المرأة مفتاح النهضة



سعد الله خليل
2005 / 9 / 26

قرأت الخبر على إيلاف* وتساءلت، واستغفرت ربي: هل يخشى الله أو يتأذى إن رأى وجه امرأة أو شعرها؟ هل يكره رب العالمين شكلها أو يشمئز منه؟ وإذا كان الأمر كذلك- وهو ليس كذلك- لماذا لم يخلقها دون وجه أو ملامح، وقرعاء دون شعر؟ هل من حكمةٍ في ذلك؟
هل في خلقها- جل جلاله عن ذلك- نشاز أو ما يعيب؟ أليست إنسانا؟ ألم يقسم رب العالمين بالتين والزيتون، وجبل سيناء، ومكة، أنه قد خلقها في أحسن تقويم؟ (والتين والزيتون1 وطور سينين2 وهذا البلد الأمين3 لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم4)**.
لماذا لا يوجد اعتراض على وجه الرجل وشعره؟ لماذا يدعى بعضهم أن الله ينظر إلى الرجل ولا ينظر إلى المرأة؟ لماذا يدعي بعضهم أن الله فضّله عليها؟ هل شكله أدعى من شكلها للراحة والاطمئنان والفرح؟ أم أنه أجمل؟ وإذا كان الأمر كذلك- وهو ليس كذلك- لماذا لم يخلق الله الناس ذكورا كلهم، ويخلق معهم آليةً أو طريقة أخرى للتناسل والتكاثر، غير الطريقة المعهودة، حلا لهذا الإشكال، ومنعا لهذا الاضطهاد والاحتقار؟ ألم يكن باستطاعته سبحانه فعل ذلك؟ أليس على كل شيء قدير؟
لماذا إذن فضّل ذو المهابة والجلال أن يخلق كلا الجنسين، لا يفرق بين ذكر وأنثى إلا بصالح الأعمال؟ (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير- الحجرات 13).
لماذا تؤرق المرأةُ بعضَ الناس، وتشكل هاجسا لهم؟ لماذا يصبُّ هؤلاء جام غضبهم عليها؟ ما هي مشكلتهم معها؟ هل في الأمر عقدة قديمة تلبستهم منذ الصغر؟ هل هي التربية؟ أم هو الكبت؟ أم التظاهر بالزهد والعفة؟ أم الاقتناع بأن اضطهادها مرضاة لله؟
أم أن الأمر برمته قراءة بشرية خاطئة من قبل بعض فئات المجتمع، لكل منهم ظروفه وأسبابه ودوافعه؟ الفئة الأولى: ذوي الشخصيات المهزوزة غير السوية، الذين يعتبرون المرأة- خلافا لما أنزل الله- متاعا، وملكية شخصية، خُلقت لمتعة الرجل ليس إلا.! كما قال لي أحدهم، مخادعا، متذاكيا، لتبرير موقفه: المرأة جوهرة، فهل تخبئ ما تملكه من جواهر، وتخفيهم عن أعين الناس، أم تعرضهم للملأ؟
والفئة الثانية: أولئك الذين يريدون اضطهاد أهلهم وأقاربهم ومجتمعاتهم، والسيطرة عليهم من خلال اضطهادهم للمرأة، وإخافتها، وإذلالها، باعتبارها المربية التي تنعكس حالتها على أبنائها، فيتأثرون بها، ويتعلمون منها. فإما أن تغرس فيهم روح العزة والكرامة، والرغبة في البحث واكتشاف المجهول، والمعرفة، أو تغرس فيهم روح الذل والهوان والاستكانة، والقبول بالأمر الواقع.
والفئة الثالثة: ذوي العقول المتحجرة الذين ما زالوا يعيشون في سراديب القرون المظلمة، ويأخذون بحرفية النص دون اعتبار للزمان والمكان، وظروف النص، وأسباب نزوله، والحكمة منه.
أما الفئة الرابعة: فهي التي تجعل من الحجاب علامة سياسية، تعبوية، لوصول قادتها إلى الحكم والسلطة.
علما أن هذه الجماعات والفئات هم أكثر الناس جريا وراء المرأة، لا يستفز عقولهم، ولا يستولي على تفكيرهم، ولا يشغلهم، سوى ما بين ركبتها وسرتها، بدليل سعي الشيوخ (الأفاضل) الطاعنين في السن للزواج بالفتيات الصغيرات القاصرات. وهم أكثر الناس أيضا لهثا خلف ملذاتهم الحسية، لدرجة أنهم لا يرون في الجنة سوى الحوريات والخمر والفاكهة.
ألم يكن لآية الحجاب وضعا خاصا وظروفا خاصة فرضتها غلاظة الأعراب، وجلافتهم، وهمجيتهم، وسوء سلوكهم، خاصة نحو النساء؟ دون تمييز بين نساءٍ، ونساء، مما أزعج الخليفة عمر بن الخطاب فطلب من الرسول وضع حاجز بين نسائه وبين هؤلاء الأجلاف. فقد أخرج البخاري عن أنس*** أن عمر قال: "وافقت ربي في ثلاث. قلت يا رسول الله..... وقلت يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما – الأحزاب 59).
