العنف ضد المراة والقيم الموروثة



دهام محمد العزاوي
2015 / 4 / 16

كانت بداية احتلال امريكا للعراق 2003 ، فاتحة لتصور جديد بان المجتمع العراقي قد دخل عصر الحرية والانفتاح والديمقراطية ، ومع هذا التصور بدأت تتعالى الاصوات المنادية بازالة كل اشكال التعسف والاستبداد ومصادرة الحريات التي كانت سائدة ابان النظام البائد ، واعطاء الحرية لكل الفئات والمكونات الاجتماعية المحرومة لتعبر عن واقعها وكينونتها . في هذه الاجواء المفعمة بالتفاؤل كان للمرأة العراقية النصيب الاوفر ، باعتبار انها كانت من الفئات الاكثر تهميشا وقهرا ، وانها تحملت النصيب الاوفى من الابعاد بسبب مادأب عليه النظام من تفعيل للقيم العشائرية التي حجمت من دور المرأة وأعلت القيم الذكورية التي تحط من قدر المراة ومكانتها وتستبيح الاتجار بها وتهميشها اجتماعيا واقتصاديا ونفسيا ، لكن المؤسف حقا ان تلك الدعوات المتفائلة فاتها ان السلوكيات الاجتماعية المناهضة لحرية المرأة لم تكن نابعة من توجه النظام السابق ونمط حكمه القروي فحسب وانما كانت جزءا معتادا من سلوك مجتمعي ووعاء قيمي استمرأ المجتمع العراقي ممارسته في البيت والوظيفة والحياة العامة . ومن هذا المنطلق لم تصمد دعوات الحرية والانفتاح السياسي والاعلامي والفكري ، في فتح المجال امام حرية حقيقية للمراة العراقية تلغي السلوكيات العنصرية والاستلاب الحضاري الذي مورس ضدها ، ولم تشفع مباديء الدستور العراقي 2005 ، التي اقرت للمراة مفاهيم العدالة والمساواة والفرص المتكافئة في المجتمع ولا مباديء الشرعة الدولية التي صادق العراق عليها والتي نادت صراحة الى تمكين المراة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ، في ازالة الموروث المجتمعي المناهض لانفتاح المرأة ، بل على العكس زاد الانفلات بالمشاعر العنصرية والطائفية الذي شهدته الساحة العراقية في خلق اجواء عنصرية وطائفية ، فمع بداية الاحتلال وتصاعد الازمة الطائفية وظهور الاحتقان المجتمعي حصلت حالات طلاق متعددة على اساس طائفي وقومي متبادل ، دفعت المراة ثمنه هجرا وعنفا وتشريدا ، وبقيت الاسر المختلطة الاخرى محافظة على حد ادنى من التعايش الهش المصحوب في احيان كثيرة بسجالات وحالات عنف وتقاطعات نفسية واساليب تهكم وازدراء متبادل ، وخضع الكثير من العراقيين للفتاوى الطائفية المتعصبة التي تحرم الزواج المختلط بينهم وساهمت الحكومات المتعاقبة في زيادة الاحتقان الطائفي بتشريعها لقوانين طائفية وعنصرية كرست الفصام بين العراقيين ووضعت المراة في وضع انساني مهين ، فقد استهل مجلس الحكم الانتقالي عهده بالغاء القانون رقم 188 لسنة 1959 والذي ينظم الاحوال الشخصية لجميع العراقيين وفق اسس حضارية وروابط مدنية ووطنية ، وارتفعت الاصوات المنادية باقرار قانون الاحوال الجعفرية والذي يبيح زواج القاصرات ويعيدنا حسب وصف الناشطة المدنية هناء ادور الى عصر الجواري والعبيد فهو يشرعن اغتصاب الاطفال وبما يخالف احكام الشريعة الاسلامية وحتى المذهب الجعفري حسب وصفها .
وصمتت الحكومات العراقية عن قواعد قانونية اقرها قانون العقوبات النافذ ، كرس الواقع الاجتماعي المتدني للمراة واعطى علوية للقيم الذكورية السائدة في المجتمع كضرب الزوجة للتاديب ( المادة 41 /أ ) اوالقتل غسلا للعار(المادة 128 ، 129 ، 130 ، 131 ) او قتل الزوجة او احدى المحارم لأرتكاب الفاحشة ( المادة 409 ) اوانتحار المرأة وعدم معاقبة من تسبب في انتحارها ( المادة 408 / 1 ) او أغتصاب المرأة وتخفيف العقوبة بعذر قانوني مخفف اذا تزوج الجاني من المجنى عليها ( المادة 398 ) . أو زواج الفصلية او ختان النساء الذي تقره بعض الاعراف الاجتماعية والقبلية وغيرها من الامثلة التي تزخر بها القوانين والاعراف الاجتماعية في العراق والتي تصب جميعها في دائرة العنف ضد المراة نتيجة التسط الذكوري والعشائري الذي جعلها اسيرة لمعتقدات واعراف بالية . ان هذه القيم الاجتماعية والنصوص القانونية احيطت بتفسيرات مغالية وجانحة لنصوص دينية جعلت المراة تقبع في الخانة المتاخرة من سلم الحياة الاجتماعية ، فهي ناقصة عقل ودين وهي عوجاء خلقت من ضلع اعوج وان الرجال قوامون على النساء حتى في طموحاتهن واحلامهن ، وان المرأة لاتصلح للخدمة العامة وان محلها البيت والطبخ والغسيل وتربية الاولاد ، اما الولاية الكبرى اي الحكم والسياسة فحرام عليها دخولها او حتى الاقتراب منها ، ومعلوم ان النص الديني في عموم مجتمعاتنا له مكانته من التطبيق حتى وان خضع للتشديد والتشويش والتدليس والتعصب والاوهام حسب وصف الشيخ عبد الرحمن الكواكبي . عقد من زمن التغيير مضى وواقع المرأة في تراجع ، والحركات والمنظمات النسوية المطالبة بالتغييراصبحت محاصرة ومغيبة بل ان بعضها مشلول بحكم نقص الاموال وضعف الدعم الحكومي والمجتمعي ، فضلا عن قلة الناشطات النسويات ذات التاثير والفاعلية ، والطامة الكبرى في مجتمعنا اليوم ان قلة الوعي وضعف التعليم والفهم الناقص للدين ، جعل كثيرا من نسائنا يؤمن يقينا بغلبة قيم الذكورة وان الرجل اولى بالسيادة المجتمعية ، وان لامحل للمراة في القيادة حتى وان شكل النسوة 60% من المجتمع ، كانت الانتخابات البرلمانية التي جرت 2014 ، والتي ذهبت فيها جل اصوات النساء للمرشحين الرجال ، انتكاسة كبيرة لجهود بث الحياة لواقع المرأة المتخلف في مجتمعنا ، هذه الانتكاسة وان كان الواقع لايعفي من تكرارها في مواطن اخرى مستقبلا ، الا انها لايجب ان تحبط محاولات ومساعي ناشطي المجتمع المدني ومثقفي المجتمع العراقي بكل اطيافهم لتغيير واقع المرأة حتى وان بقيت عجلة المجتمع تدور الى الوراء .