العولمة والأصولية يُدعمان الأسرة الأبوية



شريف حتاتة
2005 / 9 / 26

وثيقة
العولمة والأصولية يُدعمان الأسرة الأبوية إعداد: د. شريف حتاتة *
* الصراع للحفاظ على الأسرة الأبوية تتصدره إدارة بوش والمحافظون الجدد الأصوليون في الولايات المتحدة كجزء من سياسات القمع والإستغلال الذي تُمارسه. كما يساهم فيه بقسط وفير بابا الكاثوليك ومطارنة الكنائس الأرثوذكسية وغيرها , ومشايخ الأزهر والمؤسسات الإسلامية الأخرى , وزعماء الحركات السياسية الإسلامية , ومدارس يهودية مختلفة مثل الربانيين , والتحالف اليهودي المسيحي الأصولي في الولايات المتحدة , والحزام المعمداني في الجزء الجنوبي منها *
الأبوية هى سلطة الرجل على المرأة المفروضة عن طريق هيئات ومؤسسات المجتمع . وحتى يُمكن ممارسة الأبوية لابد ألا تترك أي مجال في المجتمع دون أن تتغلغل فيه , دون أن تتغلغل في الإنتاج , والإستهلاك في السياسة والثقافة والقانون .
تتصل سيطرة الرجال على النساء إتصالاً وثيقاً بسيطرة الأغنياء على الفقراء أي بالسيطرة الطبقية , وبسيطرة البيض على الملونين والسود لكن الأبوية تُمارس سيطرتها لا عن طريق هيئات ومؤسسات المجتمع فحسب وإنما أيضاً وإلى درجة كبيرة عن طريق خلق وعى مزيف يُؤدي إلى القناعة بأن تفوق الرجال على النساء في المجتمع ليس ظاهرة إجتماعية وإنما ظاهرة قامت منذ البداية وأن هذا التفوق أمر طبيعي مما يجعل التخلص من الأبوية مسألة صعبة للغاية . وتتعاون الثقافة , والأديان , والتعليم , والإعلام لتدعيم هذه النظرة الأبوية التي تقوم بشكل أساسي على قاعدة هى الأسرة وتنغرس جذورها بعمق فيها. ذلك أن الأسرة بتركيبها الحالي قائمة على سيطرة الرجل على المرأة , على وحدة تُولد السيطرة الذكورية وترعاها. فالتركيبة الأسرية المبنية على سيطرة الرجل هى التي تُعطى للأبوية وضعها المشروع والشرعي, هى التي تهبها قوتها وتُساعد على ستر حقيقتها . فلولا وجود الأسرة على هذا النحو لإنكشفت حقيقة أن الأبوية عبارة عن تسلط مطلق ليس إلا مما كان سيُؤدي حتماً إلى التغلب عليها من قبل نصف المجتمع النسائي المحكوم بنير قهرها .
الأسرة بتركيبها الأبوي الحالي هى التي تُخفي حقيقة سيطرة الرجل على المرأة وتُدعمها. إنها ترعى الأبوية , والتفرقة الجنسية , والقهر المتسلط على النساء , والقيم المناقضة للديمقراطية وممارساتها .
إن هذه الحقيقة مصدر الصراع الذي لا يلين تخوضه القوى السياسية والإقتصادية والثقافية المتحكمة في العالم وفي مختلف المجتمعات للحفاظ على الأسرة المبنية على السيطرة الذكورية , فهي تُدرك أن تحرر النساء من قيود هذه السيطرة من شأنه أن يُساهم مساهمة كبيرة في تقويض النظام الرأسمالي العالمي الذي يقهر أغلبية الشعوب لصالح أقلية من الأغنياء المسيطرين على الشركات المتعددة الجنسية .
هكذا نرى أن الصراع الذي تخوضه هذه القوى للحفاظ على الأسرة الأبوية تتصدره إدارة " بوش " والمحافظين الجدد الأصوليين في الولايات المتحدة كجزء من سياسات القمع والإستغلال الذي تُمارسه . كما تُساهم فيه بقسط وفير الحركات الأصولية الإسلامية , واليهودية , والمسيحية في القارة الآسيوية , والشرق الأوسط والبلاد العربية , وفي أفريقيا وأمريكا اللاتينية . يُساهم فيها بابا الكاثوليك ومطارنة الكنائس الأرثوذكسية وغيرها , ومشايخ الأزهر والمؤسسات الإسلامية الأخرى , وزعماء الحركات السياسية الإسلامية , ومدارس يهودية مختلفة مثل الربانيين , والتحالف اليهودي المسيحي الأصولي في الولايات المتحدة , والحزام المعمداني في الجزء الجنوبي منها .
رغم الحرب المزعومة ضد الإرهاب , والصراع المزعوم بين الحضارات , رغم المنازعات المرتبطة بالمال والبترول , والحروب القائمة بسببها , فإن كل هذه القوى مرتبطة إقتصادياً في البنوك والشركات , متحالفة في الحفاظ على النظام العالمي الحالي الذي تُسيطر عليه المصالح الرأسمالية الكبرى وفي الحفاظ على السيطرة الرجولية التي تُمارس إزاء النساء, متحالفة في الحفاظ على النظام الأبوي الطبقي الذي يسود في عالمنا , فهى معركة مترابطة وسلسلة متصلة في نظام العولمة الذي تُسيطر عليه هذه المصالح الكبرى , والحكام الذين يحكمون باسمها ويُدافعون عن مصالحها . إن الأبوية ركن من أركان النظام العالمي القائم , ركن أساسي في المجتمعات المختلفة التي تُشكل هذا النظام .

