تجارة الحريّة: الحجاب أنموذجاً



مُضر آل أحميّد
2015 / 3 / 19

لن اتناول موضوع الحجاب من الناحية الدينية فقد يطول ذلك، وسأتركه لمقالة اخرى او كجزء من كتاب. بل سأناقش موضوع الحجاب وكيف يستغله بعض "المدافعين" عن حرية المرأة في كبت حريّتها، مرتدين بذلك ثوب الأقوام المتحضرة التي تريد فرض اسلوب عيشها على "البرابرة".
كما أن اولئك الذين يدعون الى إجبار النساء، والبنات الصغيرات في بعض الأحيان، على ارتداء الحجاب او النقاب، ويعتمد ذلك على درجة اسقاط عاداتهم على فهم النصوص، فإن الداعين الى نزع الحجاب عن المرأة فيهم من يستغل المسألة لتبرير محاربة مجتمعه القديم او بيئته، او الدعوة الى تياره وفكره بإعلان التمرد على، ما في رأيهم، اهم علامات كبت حرية المرأة وإعاقة تقدمها. إن اسلوب الوصاية ودعوى حيازة التوكيلات الالهية، اللذان نعيبهما على المؤسسات الدينية، يتضحان جليا في ممارسات بعض مدّعي التحرر. فهم يدّعون الوصاية الأخلاقية وحيازة توكيلها، وبالتالي هم يقررون حتى ما تريده المرأة، وهم يقررون فيم اذا كانت تريد ما تريده أم انها متوهمة فيما تريد!
وسأناقش التناقض في طروحاتهم وتسقيط بعضها بعضا. إن السبب الأهم الذي يدّعيه تجّار حقوق المرأة لإرتداء المرأة الحجاب في الدول العربية او الإسلامية، هو رغبتها في الإندماج في مجتمعها وألا تكون العنصر الشاذ الناشز بين قريناتها. ولنسلم بذلك، ولكن ما يقول اولئك عن المرأة التي اختارت أن ترتدي الحجاب في أوربا او اميركا؟ أنها ترتدي الحجاب لأنها تريد الشذوذ عن المجتمع والتميز، ولأنها لا تحس بالإنتماء وتحس بضياع الهوية.. الى ذلك من التفاهات التي لم أعرف أبدا كيف أنها ترفع من قدر المرأة! إننا حين ندافع عن حقوق المرأة وحريتها، علينا أن ندافع عن حقوقها كحقوق قائمة بذاتها وعن حريتها قائمة بذاتها أيضا؛ وليس عن الحقوق والحرية التي نراها تناسب اتجاهاتنا الفكرية او تياراتنا الإيديولوجية. وكما اسلفت فإني لن اناقش الحجاب من ناحية دينية، ولكن، مهما كان البعد الذي ينطلق منه أي طرح لموضوع الحجاب؛ دينيا، او اجتماعيا، او سياسيا، فالواجب ان يكون أساس ذلك الطرح الحرية الكاملة للمرأة في اختيار ارتداءه او نزعه. وتبقى دعوات الطرفين للمرأة دعوات تقديم للمحاسن والمساوئ المترتبة على الحجاب، ارتداءاً او نزعاً، وهي التي تقرر بما يمليه عليها عقلها الغير ناقص.
إن مسألة الحجاب ليست إلا مثالا على إغتصاب الحريات، حرية المرأة غالبا، بإسم الدين أو التحرر منه. ولا تعرض المسألة الا جانبا واحدا من جوانب شعور البعض بتميزهم الأخلاقي والعقلي ما يؤهلهم ليقرروا عن الناس أين سعادتهم، وكيف يصلونها! والخلاصة اننا لا يمكننا ابدا ان نقرر عن المرأة، كانت برأينا متطرفة أو متحررة، او ان نجبرها على حذو حذونا واختيار خياراتنا. والحرية تبقى لها ما لم تؤثر، فعلا، على غيرها من أعضاء المجتمع. أمّا الذين يحبون حشر انوفهم في جميع قرارات الناس، فليس لهم الا محاولة ترغيب الناس بآراءهم، بالحوار وتقديم طروحاتهم البديلة. وأن حريّات الناس تبقى للناس حتى نتضرر من سوء ممارستهم تلك الحريات.