إذن الغاية والحكمة من الحجاب كما تقول الآية، كانت حماية المسلمات من أذى أولئك الأعراب- كي لا يؤذين- الذين كانوا يتربصون شرا بالنساء، ويعاكسوهن، ويضايقوهن حتى في قضاء حاجاتهن الطبيعية، من خلال وضع علامة ما، أو شارة ما، تمييز المسلمات عن غيرهن من النساء. فهل زالت هذه الحالة من بلداننا؟ أم إنها ما تزال قائمة؟ أعني هل مازال الأعراب بين ظهرانينا يمارسون هكذا أفعال؟ وهل ما زالت النساء يقضين حاجاتهن في العراء؟ ثم في مجتمعات ليس فيها غير المسلمين والمسلمات، مجتمعات يحكمها القانون، ويستتب بها الأمن، وتفرض فيها أقصى العقوبات على المخالفين والمعتدين، هل ما زالت الحاجة قائمة لهذه العلامة المميزة، خشية من الأذية؟ إضافة لذلك- والغاية عدم الأذية- أليست هذه العلامة المميزة تعرّض المسلمات المقيمات في الغرب للأذية، خاصة في مثل هذه الظروف العصيبة على الإسلام والمسلمين هناك؟
عدا عن ذلك، فإنه لا يوجد في آية الحجاب، ولا في آيات القرآن أي أمر إلهي للنساء بارتداء الحجاب؟ كما لا يوجد أي نهي عن سفور الوجه والشعر، ولا توجد أي عقوبة تعاقب على ذلك، ولا حتى تهديد أو وعيد، خاصة مع انتفاء الأذية، مما يعني أن سفور الوجه والشعر ليس من المحرمات.
عودة إلى خبر إيلاف، والقرار الذي أصدره الأمين العام لمجلس الوزراء العراقي، وما فيه من إجحاف بحقوق المرأة، خاصة حقها في العمل، وإكراه وقمع واضطهاد لها، واستهتار بمشاعرها ورفض اختياراتها.
فقبيل سقوط صدام، وعندما عاد هؤلاء القادة إلى العراق ظن العرب والعالم فيهم خيرا، خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة، فحديثنا عنها، وليس عما يقال ويشاع عن فساد وسرقات، ونهب أموال، وانتهاكات.
لقد ادعى هؤلاء القادة، وأوهموا الناس بأنهم من المناصرين لقضايا المرأة ومطالبها، والساعين إلى تحررها، واحترام حقوقها، وإزالة الغبن والاضطهاد عنها، لكن ذلك للأسف لم يكن سوى شعارات مزيفة رفعوها، وأقنعة تنكرية لبسوها، لإيهام الناس، وتضليلهم، وكسب تأييدهم وتعاطفهم، وصولا للسلطة.
وفي هذا المجال لا يختلف المتعصبون لدى الشيعة عن المتعصبين لدى السنة في احتقارهم للمرأة وحقوقها، والانتقاص من قيمتها، واضطهادها، ولعل هذا هو الشيء الوحيد الذي يتفقون عليه، وفيما عدا ذلك فهم متخالفون متعارضون، فهل يكفي هذا لتحالفهم ضد بقية الشعب؟
جميع الحضارات الأصيلة القديمة كانت تحتوي أسماء أنثوية. والمجتمعات الغربية، والآسيوية (يابان، هند، صين) لم تتقدم وتتطور، وتصل إلى ما وصلت إليه من علم وتقدم وتكنولوجيا والكترونيات واختراعات، لولا المساهمة الفعالة للمرأة، ومشاركتها الجدية، وانخراطها في المجتمع جنبا إلى جنب مع الرجل.
إن تحرير المرأة العربية من أغلالها وقيودها، واحترام حقوقها واختياراتها، ودمجها في المجتمع، ومساواتها بالرجل، هو تحرير لزوجها وأبيها، وأبنائها وبناتها، وأخوتها وأخواتها، أي أنه تحرير للمجتمعات العربية، التي ستقف، وتسير على ساقين اثنتين. وهو مفتاح نمو العرب وتقدمهم، وتحريرهم من عبوديتهم. وهو الطريق الوحيدة للخروج من الأنفاق، واللحاق بركب الحضارة الإنسانية.

* الخبر في إيلاف- العدد (1580) تاريخ (18/09/2005) تحت عنوان: (مستشارون للجعفري يتخلون عنه) جاء فيه أن الأمين العام لمجلس الوزراء العراقي أصدر قرارا بطرد جميع الموظفات غير المحجبات
العاملات في المجلس إلى خارجه.
** طور: كلمة سريانية معناها جبل. أنظر (الاتقان في علوم القرآن) للسيوطي- النوع الثامن والثلاثون فيما وقع فيه بغير لغة العرب.
*** أنظر (الإتقان في علوم القرآن) للسيوطي- النوع العاشر فيما نزل من القرآن على لسان بعض الصحابة.