المغرب يتقدم : جدل حول الإرث والمساواة بين الجنسين



التهامي صفاح
2015 / 3 / 25

في الموقع الالكتروني للحزب و بتاريخ 19 مارس الجاري ، ورد خبرعن السيدات بهذه الصيغة : "بشرى : الحكومة تصادق على مشروع قانون يتعلق بهيئة المناصفة و مكافحة كل أشكال التمييز" (رابط ألموقع http://www.pjd.ma )
العنوان أعلاه كما الثمانية عشر سطرا في الخبر لم تذكر السيدات بالإسم .و كما في العنوان الخبر بقي ضبابيا يقول المناصفة و محاربة أشكال التمييز دون ذكر "ضد من" رغم أن الدستور المغربي ينص على أن المقصود هي المساواة بين الجنسين والتمييز المقصود هو ضد السيدات بصريح العبارة خاصة في الفصل 19 منه .
والمساواة المنصوص عليها في فصول و ديباجة الدستور الذي هو أسمى قانون بالمغرب منذ 3 سنوات ليست أمرا جديدا على المغاربة من حيث الحبر على الورق. لكن الضبابية الواردة في الخبر و ما قال أنه "مخاض عسير لقانون المناصفة و محاربة أشكال التمييز" تجد تفسيرها في تعليق أحد المعلقين على الخبرفي نفس صفحة موقع الحزب و هو التالي :
(وهنا أنقل كل ما ورد في الموقع بما في ذلك ملاحظته عن الرابط و الإسم المستعار لكاتب التعليق):

"الرابط الثابت أضافه العرندس (لم يتم التحقق، في جمعة, 2015-03-20 10:24)

"""الحكومة تصادق على مشروع قانون (سيداو) والموقع الالكتروني للحزب يطبل له، يعني أن المرأة ترث مناصفة مع الرجل، ويعني أن المرأة يحق لها أن تحمل نسب أمها، إلى غير ذلك من هذا القانون، حسبنا الله ونعم الوكيل"" "

هذا التعليق الذي يتأسف صاحبه بعد قراءة الخبر يفسر لنا أولا سبب ضبابية التعبير الواردة في الخبركتحفظ من اصحاب الموقع .و ثانيا يفسر لنا الفهم الذي عنده للمرجعية الاسلامية التي يتبناها فيما يخص الارث الواردة في المصحف العثماني .

و من حق الحزب الذي نحترمه على أمانة ووثيرة عمل وزرائه التي لم تكن متوقعة و صادفت فترة من أكثر الفترات إلحاحا من حيث الاصلاحات وعدد الملفات التي كانت تنتظر على الرف من يحركها ،من حقه أن يتحفظ على اي مشاريع قوانين ويسلك الطريق الذي يريد ليصل لراحة البال.
و رغم اختلافنا الفكري و التكويني معه فيمكن اذا تتبعنا جدلية المرجعية التي يتبناها و اخذنا بعين الاعتبار الاعتراضات التي قد يتلقاها بخصوص ما يقدم عليه من خطوات في هذا الصدد، فيمكن الإسترشاد بإستدلال منطقي وفق نفس المرجعية لا يحلل حراما أو يحرم حلالا كما يقال.و الاستدلال هو التالي :
ما يقوله لنا "العلماء" في هذا المجال هو: أن السيدات لم يكن يرثن أي شيء قبل الاسلام .
نعم و أكرر: أن السيدات لم يكن يرثن أي شيء قبل الإسلام ...


و بعد مجئ الاسلام أصبحن يرثن قسطا يُعد نسبة ما بالنسبة لحصة الرجال .
معنى هذا أنه تم تحقيق تقدم في العدالة بالنسبة للحقوق الاقتصادية للنساء في ذلك الزمان .

وهذا سبب من بين الأسباب التي تجعل الدعاة يقولون دائما : أن الاسلام جاء ليكرم السيدات.


