الخسائر الناجمة عن ضعف مشاركة المرأة العراقية في النشاط الاقتصادي



نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
2015 / 4 / 10

الخسائر الناجمة عن ضعف مشاركة المرأة العراقية في النشاط الاقتصادي
أولا: ارتفاع معدل الإعالة :-
تعمل منظمة العمل الدولية على رفع سن التقاعد، نظرا لتزايد العمر المتوقع عند الولادة للسكان في معظم دول العالم. مما جعل من الخصائص الصحية التي يتسم بها المسنون تنتقل إلى فئة عمرية أكبر سنا (70 أو 80 عاما). وأن الهدف من رفع سن التقاعد هو إطالة العمر الإنتاجي للإنسان مقابل تأخر انتقاله إلى فئة المعالين اقتصاديا ويلاحظ في العراق أن الإناث فاعلات وقادرات على العمل المنتج مدة أطول من الذكور (العمر المتوقع للإناث أعلى من الذكور في العراق)، فضلا عن ارتفاع نسبتهن من السكان في سن العمل عن الذكور عام 2011. ومع ذلك تهمل السياسات والبرامج تمكين المرأة على العمل بأجر خارج المنزل، مقابل توجه عام للمؤسسات كافة داخل الدولة في التركيز على دورها كأم فقط. مما يؤدي إلى اتخاذ زيادة عدد الولادات الوظيفة الرئيسة التي تحقق ارتفاع شأن ومكانة المرأة داخل المجتمع العراقي. وذلك يجعلها المسؤولة عن ارتفاع نسبة السكان للفئة العمرية (14 سنة فأقل)، وهي السبب أيضا في ارتفاع نسبة السكان للفئة العمرية (65 سنة فأكثر)، فضلا عن إنها غالبا ما لا تتمكن من العمل بأجر والمشاركة في النشاط الاقتصادي. وبهذا تصبح المرأة السبب الرئيس لارتفاع معدلات الإعالة-;-وانخفاض مستوى الرفاه الاقتصادي داخل المجتمع، نتيجة لارتفاع عبء الإعالة الاقتصادية وزيادة معدلات الاستهلاك على حساب معدلات الإنتاج والادخار والاستثمار.
أن معدل الإعالة في العراق انخفض بشكل ملحوظ من 96% عام 1985 إلى 91% عام 1997 ثم 86% عام 2000، واستمر بالانخفاض بعد عام 2003 حتى وصل إلى 75% عام 2011. وعلى الرغم من انخفاض معدل الإعالة في العراق خلال المدة (1985 – 2011)، إلا إنه مازال أعلى من معدلات الإعالة العمرية لجميع دول الجوار. ففي الكويت بلغ معدل الإعالة 37% وفي إيران 40% تليها تركيا والسعودية 50% في كل منهما ثم الأردن 61% وسوريا 65% عام 2011( ).
تعني زيادة معدل الإعالة زيادة عدد الأفراد الذين يعولهم الفرد المنتج، مما يؤدي إلى زيادة أعباء القوى العاملة. وبما أن نسبة كبيرة من القوى العاملة العراقية غير نشيطة اقتصادياً، فإن ذلك يضيف جهداً أكبر على الأفراد العاملين ويجعلهم أقل قدرة على الإنتاج. إذ أن 21.8% فقط من سكان العراق عاملون وكل فرد يعول اقتصاديا أكثر من ثلاثة أفراد غير عاملين عام 2011، وأن ذلك كفيل بتحديد إمكان نمو وتطور إنتاجية الأفراد العاملين. أما في حالة لو كان عدد النساء غير العاملات مماثل لعدد الرجال غير العاملين (3 ملايين رجل بعمر 15 سنة فأكثر غير عامل عام 2011)، لأصبح كل فرد عامل في العراق مسؤولاً عن إعالة أكثر من فرد واحد فضلا عن أن الأم العاملة تنجب عدد أطفال أقل بحوالي طفلين عن ما هو عليه الحال للأم غير العاملة، كما بينته نتائج إحدى الدراسات السابقة عن المرأة . وذلك يعني إنه لو ارتفع عدد النساء العاملات في سن العمل لأرتبط ذلك بانخفاض مباشر في نسبة السكان الأقل من 14 سنة وانخفاض أعباء القوى العاملة.
