ليست لدينا امرأة.. لدينا رُمّانة !



حمودة إسماعيلي
2015 / 3 / 24

رضيع ورضيعة، طفل وطفلة، فتى ورمانة، رجل وإجاصة، شيخ وتفاحة فاسدة (لا أحد ربما يرغب بأكلها) : يتحدد مفهوم الرجل انطلاقا من عوامل إنتاجيته، أما المرأة فما يحددها هو نضجها الجنسي.. نشير للفتاة التي تتصرف كامراة : "وكأنها امرأة ! " ـ ليس انطلاقا من نضج تصرفها، وإنما من دلالته أو إيحائه الجنسي (تصبح حركة جسدها كاشفة عن مفاتنها، وهي مفاتن النساء وليس الأطفال !).

هناك تاريخ طويل، لا يرى المرأة كإنسان، ويكفي أن نعود للاشتقاق اللغوي الذي يفضح هذه النقطة : فنجد أن مرادف الإنسان هو الرجل بشكل خاص ومحدد، فكلمة Homo اللاتينية والتي تعني إنسان Human باللغات الحديثة، اختُزلت إلى Homme (رجل) وهي تحديد فرنسي للرجل، غير أنها تستعمل بالغالب للإشارة للإنسان، ويكفي تفحص كتابات القرن الثامن عشر والتاسع عشر كذلك حتى الآن، سنجد أن لكلمة Homme دلالة عن الإنسان، بالرغم من أن المرأة يشار لها بـ Femme.. ولا غرابة في الأمر إذا انتقلنا للإنجليزية حيث نجد أن كلمة Man وهي تحديد للرجل، تُستخدم بالغالب للتدليل على الإنسان (والمرأة بـ Wo"man" كرفيقة للرجل/الإنسان). ذلك يُعتبر نتيجة للتاريخ الطويل الذي يضرب في القدم لما قبل الميلاد والذي يمتد حتى القرن الثامن عشر، وهو التاريخ الذي ما فتيء يتساءل حول طبيعة المرأة، ليس لمساواتها أو تشبيهها بالرجل ـ طالما أنهما طبيعة ونوع واحد كمقارنة ـ بل للتأكد السلبي من توفرها على روح (جوهر إلهي) مثلها مثل الرجل : تأكيدا على انعدام العقل، وبالتالي التصنيف المباشر مع الطبائع الحيوانية التي تعجز عن التحكم بالغرائز، بظل غياب العقل أو الجوهر الإلهي (الروح).. المرأة هنا من طبيعة حيوانية : يلزم السيطرة عليها ومراقبتها واستغلالها وترويضها !

ولم يتوقف التفكير الذكوري التسلطي (السخيف بجوهره وبنيته) على هذا الأمر، فبما أن طبيعتها حيوانية، وهي مدجنة بالنظام الاجتماعي الصحي والمضبوط، فبذلك حتى التلقائية الحيوانية والحرية الغريزية تُسلب منها هنا (حفاظا على آمان الجماعة) : الأمر الذي يجعلها مختزلة في طبيعة حيوانية جامدة ـ طبيعة جامدة، ك"الفواكه".

إن وظيفة الفواكة هي النضج، بالتالي يتم قطفها، أكلها والاستفادة ذكوريا منها ! هذا يجعل الأمور تتحدد انطلاقا من مفاهيم المؤدي أو العالج أو السيد السادي المبادر : فقيمة الفاكهة ترتفع انطلاقا من رغبة الإنسان (الرجل) بها، على هذا المنوال مكانة المرأة وقيمتها (التي رفعها لها دين الرجل) تأتي انطلاقا من مفهومية الرجل لهذه المرأة : التي لا يمكن أن "تكون" دونه، ولا يمكن أن تعيش دونه.. فكينونة المرأة وُجدت من قِبل الرجل، بذلك يحدد وظيفتها وقيمتها المختزلة في الجنس : إذا هربت فهي خرجت تبحث عن الجنس، وإذا ظلت/جلست/سكنت فهي تنتظر الجنس، وإذا ما هي ثارت/انفجرت/انتفضت فهي انفعلت لأجل الجنس ـ لتمارسه أو لأنها لا تمارسه ـ والتحرر من ملابسها !

هنا طبعا، إذا لم يتم استغلالها والاستفادة منها (أكلها)، فجب أن توضع فورا بالثلاجة ! لحمايتها والحفاظ عليها (حتى لا تفسد !)، أو تغطيتها بقطعة ثوب أو ورق السولوفان !

ما تم استخلاصه من هذا التاريخ، هو أن المرأة لا تستطيع العيش من دون رجل، لكن الأصح هو أن المرأة لا تستطيع أن تعيش دون شوكولا وقطع بسكويت وكوكيز !! لقد تم تضخيم حاجة الأنثى للرجل، نظرا لأن الرجل هو الذي لديه حاجة جوهرية للأنثى : حتى يؤكد ذاته كموجود سامي ! ويوسعّ من أبعاد جسده الضيقة مقارنة بجسد الأنثى المتعدد الأبعاد (نظرا للاختزال المكثف له فنيا وعمليا وإعلاميا) : فهن يعتنين به أكثر من الرجل، وخوفهن الوهمي من السمنة والنحافة يطغى على جل مخاوفهن.. يحرر الرجل جسده ويكتشف أبعاده وكينونته من خلال جسد الأنثى (المُرمّز جماليا/جنسيا). أما الأخيرة (المرأة) فيتم تسليط الضوء على خوفها من عدم اهتمام رجل بها وكأنه خوفها الوحيد، بالرغم من أن لديها مخاوف مساوية ـ أو حتى تتجاوز ذلك ـ كخوفها من فقدان صديقة حميمة (أو فقدان قطتها الصغيرة أو جرو تعتني به).. طبعا، أي رجل سيرغب بأن يُقارن مع قطة ؟!!