ما بعد الاغتصاب



ماجد ع محمد
2015 / 4 / 17

ما أغبانا حين ندعُ اللصَ المُسلحَ يمر بأمانٍ من أمامنا ونحنُ مطأطئين، فنغض الطرف عنه حتى لا نتحمل تبعات رؤيته، ونذهب بعد ذلك الى من سُرق ماله موبخينه: لماذا يا هذا لم تخبئ ممتلكاتك في مكانٍ آمن؟
ماجد ع محمد
وفق ما جاء في وسائل الإعلام أن مبعوثة الأمم المتحدة زينب هاوا بانغورا المعنية بقضايا العنف الجنسي في حالات النزاع في كل من العراق وسوريا ستزور مشكورةً هذا الأسبوع المنطقة لتناقش ارتكاب الجماعات المتطرفة ك: "داعش" ومن يماثل التنظيم في الفكر والسلوك والتصرف، جرائم الاغتصاب والسبي والرقيق الجنسي وغيره من أشكال العنف الجنسي في البلدين المذكورين، منذ أن أفلتت الأنظمة ثيران التطرف من حظائر التحجر.
عموماً ورود هكذا خبر قد يُثلج الكثير من الصدور وقت سماعه في وسائل الإعلام، ولكن الذي يجعل المرء جاثياً في مضمار الحيرة هو التفكير بعواقب الزيارة وفائدتها، وما الذي تستطيع أن تقدمه المبعوثة الأممية عندما ترى بأم عينها من تعرضن للاغتصاب، وكل واحدة منهن تسرد مأساتها أمامها وأمام الفريق الذي يحيطها ومن خلفهم وسائل الاعلام التي تتلذذ بنشر كل ما هو غير مألوف وجارح، لكي تحقق الشهرة والمتابعة على حساب من يتم عرضهم ولو كان عرض المشكلة سيزيد من معاناة أصحابها بعد علانيتها.
وهل من خطة لدى المبعوثة الأممية تساهم في إنهاء هذه المحنة؟ مع أن الكارثة حصلت وانتهى زمن الجريمة والمجني حر وطليق، ولديه القدرة على ارتكاب المزيد من تلك الأعمال القذرة، بما أن العرف الديني المتوارث ـ وليس المنصوص عليه في القرآن ـ يُشجعه على اقتراف المزيد من تلك الأعمال، والعاملون في المنظمات الدولية يعرفون جيداً وذلك بحكم اطلاعهم على ثقافات شعوب المنطقة وكذلك بفضل بعض العاملين فيها من سكان الشرق الأوسط، أن البنت أو المرأة التي يتم التشهير بها تلقى الزجر والنفور والاستحقار من قِبل المجتمع، المجتمع الذي تعود على نسيان قذارة الجاني ومداومة تذكير الضحية بما حصل معها، ليس لكي يساعدها حتى تتخلص من تبعات الحالة، إنما يتم تذكيرها مراراً بقصد إهانتها ليس إلا.
والتساؤل الملحُ هو ما الفائدة يا ترى من عرض قروح الناسِ ونعرف أن الطبيب ليس لديه الاستعداد لمداواة تلك القروح، والجروح ان لم تتلقى العلاج أمن داعٍ للكشف عنها كل حين، ونحن نعرف بأن الجراثيم تحيطنا من كل الجهات، بل وقد تزيد الأجواء الاجتماعية المجرثمة على العلة عللاً مضافة إذا ما استمرينا في عرض تلك الجروح كل حينٍ بدون أن نحيطها بمواد الوقاية.
وقد سمعنا مراراً خبر اغتصاب الجهاديين فراداً وجماعات سراً وعلنا لبعض الإيزيديات قبل الإفراج عنهن بمقابل مالي! ولكن ما الذي استطاعت أن تقدمه تلك الوسائل لمن تعرضن للاغتصاب غير فضحن هنا وهناك، ومن المعلوم أن المتطرفين الاسلاميين يمارسون العنف الجنسي كوسيلة من وسائل الإرهاب والإهانة بالتوازي مع الضرب التخريب والقتل، طالما كان الجنسُ فعلُ إهانة، فهل على وسائل الاعلام إذن تكرار ما يُشعر الناس بالإهانة كل حين.
وما دامت المنظمات الدولية رغم مساعيها الحميدة في إلقاء الأضواء على الظواهر السيئة في مجتمعاتنا غير قادرة على لجم جماح المتطرفين في أية بقعة من العالم، ولا هي قادرة على أن تمارس سلطتها المعنوية في الضغط على الحكومات التي تيّسر أمور المتطرفين في المنطقة المبتلاة بداء المنظمات الارهابية، تلك التي لا تزال تمتطي الأحاديث الدينية كخير وسيلة للوصول الى الغايات القذرة لمنتسبيها، وما دامت المنظمات الدولية عاجزة عن تقديم أي عونٍ يُذكر لمن تعرضن ويتعرضن للسبي والاغتصاب، فهل يكفي الحديث عن هذه الاشكاليات ما دامت الحلول لا تزال غائبة؟ ولنفترض أن المنظمات وصفت الحالة بدقة ووثقت أسماء اللواتي تعرضن للاعتداء، فكيف ستتعامل المنظمة بعد ذلك التشخيص والتوثيق، ألديها القدرة على تبني ولو خمسين امرأة فقط ممن تعرضن للاعتداء، ويعرف العالم أن أعدادهن بالألاف، وألسنا الآن أمام إشكالية ما بعد الاغتصاب وليس ما قبله، وفرضاً بأن الفاعل تم اعتقاله أو تمت معاقبته وهو ما لن يحصل في المدى المنظور، فمن يُعيد إذن الاعتبار لإناثٍ سقطن في عيون الأهالي قبل الغرباء، ومن الذي سيعيد السلام الداخلي للمغتصبة، ومن يحررها من نظرة المجتمع المتخلف الذي اعتاد من فرط جبنه المتوارث أن يُحاسب المفعول به طالما كان يخشى التحرش بالمعتدي، ولا يتجرأ حتى على توبيخ الفاعل الذي كان في السابق مدعوماً من قبل الأنظمة الاستبدادية، واليوم بات جزءً من المنظمات الارهابية التي لا قيود على كل أفعالها، لذا أليس على المنظمات المعنية بحقوق الانسان عدم الاكتفاء بتشخيص المشكلة وتوثيقها، إنما أن تقوم بالتوازي مع التوثيق بنشر الوعي بين ذوي المختطفات، وتحث المجتمع على قبول الضحية والرأفة بها وليس استحقارها كما هي عادة المجتمعات الشرقية، وذلك من خلال المباشرة بعقد الندوات في أكثر من مكان وإقامة الورشات الاجتماعية، ليس للنساء فقط إنما للرجال قبل النساء، وذلك حتى تحررهم من شوائب موروثاتهم التي تحضهم على تجنب المُجرم وصب جام الحقد على الضحية.