وتجدر الإشارة إلى أن نسب الإعالة لا تتوقف على السن ووضع عمالة السكان فقط، بل أيضا على الدخل المتحصل من العمل. إذ من الممكن أن يعد بعض الأفراد عاملين ولكنهم لا يحصلون على أجر كاف لتمكين أنفسهم من الخروج من حالة الفقر ومن فئة المعالين اقتصاديا . فعلى سبيل المثال تعمل معظم النساء في العراق في قطاعات منخفضة الإنتاجية ويتقاضين أجورا زهيدة ويزاولن أعمالا متدنية الجودة والربحية في القطاع غير النظامي (لمجموعة من الأسباب تم ذكرها سابقا)، مما يؤدي إلى بقائهن فقيرات الدخل وبحاجة إلى معيل. ومن شأن هذا مرة أخرى، أن يزيد من معدل الإعالة المحسوب زيادة كبيرة ويؤثر سلبا في الاقتصاد العراقي من خلال ما يلي :-
1- إن زيادة عدد الأفراد المعالين يجهد القوى العاملة ويمنعها من إيجاد الوقت الكافي لتنمية المهارات. وذلك يجعل من الإدارة الصحيحة للمنشآت، والاستثمار في المصانع، ووضع سياسات للحفاظ على بيئة أعمال مستدامة، وتكامل سياسات الاقتصاد الكلي، غير كافية ولا تؤثر تأثيرا عميقا في نمو الإنتاجية مما يؤدي إلى اضطرار البلد أما إلى استيراد عمالة ماهرة من الخارج تزيد من تكاليف الاستثمار وتقلل من العوائد المتحققة، أو بقاء تركز العمالة الوطنية في أنشطة ضعيفة الإنتاجية غير قادرة على خلق فرص العمل. وذلك يعني إنه من الصعب التحول إلى الهبة الديمغرافية في ظل قوى عاملة غير ماهرة مثقلة بأعباء الإعالة، بل على العكس من ذلك سوف يؤدي تنامي عدد السكان في سن العمل إلى تفاقم أزمة ارتفاع معدلات البطالة.
2- في ضوء انخفاض مرونة التشغيل للناتج في العراق واستمرار ارتفاع عدد المعالين اقتصادياً، فأن ذلك سوف يسمح بتنامي ظاهرة التفاوت وعدم العدالة في توزيع الدخول والثروات، وفي فرص التعليم والعناية الصحية. أي انتشار الجهل والتفسيرات الخاطئة المتعلقة بإهمال تعليم الإناث وزيادة عدد المواليد. إذ أن المرأة في العراق المنحدرة من الأسرة الفقيرة في المتوسط تنجب مولودين زيادة عن العدد الذي تنجبه المرأة من الأسرة الغنية عام 2007 ومن ثم ديمومة القاعدة الإنتاجية المتخلفة المتمثلة بقوى عاملة غير ماهرة، واستمرار الاختلالات الهيكلية للنشاط الاقتصادي المتمثلة بالاعتماد الأحادي على قطاع ذي قدرة توظيفية ضعيفة.
