أزمة حرية التعبير في الصراع بين الحداثة والتقليد



سحر حويجة
2015 / 3 / 30

أزمة حرية التعبير في الصراع بين الحداثة والتقليد

عديدة هي التداعيات التي حصلت، بعد ارتكاب العمل الإرهابي بحق صحفيي مجلة شارلي ايبدن في باريس، على خلفية الرسوم التي نشرتها المجلة، رسوماً لم تثر ضجة إلا بعد مقتل الصحفيين، أول هذه التداعيات كان ردة فعل مباشرة من قبل الشعب الفرنسي مدعوماً من الشعوب الأخرى والقوى المدافعة عن حرية التعبير ، وقيم الحضارة الحديثة، تبعها خوفاً من أعمالاً إرهابية تطال هذه المجتمعات، من قبل مجموعات ينتمون إلى ثقافات أخرى، حتى لو حملوا جنسية أحد الدول الغربية، كما أن هذا الحدث عزز من التحالفات الدولية لمحاربة الإرهاب .
في المقابل برزت ردود أفعال، من قبل جزء من شعوب الدول الإسلامية من أفغانستان إلى باكستان ودول عربية، تميزت بحضور للقوى التكفيرية والمتشددة، دعت لمظاهرات للتنديد بمجلة شارلي إيبدن وبالرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول محمد (ص). وإن كان في إعادة نشر الرسوم ، استفزازاً ، إلا أن ردة الفعل كانت مناسبة للحشد والتعبئة والتحريض.
في هذا السياق، نشير إلى المظاهرات التي خرجت في عدة مناطق سورية تقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة المتشددة، بعد صلاة الجمعة الموافق 16 /1 /2015 رافعين شعارات تندد بالرسوم التي تسيء للرسول محمد . إضافة إلى ردة فعل القوى المسيطرة على الأرض بحرق صحف سورية معارضة للجريمة التي لحقت بالصحفيين الفرنسيين. وخطورة هذا الموقف بما ينطوي على تقييد حرية التعبير.
لابد من التأكيد إن هذه الاحتجاجات التي تجري ضد االرسوم المسيئة والمجلة الضحية ، لو جرت قبل ارتكاب الجريمة لكان الحدث عادياً، وأحدى أشكال حرية التعبير، أما الحشد والاحتجاج بعد ارتكاب الجريمة، يعتبر تأييداً للجريمة نفسها، وتأييداً لمرتكبي الجرم وتبرير فعلتهم. ومناسبة للتعبئة في صفوف القوى التكفيرية المتشددة.
في الجانب السوري من الاحتجاجات التي جرت في مناطق تقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة ، وإن كان أحد أسباب الاحتجاج جاء نتيجة لما يتعرض له الشعب السوري من انتهاكات وجرائم بحقه على مرأى العام الذي لم يتحرك لنصرته وهذه إحدى العوامل التي تغذي التطرف وردود الأفعال الغريزية .
غير أن هذه الاحتجاجات أياً كان مصدرها فإنها تعكس رؤية منظومة فكرية مسيطرة على الشارع أو جزء منه. ما جرى يعكس صراعاً بين الحضارات ، من جهة تقف الدول والشعوب التي بذلت جهداً تاريخياً منذ مراحل الصراع التنويري الهائل، الذي جرى بين العقل المسيحي والعقل العلمي الذي دام ثلاثة قرون، كان من نتائجه إحداث قطيعة معرفية مع التصور الديني للحياة وللعالم، الذي أصبح معيقاً للحداثة والتقدم، والانتماء للعصر. نتج عن هذا الصراع إخراج العقلانية من حدود الغيب ، حيث تحولت المؤسسات الدينية إلى جزء من مؤسسات المجتمع المدني مستقلة عن الدولة، تواكب ما يحدث من تطورات في العصر حتى تستطيع الحفاظ على مكانتها ، والأهم أن لا علاقة لها بالتشريع في الدولة .
لكن مازال أغلبية العالم الإسلامي و منه العربي، يعيش تناقضات صارخة بين التقليد والتحديث مازالت تصوراتنا للعالم والحياة أسيرة التصورات الجاهزة من القرون الوسطى ، ،أبرز مظاهرها انتهاك الحقوق خاصة حقوق المرأة، التي يفرض عليها لباسها وزواجها وطلاقها وتنتشر ظاهرة تزويج القاصرات، وتجنيد الأطفال و استخدام الحدود من قطع اليد والجلد حتى الموت، والقتل للردة، جرائم لا يقبلها عقل وتناقض منطق العصر و تمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان. كل هذه الجرائم ترتكب باسم الإسلام ، أليست هذه الممارسات االعلنية التي يراها العالم يومياً، هي التي أعطت الفرصة للآخرين أن يرسموا ويكتبوا ويسيئوا للإسلام، في الوقت ذاته ألا يوجد نسبة كبيرة من المسلمين يرفضون هذه الممارسات.
وإن كانت الحرية هي أساس كل الحقوق وهي الكلمة التي اجتمعت عليها الشعوب العربية في ربيعها، ودفع مئات الآلاف أرواحهم في سبيلها، تبقى الحقيقة أن وعاء الحرية هو حرية التعبير، حرية تنمو في العقول من خلال النضال في سبيل التغيير وإن باقي الحريات ترتبط بها إذ كيف يمكن للشعب ، أن يطالب بحقوقه إذاً لم يملك حقه في حرية التعبير؟



إن التحول والتغيير والثورة لا يتحقق دون المشروع الثقافي التنويري الذي يجسد القطيعة مع الموروث الماضوي و المنظومة المذهبية التي تعتقد أنها مبرهن عليها للأبد، وهذا يناقض منطق التاريخ الإسلامي ذاته، إن إغلاق باب الاجتهاد وسيطرة المحافظين من رجال الدين ، تدعمها قوى تكفيرية متشددة، يعتبرون أن الشريعة اكتملت منذ زمن طويل، َ لتعيش الأمة في كسل فكري ويتحول مفكرون إلى أشباح، ينسون حقائق إن كل أصحاب المذاهب التي يتمسك بها المسلمون دون تفكير قد تعرضوا للاضطهاد و السجن في زمن الدولة العباسية على سبيل المثال أبو حنيفة صاحب المذهب الحنفي السائد في سوريا قضى نحبه في السجن، بكلمة أخرى لم تسيطر أرائهم إلا في العصر الراهن وهذه مفارقة غريبة، ومن الشواهد على عقم منظومة التفكير والتكفير هذه أن الخليفة عمر بن الخطاب أوقف العمل ببعض الحدود القرآنية منذ فجر الإسلام، لأنها لا تتوافق مع الظروف القائمة في حينها. فكيف بنا نحن أبناء القرن الحادي والعشرين وفي زمن الحرب والجوع والحصار نطبق حدوداً باسم القرآن.
أخيراً هل خسر المسلمون الأتراك شيئاً من دينهم، بعد أن تم فصل الدين عن الدولة وبعد أن تم إلغاء الشريعة كمصدر من مصادر التشريع واعتماد قوانين مدنية منذ حوالي مائة عام في تركيا .المثال التركي هو الذي يعطينا الأمل أن الإسلام قادر على التكيف مع العصر ، والخروج من النفق المظلم الذي نتخبط فيه.

سحر حويجة