قضية المرأة قضية عامة، لا تنفصل عن قضية الديمقراطية والمواطنة



سحر حويجة
2005 / 9 / 26

أبناء الجاهلية، حماة الجهل والتخلف، باسم التقاليد البالية، تنتهك الحقوق ، وبالأخص منها حقوق المرأة، ، في كل مناسبة، تختزل المرأة، إما بإقصائها، أو عبر دمجها، ، لا قيمة لها بذاتها، يعاملونها كأنها ظلاً للرجل ، تأخذ قيمتها منه، هذا سائد حتى في الأوساط الواعية، وأما في الأوساط المتخلفة، لا قيمة لها أبداً، فإذا مارست حقاً من حقوقها، يتعارض مع الأجداد ، ومع مفاهيم لا أحد يدري مصدرها، يحكم عليها بالإعدام ، وتذبح كالشاة، ، هذه الجريمة لم تحصل صدفة، بل كل فتاة من هذه الطائفة، معرضة لنفس المصير، إذا اتخذت نفس القرار، فهناك جرائم سابقة، ولكن هدى كان حظها أوفر ، حيث وجد من يرفع صوته عالياً ضد هذه الجريمة وضد أسبابها، جريمة القتل هذه اختصرت قضايا كبيرة ، فمن جهة سلطت الضوء على جمود القوانين وتخلفها ، وعبرت من جهة أخرى عن مستوى الجهل والتخلف والتعصب، والأحقاد، الدفينة، وبصورة خاصة عن موت العلاقات الإنسانية الطبيعية ، عندما يتحول الأهل إلى ألد الأعداء، ردة الفعل ضد الجريمة كانت احتجاج النساء الأكثر تقدماً، في المجتمع، وتعاطف الرجال المثقفين مع مطالب هؤلاء النسوة، هذه المقدمة تقودنا إلى نقاش أكثر من قضية هامة:
أولاً: ثقافة العنف ، و منها العنف العائلي، فالثقافة التي تسود حياة مجتمعاتنا العربية، هي ثقافة الاستبداد، التي تقود إلى الإلغاء ،والإقصاء ، والانتقام، فإذا كان العنف يعكس فعل الاستبداد، والتسلط، وردة الفعل المعاكسة له، فالجوهر هو من أجل حماية السلطة ، أو السعي من أجل هذه السلطة ، عن طريق العنف، والعنف العائلي أحد أشكال حماية هذه السلطة، لكن أي سلطة؟ إنها سلطة الزوج أو الأب أو الأخ على المرأة، سلطة تعززها التقاليد ، والأديان، وتحميها القوانين ، والأعراف، وأي خروج على هذه السلطة تكون عاقبتها، مختلف أشكال الاضطهاد، قد تصل إلى أحلك الصور وأقساها وهو القتل، هذه ا لسلطة التي يملكها الرجل على المرأة ، لعلها السلطة الوحيدة التي مازال الرجل في مجتمعاتنا يحتفظ بها ، بعد أن فقد سلطته على نفسه و على حاضره ومستقبله، فهو ليس صاحب قرار في أي شأن من شؤونه، ولكنه مسير مسخر، أداة طيعة، إنسان يفتقد حقوق الإنسان، والنتيجة إنغلاق، وإنفراد، تقود الإنسان إلى نفق مظلم ، يبحث عن ذاته فيراها في أضيق الحدود، فيتعصب لحمية من بقايا الجاهلية، ليحمي نفسه، فينمو التعصب ، ليتحول الإنسان ، إلى آلة تحركها، الغرائز والعصبيات، يلفها بأحط المشاعر الكاذبة ، والأنانية، والمصالح، كل شيء مصطنع ، يكره نفسه ويكره الأقرب إلى نفسه، القتل يختصر هذه المشاعر ليعبر عن حالة الانحطاط، وتفكك الروابط الإنسانية. المشاعر الدينية لم يبقى منها إلا التعصب، أما القيم الدينية ، التي لا تتعارض في جوهرها مع القيم الإنسانية العامة، بل هي جزء منها، لا وجود لها في حياة من يدعي التدين، فأي دين هذا الذي يكون ستار ، لممارسة الإنسان