3- إن تركز النسبة القليلة من النساء المشاركات في النشاط الاقتصادي بوظائف منخفضة الدخل والنسبة الأكبر منهن لا يعملن بأجر (في الوقت الذي يشكلن فيه نسبة كبيرة من القوى العاملة)، مقابل ارتفاع عدد الأفراد المعالين من السكان، أدى ذلك إلى انخفاض القدرة على تخصيص جزء من الدخل للادخار والاستثمار. فعلى الرغم من أن المرأة تسهم بشكل غير مباشر من خلال نشاطها داخل المنزل بالإنتاج والادخار، إلا أن هذه المساهمة تتضاءل مع زيادة عدد الأفراد المعالين. فمثلا أن تحضير الطعام داخل المنزل باستخدام مواد غذائية ذات تكلفة بسيطة من الممكن أن يخفض مقدار الاستهلاك الموجه لشراء الطعام من خارج المنزل ومن ثم زيادة الادخار. ولكن مع زيادة عدد الأفراد المعالين سواء كانوا أطفالا أو مسنين، فإن الجهد والوقت المستغرق لأعداد الطعام وكمية المواد اللازمة لأعداده سوف تتضاعف، وأن ذلك يؤثر أيضا في إمكان تطور مهارات المرأة بعملها خارج المنزل واكتسابها دخلاً أكبر، وكثيرا ما ينطبق ذلك على الرجل أيضا. وبهذا سوف تزداد الموارد الموجهة للاستهلاك وتوفير الخدمات العامة على حساب الموارد الموجهة للادخار والاستثمار، ومن ثم زيادة الاستيرادات الاستهلاكية دون استيراد السلع الرأسمالية اللازمة لزيادة الطاقة الإنتاجية في حين أن من أهم شروط تحقيق النمو المُطَرد هو رفع معدل الادخار المحلي والاستثمار المنتج لفرص العمل مع مراعاة التقليل من المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها الطبيعة إذ لابد من ذكر الأضرار البيئية التي تصاحب نمو عدد السكان كارتفاع معدلات النفايات وتدهور الأراضي الزراعية والغابات وتزايد انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. فقد بين تقرير التنمية البشرية لعام 2011 الصادر عن الأمم المتحدة إنه في حال انخفاض معدلات الخصوبة في جميع أنحاء العالم إلى أقل من ولدين لكل امرأة في سن الإنجاب (15 – 49)، فذلك سيسهم في تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 17% عن معدل انبعاث الغاز السنوي لعام 2011 بحلول عام 2050
وأن تباطؤ نمو الاقتصاد العراقي، نتيجة تحمل القوى العاملة أعباء الشرائح غير النشيطة اقتصادياً، مقارنة بنمو أسرع يتحقق لاقتصادات دول أخرى يقل فيها عدد المعالين ويزيد فيها عدد العاملين، من شأنه تقويض إمكانات التنافس الاقتصادي للعراق

ثانيا: عدم استغلال رأس المال البشري :-
لم يعد ممكنا للاقتصاد العراقي أن يعتمد على الايرادات النفطية و القطاع العام لدفع النمو وتوفير فرص العمل بشكل غير مضمون وغير مستدام. وفي الوقت الذي يحاول به البحث عن وسائل جديدة للتخلص من ريعية الاقتصاد من خلال اعتماده على الاستثمار الخاص وتصدير المنتجات المحلية، يلاحظ إنه يتهاون مع مشكلة الفجوة الاقتصادية بين الذكور والإناث وعدم قدرة المرأة على العمل بأجر وتطورها فيه. على الرغم من الخسائر الفادحة التي تشل الاقتصاد من جراء ذلك والمتمثلة بما يلي :-
1- بيئة استثمارية غير جاذبة لقطاع الأعمال :-
