بإعطاء الشرعية لها من خلال موقف الدين من المرأة.

2) الانطلاق من أن المرأة دون مستوى الرجل.

3) اعتبار الرجل المتدين أفضل من المرأة المتدينة.

4) اعتبار التفاضل في الإرث تكريسا لتلك الدونية على المستوى الاقتصادي.

5) تمكين الرجل من الحق في الجمع بين عدة نساء، تختلف المذاهب والمفسرون في عددهن، انطلاقا من النص القرآني الذي اشرنا إليه.

وهذه الدونية التي تكرسها الأديان المختلفة، بما فيها الدين الإسلامي، لا يمكن أن تعبر إلا عن مسايرة الأديان للتشكيلات الاقتصادية / الاجتماعية الاستغلالية، التي تكرست فيها دونية المرأة بشكل كبير.

ونظرا للقداسة التي تكتسبها النصوص الدينية للأديان السماوية، فإن المومنين بتلك الأديان، لا يجرؤون على مناقشة التربية المكرسة في هذه الأديان المختلفة، التي تصير جزءا من الحياة العامة للبشرية، إلى درجة الربط بينها، وبين السياسة، كما حصل في الدين المسيحي في القرون الوسطى، وحتى قيام الثورة الفرنسية، وبعد حملات الإصلاح الديني في كل أرجاء أوروبا، وكما يحصل في فلسطين المغتصبة، حيث تقيم إسرائيل دولة دينية على أساس ديانة اليهود، وكما حصل في تاريخ المسلمين، حيث كانت كل الدول التاريخية تعتبر نفسها إسلامية، وكما يحصل الآن في بلدان المسلمين، حيث تربط الدول بينها، وبين الدين الإسلامي. وهو ما يمكن اعتباره وسيلة لاعتبار المرأة تحتل مكانة متدنية في الدين، في الوقت الذي يحتل فيه الرجل مكانة عليا، ليتمتع بأفضليته عليها.

وانطلاقا من الواقع الذي عرفته المرأة في مختلف التشكيلات التي عرفتها البشرية، فإننا يمكن أن نميز بين مستويين من النظرة إلى المرأة:

النظرة التي تعاملت مع المرأة ككيان مساو للرجل، في الحقوق، والواجبات، فيما يخص المرحلة المشاعية، وأفضل من الرجل في المرحلة التي كانت تسود فيها المرأة على الرجل، وهي التي صارت تعرف بالمرحلة الأميسية.

النظرة التي تعاملت مع المرأة ككائن دون مستوى الرجل، من خلال التشكيلات الاقتصادية ـ الاجتماعية، التي عرفتها البشرية في تواريخها المختلفة، والتي جاءت الأديان السماوية المختلفة لتشرعنها، حتى صار ينسب إلى الله أنه هو الذي قرر دونية المرأة، وفرضها في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ودون اعتبار الشروط التي كانت قائمة أثناء نزول الرسالات، التي ترتبت عنها تلك الأديان السماوية، التي ابتدأت بالرسالة التي أو حي بها إلى موسى، المعروفة بالتوراة، والرسالة التي أوحي بها إلى عيسى، المعروفة بالإنجيل، والرسالة التي أو حي بها إلى محمد، المعروفة بالقرآن، والتي حرصت على أن تتلاءم مع الشروط التي كانت قائمة حينذاك، حتى تلقى القبول من المتلقين، وحتى يومن أكبر عدد من الذين تلقوا تلك الرسالات، كل رسالة في العصر الذي نزلت فيه، كوحي تلقاه موسى، أو تلقاه عيسى، أو تلقاه محمد. ودون ذكر الرسالات التي نزلت من قبل؛ لأن ما هو شائع، الآن، في العالم، من الديانات السماوية: ديانة موسى، وديانة عيسى، وديانة محمد. وهذه الديانات جميعا، تقر أفضلية الرجل على المرأة، كما تقر فرض دونية المرأة، انطلاقا من النصوص الدينية، وتقف إلى جانب الحاكم، الذي آمن بها، حتى وإن كان قاهرا للشعب.

وهذه النظرة الدونية للمرأة، لا تنفي وجود المرأة السيدة، التي تمارس القمع على النساء الإماء، وتمارس عليهن التعذيب، وتستغلهن أبشع استغلال، كما لا تنفي وجود المرأة الإقطاعية، التي تستعبد القنات، وتمارس عليهن، وعلى الأقنان، كذلك، أبشع استغلال، ولا تنفي كذلك وجود المرأة البورجوازية، أو المرأة البورجوازية / الإقطاعية / السيدة في هذا العصر الذي نعيشه، والتي تملك وسائل الإنتاج، لتمارس بواسطتها أبشع استغلال على العاملات، والعمال على حد سواء، أو تصير مالكة لوسائل الإنتاج، ومالكة للإقطاعية، أو الإقطاعيات، بالإضافة إلى اعتبار من تتخذهم للسخرة، في قصرها، عبيدا لها.

وإخضاع النظرة الدونية للمرأة، وخاصة في الدين الإسلامي للنقاش، يحتاج إلى قدرات فائقة، وشجاعة كافية، للدخول في سجال ضد فقهاء الظلام، الذين يكرسون دونية المرأة، ويستغرقون في ذلك بدون حدود، من أجل تفنيد رؤاهم الظلامية، وإبطالها، وتوعية النساء، وخاصة الأمهات، والرجال على حد سواء، بضرورة الوعي بخطورة تلك الرؤى، وبأهمية التمتع بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وخاصة المرأة، التي تشكل نصف المجتمع، والتي غالبا ما تتبنى وجهة النظر الدينية في دونية المرأة، وتدافع عنها، وتعتبر أن أفضلية الرجل عليها، على المستوى الديني، لا نقاش فيه.

وإخضاع الرؤيا الدينية لدونية المرأة للنقاش الجماهيري، يعتبر مدخلا لخلخلة الرؤى الطبقة للمرأة، في أفق نفيها، وإقرار المساواة الكاملة بين النساء، والرجال، بعيدا عن إقحام الدين في أمور السياسة، كما يفعل مؤدلجو الدين بصفة عامة ومؤدلجو الدين الإسلامي بصفة خاصة، في أفق نفي الرؤى الطبقة للمرأة، التي صارت ترتدي لباسا دينيا، انطلاقا من النصوص الدينية، ومن فتاوى فقهاء الظلام.