لكل أنواع الموبقات من الفساد والسرقة، والكذب والغدر، وأقصاها القتل، الإنسان في مجتمعاتنا لا يخاف في أعماله من الله ، بل يخاف من الناس المقربين منه، اللذين يدعون أنهم حماة الدين والتقاليد، خاصة إذا علمنا ، إن أغلب رجال الطوائف ونساؤها لا يفهمون من الأديان شيئاً ، إلا ما يبرر عدائهم، وكرههم للآخرين، ولايعلمون ما يجمعهم مع الآخرين، مع أن الحقيقة إن ما يجمع الأديان، أكثر بكثير مما يفرقها، فالقيم واحدة، والله واحد، ولكن نجد أن لكل طائفة ربها، وكل طائفة تتمسك بأحط القيم الرجعية، هذا يعكس الواقع الاجتماعي التي تعيش فيه هذه الطوائف، وهكذا المرأة العربية فهي عند كل الطوائف مضطهدة، بأشكال مختلفة، الدروز، والمسيحيين يبيحون قتلها، والعلويين لا يعترفون لها بدين، والإسماعليين، يحرمونها الإرث ما أمكن، والسنة يخافون عليها ويخفونها عن العيون ، ويحمي كل ذلك ، قوانين متخلفة قائمة على التمييز، وتقاليد بائدة ورجعية ، تطورت الشعوب، عندما ألغت من حياتها القيم التي لا تنسجم مع العصر ، وحافظت على التقاليد والقيم التي تنسجم مع إنسانية الإنسان، ومع العصر، ونحن على العكس، نحافظ على أحط التقاليد ونحيطها بقدسية.
أما التعاطف الذي نلقاه ، من الفئة الأكثر تقدماً من الرجال، مشكورين، هؤلاء الرجال اللذين ينتمون بوعيهم للتيار التغييري، بين ماركسي، وليبرالي، ويساري وقومي، هؤلاء يسعون إلى وطن جديد، تسوده الديمقراطية، قائم على حق المواطنة، ولكن بالله عليكم لو عدنا إلى مفهوم الديمقرطية، أليس هدفها المساواة بين جميع فئات المجتمع، ومساواة جميع المواطنين، أمام القانون، فهل تستقيم ديمقراطية ، عندما يقسم المجتمع إلى نصفين يتم التمييز بينهم، في القانون، كيف نتكلم عن المواطنة وأميز بين مواطني الدولة في الحقوق والواجبات، وعندما نؤكد على أهمية العلمانية، إنها ليست من قبيل الترف الثقافي، بل هي شرط ضروري لتعزيز الديمقراطية، وإلا سنكون أمام ديمقراطية عرجاء مشوهة ، إنها دفاعاً عن حق المواطنة، لا تكون إلا بإلغاء التمييز الطائفي، و العلمانية دفاعاً عن دولة الحق والقانون، لأن فصل الدين عن الدولة، يعني فيما يعنيه ، إن قانون الدولة وخاصة الدستور، يجب أن يكون عادلاً له طابع تجريدي عام، يضمن مساواة جميع المواطنين، لا يخدم أيديولوجية خاصة، أيضاً أن لا تسيطر على السلطة التشريعية أيدلوجية خاصة، أي عدم تقييد تشريع القوانين بما لا يخالف الشرع، بل يجب أن تصاغ القوانين، بما ينسجم مع العدالة المطلقة، فاستقلال الدين عن الدولة، هو استقلال عن أجهزتها، أي لا تكون سلطتها القضائية والتنفيذية والتشريعية تابعة للمصالح الخاصة من أي أيديولوجية كانت ، وأي قانون من هذا النوع سيكون على حساب الديمقراطية، والمواطنة، وحقوق الإنسان، إنها قضايا مترابطة متكاملة، وبقي أن نقول أن هذه المبادئ لا تفرض، بل هي تعبر عن مستوى تطور المجتمع، ونضجه في لحظة معينة من تطوره، ولكن ما هو واجب وضروري، إنه على القوى التغييرية ، التي تسعى لبناء