إن استبعاد المرأة عن التعليم المستمر والعمل يترجمان إلى ضعف في إنتاجية القوى العاملة، نتيجة انخفاض التراكم في رأس المال البشري وأن التمييز ضد المرأة داخل سوق العمل يخلق بيئة أعمال غير محفزة للإنتاج لا يشعر فيها كل فرد عامل بأنه محط تقييم وبأن مواهبه ومهاراته التي اكتسبها خلال سنوات التعليم تلقى الاستخدام الأمثل، بل يرجع تعيينه في هذه الوظيفة لأسباب تتعلق بكونه معيل الأسرة وبحاجة إلى أكبر دخل ممكن، دون الاهتمام بتوفير ظروف عمل تنافسية تحفيزية بين العاملين والعاملات لتقديم أفضل ما لديهم من أجل تحقيق أهداف المؤسسة. وقد يشجع ذلك السعي نحو الطرائق المختصرة غير القانونية لتحسين المستوى المعاشي للأسرة. فضلا عن الأثر السلبي الذي يتركه عدم تنوع القوى العاملة وعدم عكسها لمكونات المجتمع. إذ نتيجة لارتفاع عدد السكان من الإناث فوق سن 15 عن الذكور في العراق، أصبحن يمثلن النسبة الأكبر من المستهلكين. وواقع إقصائهن عن القوى العاملة، يؤدي إلى ضعف القدرة على معرفة وتلبية احتياجات ومطالب الجزء الأكبر من عملاء الشركات بالشكل الذي يؤثر في قابلية الإنتاج على النمو. وبهذا فإن بقاء الفجوة بين الجنسين في المشاركة في النشاط الاقتصادي، يسهم بوضع العوائق التي تمنع توسع الشركات وزيادة مساهمة القطاع الخاص في تكوين رأس المال الثابت، ومن ثم خلق فرص العمل ومعالجة أزمة البطالة

2- تراجع معدلات النمو الاقتصادي :-
يؤدي العمل على تحقيق التكافؤ بين الجنسين في التعليم دون أن يصاحب ذلك تقليص التفاوت بينهما في سوق العمل، إلى إحداث خسائر في النمو الاقتصادي على المدى القصير والطويل. تتمثل الخسائر في النمو على المدى القصير بالمبالغ النقدية التي تنفقها الأسرة والدولة من موازينها على الاستثمار في تعليم المرأة وتهيئتها وتَخصصها بعلم معين، وذلك يحدث على مدى عشرين سنة من حياتها تقريبا، والهدف المفترض أن تصبح قادرة على المساهمة بشكل أكثر فاعلية في عملية بناء المجتمع. إلا إنه بسبب عدم معالجة عوائق عمل المرأة في العراق، يلاحظ أن التفاوت بين الذكور والإناث في سوق العمل أكبر بكثير مما هو عليه في التعليم. إذ بلغت الفجوة النوعية بين العاملين بأجر في العراق (أي عند طرح العاطلين عن العمل من السكان النشيطين اقتصادياً) 82.5% عام 2011، وهي أكبر بحوالي مرتين ونصف عن الفجوة النوعية للحاصلين على تعليم جامعي فأعلى للعام نفسه إذ إن معظم النساء يتوجهن نحو تربية الأطفال والعمل المنزلي بعد أن تخصصن بعلم آخر. ذلك يؤدي إلى خسارة في معدل النمو السنوي لمتوسط دخل الفرد، نتيجة لعدم الحصول على عائد الاستثمارات التي قدمت لتعليم المرأة واكتسابها مهارة معينة ومن ثم اضمحلال هذه المهارة. إذ بينت دراسة قامت بها الأمم المتحدة، أن العمل على معالجة التفاوت بين الذكور والإناث في التعليم دون معالجة التفاوت بينهما في المشاركة الاقتصادية في الشرق الأوسط، تسبب بخسارة سنوية في معدل نمو متوسط دخل الفرد بنسبة 0.7%.