طيب ، و بما أنه في المصحف العثماني هناك ناسخ و منسوخ كحقيقة نصية وتشريعية أي تغيير الاحكام حسب تغيرالزمان و مصلحة الأفراد و المجتمع و هذا شيء معقول و واقعي في حياة البشر، فهذا يعني أن النص ليس جامدا و إنما هو نص متحرك عبر الزمان ...

إذن إذا كان تغير الحياة والغلاء و تكاثر السكان و مشاكل الفقر و التضخم المالي وغير ذلك و توقيع المغرب على الإتفاقيات الدولية في هذا المجال يحتم على المشرع (أي الممثل للمسلمين في البلد و ليس أي كان) الذي لن ينسى طبعا مشاورة العلماء و ممثلي المجتمع المدني والسياسيين تماشيا مع " وامرهم شورى بينهم " ، المزيد من الاكرام للنساء في عصرنا مثل ما جاء في بداية الاسلام بكل بساطة فيعلن مساواة السيدات بالرجال فهل سيكون مخالفا للروح و الفلسفة التي جاء بها الاسلام حسب نفس المنطق و المرجعية ؟
قطعا لا .
إنما يمكن أن يقول قائل متجاهلا هذا الاستدلال المنطقي : لا إجتهاد مع النص. و هذا صحيح .
هنا يجيبه التاريخ الاسلامي نفسه الذي يذكر لنا أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قد أبطل الشريعة والحدود أيام المجاعة و غيرها مع وجود النص .

إذن في أفق المساواة في الإرث لن يكون هناك أي إبطال للنص أو للشريعة طالما أن إرث السيدات هو حقيقة بالنص نفسه و إنما فقط زيادة للإرث و ليس تفريطا أو نقصانا له تماشيا مع روح النص و فلسفته مقارنة مع ماكان قبله أي أن الأمر يعتبرزيادة في إكرام السيدات .فهل يلام من يكرم أقاربه أو يمنع النص الفضائل ؟

و بما أن المغرب قد صادق على القوانين الدولية للمساواة القانونية التامة في كل شيء بين الجنسين و التي تطبقها دول تعتبر "كافرة" في نظر نفس المرجعية الاسلامية فمن الأولى بالكرم والمساواة السيدات "الكافرات" أم "المؤمنات المسلمات" في هذا العالم ؟

أما الذين يقولون أن تطبيق المساواة يعني رمي النصوص في سلة المهملات فهذا غير صحيح.لأن العكس هو المطلوب أي المحافظة على تلك النصوص .لأنها توثق بأسباب نزولها لحدث عظيم حدث خلال تكوين الإسلام و هو تكريم السيدات بإعطائهن حقا لم يكن موجودا قبله هناك في الجزيرة العربية وفي القرن السابع الشمسي . بل يمكن القول أنه سبق تاريخي بالنسبة لسكان الجزيرة العربية قبل قوانين الحقوق المدنية للنساء بالمساواة مع الذكورالموثقة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بقرون عديدة يجب ان يفتخروا به .

هذه هي القراءة الصحيحة للثراث الاسلامي و التي يجب أن تعتبر غير ملزمة بسبب حرية العقيدة المنصوص عليها دون لبس أو دوران في المصحف العثماني نفسه إذا توفر حسن النية و ليس سوءها . و ما يقال أنه إنجاز للحكومة كما بيننا لا يتعارض مع مبادئ المرجعية الاسلامية وفلسفتها بالنسبة للذين سيقولون أنهم مسلمون إذا قرأوا بحسن نية ودون عدوانية أو كراهية مرضية تجاه النساء.

إذن اذا أصبحت المساواة في الارث حقيقة واقعة ، فهنيئا للسيدات المغربيات بهذا الإنجاز الذي يعود في الاصل لنضال الناشطات المغربيات في مجال حقوق السيدات وما أكثرهن .و في النهاية ما سيحصلن عليه لن يبخلن به على الابناء سواء كانوا اناثا ام ذكورا. فهن المعروفات بالسخاء .
و تحياتي للجميع وللإخوة الأعزة في العدالة والتنمية .