مجتمع حديث ، وتعتمد أيديولوجيا عصرية، يفترض أن هذه القوى تعبر عن البنية الأكثر تطوراً في المجتمع، وعن الجماهير الأكثر نضجاً، وهي القوى اليسارية، والليبرالية، والقومية، لذلك يجب عليهم، أن يتميزوا عن القوى التقليدية ، التي تعبر عن البنية المتخلفة، عليهم أن لا يغفلوا أهمية هذه القضية، بل يجب أن تكون في صلب برامجهم ونضالهم اليومي، مهما كانت الذرائع أو الأسباب، لأن التنازل عن قضايا جوهرية، يلغي الحدود بين القوى المختلفة في المجتمع، وهذا شيء يتعارض مع الديمقراطية أصلاً ، التي تعني الاختلاف، والتمايز ، والمنافسة، حتى لو كان الهدف الذي يتذرعون به هو كسب الجماهير، فهذه مساومة ليست رابحة قد يربح أن يصل أحدهم للسلطة، لكن دوره سيكون في خدمة القوى التقليدية، ويظل في خانة المساومة، حفاظاً على هذه السلطة، والتجربة العراقية التي خلطت الأوراق، خير دليل على ذلك، لأن المحصلة تعبر عن ميزان قوى في لحظة تاريخية معينة، أما أن يكون همنا السلطة، وبالتالي نخسر السلطة والمبادئ فهذه مصيبة.
لذلك قضية حرية المرأة، وتغيير القوانين التمييزية، ومساواتها مع الرجل هي من صلب قضية الديمقراطية والحرية، والمواطنة في مجتمعاتنا، وليست شأناً خاصاً ، تعبر عن مصالح خاصة، بنضال النساء، لأن هذه القضية ترتبط ببناء الدولة الحديثة، أولاً، وهي قضية جوهرية ، يجب على كل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني إيلائها الأهمية اللازمة، ولن ننسى أن رواد النهضة العربية في بداية القرن العشرين، كانت قضية المرأة في أولوية اهتمامهم، ثانياً، إن المرأة في وضعها الراهن، سواء لأسباب تاريخية ، ميزت في الأدوار بين المرأة والرجل، أو بسبب القيود التي تحد من حرية المرأة ومشاركتها ، فهي ليست مقيدة بقيود السلطة اتجاه الحريات فحسب ، بل تخضع إضافة لذلك لسلطات مختلفة من الأديان، والتقاليد، والمجتمع، وسلطة الرجل سواء الزوج، أو الأب، أو الأخ، تقيد حركتها وحريتها، وتبقى فعاليتها محدودة ، ومقتصرة على النساء المتقدمات. ولن يشكلوا قوة ضاغطة ، مؤثرة فاعلة لوحدهم، على الرغم من أهمية نشاطهم، وأهمية مبادراتهم.
وإذا عدنا إلى قتل هدى من زاوية قانونية، أنا لست محامية ولكني درست القانون، ما أعرفه إن الوصف الجرمي لهذه الجريمة ليست جريمة قتل بدافع الشرف، بل هي جريمة القتل العمد للفروع، هذه الجريمة ، من الجرائم التي تخضع لعقوبة مشددة، لأن جريمة الشرف المبررة وأو المخففة للعقوبة، هي من يشاهد زوجته أو أخته بالجرم المشهود بحالة جماع مع شخص آخر، أو في حالة الريبة، أما في حالة هدى فهو زواج شرعي، قانوني، لا يخضع لهذه الأحكام، إلا في حالة واحدة إذا كانت المحكمة الطائفية الدرزية، تقر بالقتل في هذه الحالة، فيكون هناك قضية مستأخرة يتم إرجاء الحكم بجريمة القتل حتى البت بها، ولكن أعتقد أن في هذا النوع من الجرائم، لا يوجد من يدعي على القاتل، فأصحاب حق الإدعاء هم الأهل اللذين يسقطون حقهم، ولا ينال المجرم من العقاب إلا الحق العام.