أما الخسائر في معدلات النمو على المدى الطويل فتتمثل بعمل المرأة بتخصص لا تمتلك أي معرفة عنه مثل تربية الأطفال والتعليم المبكر، والذي يعد ذات أهمية كبيرة لخلق قوى عاملة منظمة ومنتجة وغير متحيزة لأحد الجنسين. مما قد يؤدي إلى أضرار اقتصادية واجتماعية في المستقبل مسببة بتراجع معدلات النمو. وكذلك يضعف عدم تمكين المرأة اقتصاديا في العراق من قدرة تعليم الإناث على رفع معدلات الدخول المتحصلة لهن وعلى القضاء على الفجوة بين الجنسين في مراكز صنع القرار. أي تقليص العائد المرجو من تعليمهن، ويؤدي ذلك إلى التقليل من الحوافز التي تشجع الأسر على إبقاء بناتها في المدارس. ومن ثم تلاشي المكاسب النسبية المتحققة في مجال تعليمهن والمتمثلة بما يلي :-
أ‌- ارتفاع عدد المواليد لغير المتعلمات ب3 مواليد عن عدد المواليد الذي تنجبه الحاصلات على شهادة جامعية فأعلى عام 2011
ب‌- ارتفاع معدل وفيات الأطفال الرضع ودون سن الخامسة من العمر للأمهات غير المتعلمات إلى (37 و 42) وفاة لكل ألف ولادة حية على التوالي، مقارنة ب(28 و33) وفاة لكل ألف ولادة حية على التوالي للأمهات الحاصلات على تعليم متوسط فأعلى عام 2011 وقد بينت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) إن من شأن كل سنة إضافية في المستوى التعليمي للأمهات، أن تُخَفض أخطار وفاة الطفل بنسبة تتراوح ما بين 7% و9%
ت‌- انخفاض معدلات إكمال التعليم الابتدائي لأطفال الأمهات غير المتعلمات إلى 72% مقارنة 95% لأطفال الأمهات الحاصلات على تعليم متوسط فأعلى عام 2011
ويلاحظ ارتفاع نسبة الزواج المبكر للإناث (15 – 19) سنة من 15% عام 1997 إلى نسبة 19% عام 2011 وهو مؤشر يرتبط طرديا بارتفاع معدلات الخصوبة، إذ ارتفع معدل خصوبة المراهقات في العراق من 71.3 ولادات حية لكل ألف فتاة للمدة 2000 – 2005 إلى 98.0 ولادات حية لكل ألف فتاة للمدة 2005 – 2011. وهو معدل مرتفع جدا مقارنة بالدول العربية ففي عمان يبلغ 9.2 ولادات حية لكل ألف فتاة وفي المملكة العربية السعودية 11.6 ولادات حية لكل ألف فتاة والكويت 13.8 ولادات حية لكل ألف فتاة خلال المدة 2005 – 2011، بل أنه يرتفع عن معدل خصوبة المراهقات الدولي لأقل البلدان نموا بلغ 60.4 ولادات حية لكل ألف فتاة للمدة نفسها وكذلك يؤثر الزواج المبكر في زيادة مستويات تسرب الإناث من التعليم وانخفاض مشاركة المرأة بالنشاط الاقتصادي. مما يعني استمرار تضاعف خسائر عدم تمكن المرأة اقتصادياً.
إن الحكومة العراقية خلال المدة (1980 – 2011) لم توفر خططاً وبرامج متسقة ومتكاملة لتحقيق التمكين الاقتصادي للمرأة، بل على العكس يلاحظ وجود سياسة لتشجيع الإنجاب متمثلة بمخصصات مالية تضاف إلى دخل الموظف مع كل طفل جديد إلى الطفل الرابع دون الاهتمام بوضع المرأة الصحي والاقتصادي. إذ لا يتم تقديم وتأمين وصول الخدمات الإنجابية الأكثر تطورا والأقل تكلفة في مختلف أنحاء البلد، ولا يتم بناء وتهيئة دور الحضانة بالشكل الذي يوازي الزيادة العددية للأطفال، ولا يتم توفير وكالات حكومية لرعاية الأطفال في المنزل، ولا توجد خدمات إرشادية للأبوين وغيرها من التدابير التي تظهر اهتمام الدولة بالثروة البشرية، مما تسبب بزيادة عددية للسكان وليست نوعية. وأن بعض المؤسسات تشجع على الزواج المبكر، الذي يعد من أهم أسباب تسرب الإناث من المدارس وضياع فرص نجاحهن العلمي والاقتصادي في المستقبل، فضلا عن الأضرار الصحية التي يتسبب بها وتقلل من إمكان بناء أفراد نشيطين ذوي إنتاجية مرتفعة. أي ضياع فرص تحول الإناث إلى رأس مال بشري منتج، وليس مشكلة تزيد من النمط الاستهلاكي للسكان فوق سن 15.

