الإجهاض وضرورة تشريعه .



سعيد الكحل
2015 / 4 / 9

تقترب اللجنة الذي أمر الملك بتشكيلها لتلقي مطالب الهيئات المدنية المتعلقة بموضوع الإجهاض ودراستها بهدف تقديم المقترحات إلى الملك بصفته أمير المؤمنين ورئيس المجلس العلمي الأعلى ؛ تقترب من موعد انتهاء أجل الشهر الذي حدده الملك . وبالقدر الذي نجحت فيه المبادرة الملكية بتجنيب المغرب حالة التقاطب الحاد بين دعاة تشريع الإجهاض ودعاة التجريم ، فتحت النقاش العمومي والعلني لظاهرة ذات أبعاد خطيرة على التماسك المجتمعي اعتبارا لكثرة ضحاياها من النساء والأطفال . فقد كشفت السيدة عائشة الشنا عن كون 24 مولودا يرمى بهم في الأزبال يوميا بالمغرب ، فضلا عن حالات الإجهاض التي تتم يوميا (600 إلى 1000 حلبة) غالبيتها في ظروف غير صحية ، ما يودي بحياة نسبة هامة من النساء والفتيات المضطرات إلى الإجهاض (14 في المائة من مجموع وفيات النساء) . وأمام ما يشكله الحمل غير المرغوب فيه من مخاطر على صحة الحامل ووضعها النفسي والاجتماعي ، فإن المطلوب هو الارتقاء بالاجتهاد الفقهي والإصلاح القانوني لكي ( يتماشى مع التطورات التي يعرفها المجتمع المغربي وتطلعاته، وبما يراعي وحدته وتماسكه وخصوصياته) كما جاء في بيان الديوان الملكي ذي الصلة . فلم يعد الإجهاض قضية فقهية محضة يمكن أن يتدارسها الفقهاء في نواديهم المغلقة ، بل صارت قضية طبية ومجتمعية ، الأمر الذي يلزم الفقهاء بتطوير الاجتهاد بما يتناسب مع حركية المجتمع التي لا يمكن أبدا فرملتها أو تعطيلها لتتناسب مع اجتهادات فقهية ولى زمانها . فالحكم الفقهي يدور مع العلة وجودا وعدما وليس العكس . ومن مهام ومسئولية الفقهاء الاجتهاد بالمنطق المقاصدي للشرع الإسلامي طلبا للتيسير ورفعا للحرج (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (يسروا ولا تعسروا). ومن أجل هذا، على المجلس العلمي الأعلى أن يكون في مستوى اللحظة التاريخية فيقدم اجتهادا بنّاء يستلهم الآراء الفقهية المتنورة داخل المذاهب وخارجها مساهمة منه في وقف المأساة ورفع الحرج عن كل الأطراف المتدخلة والمعنية بقضية الإجهاض . وليكن لعلمائنا الكرام في الحديث الصّحيح الّذي رواه ابن مسعود مرفوعاً : ( إنّ أحدكم يجمع خلقه في بطن أمّه أربعين يوماً نطفةً ، ثمّ يكون علقةً مثل ذلك ، ثمّ يكون مضغةً مثل ذلك ، ثمّ يرسل الملك فينفخ فيه الرّوح) ، ليكن هذا الحديث الشريف هاديا ومحفزا على الإفتاء بجواز الإجهاض داخل 120 يوما من الحمل دون قيد أو شرط سيرا على خطى أئمة معاصرين أمثال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق الذي أفتى من خلال برنامج "الله أعلم" الذي يذاع على قناة CbC: أن الإجهاض جائز شرعًا قبل الشهر 4 من الحمل، ولا يجوز بعده إلا في حال الخطر على حياة الأم، موضحًا أن هذا هو ما يحدده الأطباء ؛ أو الأئمة السابقين الذين أفتوا بالإباحة مطلقا من غير توقف على وجود عذر، وهذا هو قول فريق من فقهاء الحنفية، وهو قول للشافعية، وقول للحنابلة، وهو قول الزيدية، ومما أيدوا به قولهم، من خلال ما تقدم من النقل عنهم، ما يلي:
- أن كل ما لم تحلّه الروح لا يبعث يوم القيامة، ومن لا يبعث، فلا اعتبار لوجوده، ومن هو كذلك، فلا حرمة في إسقاطه.
- أن الجنين إذا لم يتخلق، فإنه ليس بآدمي، وإذا لم يكن كذلك، فلا حرمة له، ومن ثم يجوز إسقاطه.
وإذا كان الاجتهاد الفقهي المأمول في موضوع الإجهاض سيزيل أكبر عائق يحول دون تشريع الإجهاض ، فإن معالجة الظاهرة لا تتم إلا في إطار شمولي متعدد المستويات : تربوية ،إعلامية ، قانونية ، طبية .
1 / فعلى المستوى التربوي تبدو الحاجة ماسة إلى إدراج مادة التربية الجنسية ضمن المواد المقررة في البرامج التعليمية ، حتى نؤسس للسلوكات السليمة والعلمية في التعامل مع الحياة الجنسية خاصة لدى المراهقين .
2 / إعلاميا يتوجب تخصيص برامج علمية توعوية بالحياة الجنسية وطرق استعمال موانع الحمل أو الكشف عنه ، وقواعد التصرف عند وقوعه في الأيام الأولى تجنبا للمآسي . فكثير من حالات الحمل كان بالإمكان تجنب وقوعها بقليل من الوسائل خاصة في حالات المغرر بهن أو اللائي تعرضن للاغتصاب .
3 / قانونيا تستدعي الضرورة تعديل وتغيير الفصول القانونية التي تجرّم الحمل خارج إطار الزوجة وكذا تلك التي تمنع الإجهاض وتعاقب عليه في حال حدوثه لغير المتزوجات . ومن شأن هذا التعديل/التغيير أن يحد من الإجهاض السري ويجفف منابع الاتجار به وابتزاز الضحايا .
4 / طبيا : يقتضي الأمر التعجيل بالإجراءات التالية :
أ ــ توفير موانع الحمل في كل المستوصفات وتمكين كل الراغبات منها أيا كان وضعهن العائلي ، فضلا عن توزيعها مجانا على سكان المداشر والدواوير والقرى النائية ،مع تنظيم حملات التوعية لفائدة الفتيات والنساء .
ب ــ تمكين الراغبات وخاصة الفقيرات من الاستفادة ، مجانا ، من عمليات الإجهاض إسوة بعمليات الولادة التي باتت مجانية في المستشفيات العمومية .
ج ــ تقنين تسعيرة الإجهاض في المصحات ومنع إجرائها في العيادات الخاصة .
إن ضحايا الإجهاض السري كثيرات وفي تزايد ، ولن يوقف هذه المأساة المنع والتجريم ، بل يزيدان من استفحالها ؛ والتشريع في عمومه (فقهي أو مدني ) وُجد لرفع الحرج ومعالجة واقع معاش وليس لتكريسه.