في قاعدة العولمة الرأسمالية تُوجد الأسرة الأبوية تلك الوحدة الصغيرة التي تُشبه الخلية الحية في الجسم الإنساني . وحيث أن النظام العالمي بناء كلي قائم على هذه الأجزاء المترابطة فإن مقاومة النساء للسيطرة الرجولية ضد تركيبة الأسرة الأبوية هى في الوقت نفسه مقاومة مُوجهة ضد هذا النظام السائد , هى جزء جوهري من الصراع الشامل الذي يُشارك فيه النساء والرجال لتغييره تغييراً ديموقراطياً على كافة المستويات من الأسرة في القاعدة إلى السلطة في القمة, وفي جميع المجالات الإقتصادية , والإجتماعية والسياسية , والثقافية .

الأسرة الأبوية وحدة قاهرة تفرض الخضوع والطاعة . لذلك هى مُعادية للإبداع . وتمرد النساء على هذه السيطرة الأبوية هو إبداع , هو مساهمة أساسية في تغيير المجتمع والنظام العالمي الذي يقهرنا . إن النساء بحكم أوضاعهن في الأسرة والمجتمع هن القادرات على الربط الإبداعي بين الإقتصادي والإجتماعي والسياسي , والثقافي , بين الجنس والدين , بين الخاص والعام , بين المحلي والإقليمي والعالمي .
النساء بحكم وضعهن في الأسرة تُدركن أن الأسرة الأبوية يلتقي فيها القهر الإقتصادي والسياسي والثقافي والجنسي الذي تُدعمها الشرائع الدينية ,إنهن يُدركن ان كل هذه العناصر تتعاون في الأسرة الأبوية لتصنع قاعدة المجتمع الحالي . لذلك فإن النساء تُشكلن الهدف الأساسي لهجمات الأصولية المصممة على الحفاظ على تركيبة الأسرة الأبوية ضد التحديث الحضاري وضد الدور المستقل المتزايد الذي تلعبنه في المجتمع والأسرة , وضد مقاومتهن للتفرقة الجنسية . فالرجال الذين يلجأون للحركات الأصولية في عصرنا ينحازون إليها بسبب إحساسهم بالمخاطر التي تُهدد حياتهم في ظل العولمة , يشعرون بقلق عميق , بعدم الأمان إزاء مصاعب الحياة , إزاء التطورات الإجتماعية , وتقدم المرأة وقيامها بمسئوليات عديدة وبأدوار مستقلة في المجتمع . يشعرون بقلق وجودي لفقدانهم مظاهر السلطة التي كانوا يتمتعون بها على النساء وعلى الأسرة , يشعرون بقلق وجودي إزاء الدور الإقتصادي الذي أصبحت تلعبه المرأة على نحو متزايد . يشعرون بأنه في عالم تسوده الحروب والفوضى وإنعدام الإستقرار, لديهم حاجة مُلحة لإثبات وجودهم داخل إطار أسرة أبوية خاضعة هادئة لا تُهدد وضعهم المتميز .

لكن في نفس الوقت يُوجد الكثيرات من النساء اللائي تخضعن للعلاقات الأبوية وللأسرة الأبوية وتستسلمن للقهر الجنسي في ظل الأوضاع المجتمعية المتردية والمخيفة فتقررن الإنضمام للحركات الأصولية . فعقل المرأة الخاضعة هو مركز القوى الأساسي للتسلط الرجولي . مع ذلك فإن النساء هن اللائي سيتقدمن الصفوف من أجل الديمقراطية والعدالة الإجتماعية , وتغيير نمط الأسرة الأبوية ضد القوى الرأسمالية المتعددة الجنسيات وضد القوى الأصولية التي تسعى إلى الحفاظ على الأوضاع دون تغيير حقيقي عن طريق إلقاء العالم في حروب ومنازعات لا تنتهي . وفي صلب هذا الصراع تُوجد محاولات النساء لإسقاط الأسرة الأبوية وبناء أسرة جديدة قائمة على المساواة بينهن وبين الرجال , على علاقات إنسانية جديدة.

* قدّم المفكر اليساري المصري د. حتاتة هذه الورقة في المؤتمر الدولي السابع لتضامن المرأة العربية الذي عقد في القاهرة أواخر أبار الفائت