ثالثا: ارتفاع مستوى الفقر :-
يترتب على قضاء النساء ساعات طويلة في أعمال منزلية وفي توفير المياه والوقود بدلا من الانخراط بمهنة ذات إنتاجية أعلى ودخل مرتفع، بوقوعهن في براثن الفقر. إذ بينت نتائج دراسة اعتمدت على بيانات استخدام الزمن للمسح الاجتماعي والاقتصادي للأسرة في العراق 2007 – IHSES، أن المتوسط الزمني المستخدم في الأعمال المنزلية وأنشطة الأعمال غير المأجورة (التزود بالوقود، صيانة السيارة، شراء سلع وخدمات أخرى) للمرأة بعمر 15 سنة فأكثر هو أكبر مما هو عليه للرجل من العمر نفسه. فقد بلغ 44.3 ساعات/أسبوع للمرأة من الفئة الأفقر زمنيا مقابل 2.6 ساعات/أسبوع للرجل من الفئة نفسها. ويقل هذا المتوسط للمرأة من الفئة الأغنى إلى 38 ساعات/أسبوع، في حين يرتفع إلى 3.4 ساعات/أسبوع للرجل من الفئة نفسها. وتبين الدراسة كذلك أن متوسط الزمن المستخدم في العمل المأجور للمرأة من الفئة الأغنى هو أكبر مما هو عليه للمرأة من الفئة الأفقر، إذ بلغ للفئة الأولى 6.4 ساعات/أسبوع وللفئة الثانية 3.8 ساعات/أسبوع. ويرتفع متوسط الزمن المستخدم في العمل المأجور للرجل من الفئة الأغنى بنسبة قليلة، فقد بلغ 27.9 ساعات/أسبوع مقارنة 27 ساعات/أسبوع للرجل في الفئة الأفقر ومما سبق يمكن ملاحظة ما يلي:-
1- أن المرأة تقضي معظم ساعات الأسبوع بأنشطة غير مأجورة. وأن عدد ساعات هذه الأنشطة يرتفع للمرأة الفقيرة مقارنة بالمرأة الأغنى. وربما يرجع ذلك لارتفاع عدد الأطفال وإلى الأنشطة اليومية غير المأجورة التي تضاف للأسرة الساكنة في العشوائيات وفي الريف. نتيجة نقص وصول الخدمات الأساسية إلى هذه المناطق، وبعد الأسواق عنها وغالبا ما تتحمل أعباء هذه المسؤوليات المرأة مما يزيدها فقراً.
2- تزداد صعوبات وعوائق عمل المرأة بأجر، كلما ارتفع عدد ساعات ممارستها أنشطة غير مدرة للدخل وأقل إنتاجية.
3- يرتفع عدد الساعات التي يقضيها الرجل في الأنشطة غير المأجورة للفئة الأغنى مقارنة بعدد ساعات الرجل للفئة الأفقر. وانعكس ذلك على ارتفاع عدد الساعات التي يقضيها كل من الرجل والمرأة للفئة الأغنى في نشاط العمل المأجور.
