-امرأة- مثالية وليس مجرد - اما- مثالية!



كاتيا سلامة
2015 / 3 / 25

"امرأة" مثالية وليس مجرد " اما" مثالية!
"صيصة الام المثالية.. تنكرت في زي رجل اربعين عاما لتربي ابناءها"، "صيصة سيتذكرها المجتمع المصري لانها صاحبة اكبر رقم قياسي في التنكر اربعين عاما في زي رجال حتى تواجه مصاعب الحياة وتربي نجلتها ". بهذا الافتخار تناولت الصحف المصرية او على الاقل بعض الصحف المصرية خبر فوز السيدة الصعيدية صيصة بجائزة الام المثالية لهذا العام.
بقدر ما اثارت هذه السيدة تقديري واحترامي لشجاعتها ودهشتي لاصرارها على التغلب على المجتمع بالخداع نفسه الذي يتبعه هذا المجتمع لقهر المرأة وان يكن خداعها بريئاً، بقدر ما اثارت لدي عنواين الصحف التي نشرت الخبر شعورا بالخجل. فقد غاب عن ضميرها المهني او على الاقل فات يقظتها المهنية كسلطة مدافعة عن حق المواطن، ان تنشر الخبر بموضوعية او في اقل توقع مع بعض التحفظات. هذه السيدة الجريئة والام المثالية لم تتنكر بزي رجل " لتربي ابناءها" كان بامكانها كأمرأة ان تربي اولادها، وكان بامكانها ان تنزل الى ميدان العمل بعباءتها او فستانها ووجهها الانوثي وصوتها الانثوي وما كانت لتضطر لتغيير نبرة صوتها لتتشوه حقيقته مع الايام ويكستب خشونة هي لا تحتاجها لتثبت قدرتها على كسب رزقها، لو ان المجتمع كان مؤهلا لوجه المرأة وصوت المرأة وعقل المرأة. كان بامكان " صيصة" المرأة ان تمارس مهاراتها التي وهبتها اياها الطبيعة دون الاحتياج الى زي ذكوري لو ان المجتمع كان مؤهلا ليقبل مؤهلاتها كأمرأة. لو ان المجمتع كان اعد لها مكان عمل آمن ، لو ان ساحة العمل كانت مفتوحة لها ايا كانت خياراتها او قدراتها لكانت بقيت امرأة فخورة بانوثتها على مرأى من المجتمع واما فخورة بقدرتها على اعالة ابنائها مهما كانت ظروف عملها شاقة.
بدل ان تكتب الصحف ان صيصة " تنكرت بزي الرجال لتواجه مصاعب الحياة "كان الحري ان يكتب صيصة تنكرت في زي رجل لاربعين عاما لتواجه مجتمعا معاديا للمرأة غير مهيئ للاعتراف بوعيها وقدراتها الطبيعية يحولها في وجود الرجل الى مجرد انثى وفي غياب الرجل الى انثى مشوهة دون ان يفسح لها ولا مرة ان تعيش حياتها كانسان، ولا ان تمارس ايا من ادوارها بالدرجة الاولى كانسان.
لقد اثبتت "صيصة" للمجتمع بكل بساطتها وربما انعدام ثقافتها ( لا اعلم ان كانت نالت اي نصيب من التعليم ) ان المجتمع العربي لا يعرف شيئا عن قدرات المرأة لا الفكرية ولا الفيزيولوجية ولا عن عناد تحديها للظروف القاهرة وقدرتها على صنع حياة كريمة مهما اشتد لؤم الحياة. بل لعل هذا المجتمع يخاف ان يعرف قدراتها حين تعطى فرصتها العادلة، فيظل يسلب كل حرياتها الطبيعية وحقوقها كانسان بحجة انها ضعيفة وعاجزة. فهل سيتجرأ هذا المجتمع ان يعيد للمرأة حقوقها المسلوبة في التعليم والعمل والاستقلال الاقتصادي بعدما اثبتت بالدليل اليومي لاربعين عاما ان المرأة قادرة وتريد وتحتاج ان تستخدم قدراتها ؟
ان التميز ضد المرأة واقصاءها والحد من فرص تعليمها وتطوير وعيها، هو الذي منع هذه المرأة من ممارسة ابسط حوقها في مواجهة الحياة دون خوف وخجل من طبيعتها الانثوية وطبيعة العمل الوحيد الذي ربما وجدته متاحا لها . ودون فهم واضح لمعنى الكرامة الانسانية لن يكون بامكان المجتمع العربي ان يمنح المرأة اي امان او ان يجنبها اي مهانة. ان الاعتراف بان المرأة والرجل كلاهما يتمتعان بالكرامة الانسانية نفسها التي تحتم عدم المساس بحقوقهما الطبيعية وحرياتهما الجوهرية هو المطلب الاساسي والحاجة الملحة اليوم لافساح مكان لصيصة وغيرها من النساء كي يعشن الحياة مكرمات ويواجهن ظروف الحياة دون ان يلجأن الى التحايل على المجتمع كما يتحايل هو عليهن ودون ان يلجأن الى التزييف لاستعادة ما هو في الطبيعة من حقهن.
فهل سيكافئ المجتمع هذه المرأة بان يطالب بازالة كل القوانين التي تميز ضد المرأة وضد فرصها في حياة كريمة سواء كان لديها من يعليها ام كانت وحيدة؟ هل ستضع الدول العربية قوانين وتنشئ مؤسسات من شأنها ان تؤمن الحماية الفعالة للمرأة سواء كانت في بيتها ام في مكان العمل ؟
صيصة " تحدت بقلبها الشجاع المجتمع بحاله وتحدت بعقلها انياب العوز وتحدت بكامل طبيعتها الانثوية خرافة " الحرفة الملائمة لطبيعة المرأة"، فصارت دون فضل لاحد عليها ودون منة، ورغما عن كل القيود ليس "اما مثالية" بل عاملة مثالية ومناضلة مثالية وامرأة مثالية. لكن يبقى السؤال هل على كل امرأة ان تتنكر لجنسها لتنال فرصتها ؟ وكم صيصة تعاني اليوم غياب المعيل ووجود الف وصي يعاملونها جيمعا على انها عالة ؟ فمتى تتوقف المرأة عن دفع ضريبة انوثتها ومتى يطلق المجتمع سراح كرامتها ووعيها وفكرها كي تنهض بنفسها وعائلتها وتشارك بالنهوض بمجتمعها ؟
كاتيا سلامة .