وذلك يعني إن ارتفاع عدد الساعات التي تقضيها المرأة بأعمال غير مأجورة على حساب الأعمال المأجورة، سوف يزيد من فقر الأسرة. ومن ثم تعميق عدم المساواة بين الجنسين من خلال إهمال تعليم وصحة الإناث وزيادة عدد الأطفال واستمرار الحلقة المفرغة من الفقر والجهل وعدم المساواة. ومن أهم المشكلات المرتبطة بارتفاع عدد الفقراء هو تسرب الأطفال من المدارس وانخراطهم في سوق العمل. ففي دراسة بحثية أجريت في مدينة بغداد للمدة 2008 – 2009 لعينة تتكون من 150 طفلاً وطفلة من أطفال الشوارع، بينت نتائجها أن 30% من الأطفال الذين شملتهم العينة هم أيتام من جهة الأب، و60% منهم يعيشون في أسر كبيرة الحجم (أكثر من 6 أفراد في الأسرة الواحدة) و60% منهم يعيشون في العشوائيات و46.7% منهم ينحدرون من أسر ترتفع فيها نسبة الأمية. وبما أن نسبة الأرامل في العراق هي في تزايد مستمر وأن البرامج الموجهة لهن لا تشجع تمكينهن اقتصادياً، فإن ظاهرة أطفال الشوارع مهددة بالارتفاع. وهم أضعف شريحة داخل المجتمع ومن الممكن أن يمثلون مشروع خلية خطرة لمختلف أنواع الإجرام.
فإن زيادة عدد الساعات التي تقضيها الإناث خلال الأسبوع بأنشطة غير مأجورة على حساب الأنشطة المأجورة أولا، وتدني فرص استمرارهن في التعليم والتدريب ثانيا، يعدان عاملين أساسيين في ارتفاع عدد الفقراء داخل البلد. ومن ثم العمل على القضاء على هاتين المشكلتين سوف يحد بشكل ملحوظ من الفقر والعكس صحيح.
فضلا عن ما ذكر سابقا فإن عدم تمكين المرأة اقتصاديا يتسبب بخسائر كبيرة للموازنة العامة للدولة. ففي حين تخصص من النفقات العامة رواتب شهرية (غير كافية للتخلص من المشكلات المتعلقة بإهمال التعليم والصحة) تقدم للأرامل وأسرة الموظف المتقاعد المتوفى بشكل مطرد سنويا، نتيجة لارتفاع العمر المتوقع للولادة للإناث من جانب وعدم عملهن من جانب آخر. أي استمرار صرف هذه المبالغ لمدة طويلة، مع بقاء خسائر عدم استغلال رأس المال البشري وارتفاع معدل الإعالة وزيادة عدد الفقراء، كان من الممكن في حال إذا استطاعت المرأة العمل بكامل طاقاتها مقابل دخل، أن تسهم في زيادة الإيرادات الضريبية للموازنة العامة وإحداث تقليص كبير في جميع الخسائر المذكورة.
ان خسائر عدم التمكين الاقتصادي للمرأة واضخة ، إذ أن التحيزات القانونية لصالح الذكور وكثرة المسؤوليات العائلية التي تقع على عاتق العاملة لا العامل، تجعلها أقل قدرة على احتلال الوظائف المرتفعة الإنتاجية والدخل من جانب، واتخاذ الأعمال المنزلية المسؤولية الأولية التي تتحملها من جانب أخر. وأن ممارسة العنف ضد المرأة الذي يسمح به القانون يعزز هذا الواقع، مما يمنع العاملة من تحقيق التمكين الاقتصادي. وبما أن نسبة السكان في سن العمل من الإناث أعلى منه للذكور، فإن المرأة داخل العراق سوف تعد حجر عثرة أمام إمكانات التطور الاقتصادي نظرا لكونها مستهلكة أكثر من منتجة أولا، وسوف تعمق المشكلات الاقتصادية من خلال اعتمادها الإنجاب وتربية الأطفال كوظيفة أساسية لها في حين إنها في معظم الأحيان تكون غير مدركة لخطورة هذه الوظيفة بسبب عدم تخصصها بها ثانيا. مما يؤدي إلى ضعف إنتاجية القوى العاملة في الوقت الحاضر وفي المستقبل وما يتبع ذلك من مضاعفات تمنع تمتع العراق باقتصاد قوي وتنافسي ومزدهر.