المرأة العاملة وقسوة الحياة



طاهر مسلم البكاء
2015 / 5 / 16

المرآة هبة الله للرجل ،وهي أجمل هدية خص بها الله الرجل ، انها المخلوق الذي حباه الله بصفات القوة في لطف ورقّة لاتعيق قدرتها على مواجهتها للحياة وخوضها غمارها ،ومن عجائبها انها تجيد مهنتها التي جبلتها عليها الطبيعة سواء أكانت أمية أم متعلمة ،فالحمل والولادة وتربية النشئ هي مهامها الرئيسية في الحياة .
قسوة الحياة :
تواجه المرأة قسوة الحياة بما حباها الله من مواهب الصبر والتحمل ومجاهدة الصعاب ، وقد أدت الحروب التي يشعلها الرجال على الأعم الأغلب الى مقتل أعداد كبيرة منهم وتركهم المسؤولية على عاتق المرأة سواء مسؤولية الأسرة أو مسؤولية المجتمع ،وخير شاهد قريب هو الحربين العالميتين واللتين قتل فيهما الملايين جلهم من الرجال ،وقد اصبحت البلاد الأوروبية في حالة دمار كبير وتفتقر الى ابسط مقومات البنى التحتية ، وافتقرت الى الرجال الذين ماتوا في الحرب أو أصبحوا معاقين لا يستطيعون العمل ، فلم تجد النساء مفرا من الأعتماد على أنفسهن لإعادة بناء المدن وإعادة تسيير الحياة . واستطعن بذلك إعادة بناء المدن في ظروف صعبة وفي أجواء كانت شديدة البرودة أحيانا . والآن تجد معظم البلاد الأوروبية تعيش في رخاء بفضل ما قدمته المرأة آنذاك في غياب الكثير من الرجال ، فقد أعادت المرأة البناء بسواعدها الرقيقة، رغم عدم توفر الأدوات والمعدات الميكانيكية والتكنلوجيا الحديثة التي تساعدها على ذلك .
ومما لاشك فيه ان تلك الظروف هيأت المرأة لما تبع ذلك من فترات لاحقة وأعطتها الثقة بالنفس فتبوأت المرأة الأوروبية مكانتها بالمساواة مع الرجال ، فأصبحت تشارك في جميع الوظائف وولجت عالم السياسة وبدأت تشارك بالتشريع بعد ان احتلت مكانها في البرلمانات .
المرأة تجيد مختلف الأعمال :
تسمح شدة وطأة الحياة لأنطلاق المرأة من القيود التي يفرضها الرجل ،فنجدها في مختلف دول العالم ، تجيد الأعمال التي تكلف بها كما شاهدناها وهي تسافر مخترقة حدود بلادها الى بلاد أخرى لأجل العمل ويتضح ذلك اليوم في آلاف النسوة التي تهاجر من بلدان شرق اسيا بحثا ً عن العمل رغم صعوبة المهمة ، حيث انها تغادر دون ان تكون رحلتها معدة ومهيأة سلفا ً ولكنها تسلك الطريق بشجاعة تثير الأعجاب وتكون النتائج موفقة لغالبية العاملات .
وفي قرى وأرياف العراق تقوم المرأة بأغلب الأعمال خارج المنزل كأعمال الزراعة وتربية ورعاية الحيوانات والصيد والحياكة والغزل وغيرها مما يوفر للرجل حرية الحركة وامكانية العمل الوظيفي دون اهمال الحقل والزراعة ، كما ادت الحروب الطويلة التي خاضها العراق منذ الخمسينات وحتى اليوم الى بروز المرأة وممارستها المسؤولية الأسرية الكاملة في وقت يكون الرجل في جبهات القتال .
الحاجز النفسي :
بدى ان الحاجز النفسي ،الذي كان يحد من حركة المرأة وممارستها العمل خارج المنزل ، يتهاوى شيئا ً فشيئا ً ، وكأن الظروف الحياتية القاسية هي التي أجبرت الرجل على القبول بتخفيف قبضته على المرأة والسماح لها بحرية العمل وممارسة مسؤوليات خارج نطاق الأسرة ،وقد بدى يتراءى للرجل انه سيكون ثانويا ً بالنسبة للمرأة ،فلقد اجادت أغلب الأعمال التي كان يتباهى بأنه لوحده القادر على انجازها ،ونجحت بمنافسته وبتميز، ولكنه لايمكن ابدا ً ان ينافسها بما أختصتها الطبيعة به من مميزات وقدرات بنيوية اهلتها للحمل والولادة وتربية النشئ وبالتالي بدأت تتفوق عليه بالمجموع العام ،بما لاتشفع له قوة عضلاته التي كان يستخدمها للأمساك بخناقها وحجرها في حدود المنزل .
واليوم تعد الحركة الأنثوية من أقوى الحركات الفكرية التي ترعرعت في ظل العولمة كحركة فكرية تمارس العمل السياسي عبر مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات الأمم المتحدة ، والتي تسعى للتغيير الاجتماعي والثقافي وتغيير نمط العلاقات بين الجِنسَين ، وصولا ً الى اعطاء بعض حقوق المرأة المهضومة ، غير ان الحرية الغير محدودة دائما ً تحمل في بذورها الغث والسمين ،فكما انها حملت صوت المرأة عاليا ً وأبرزت مظلوميتها فأنها اساءت اليها بما أولدت من جهات ومنظمات متطرفة بمطالبها ، أتسمت أفكارُها بالتطرُّف والشذوذ ، وتبنّت صراع الجنسين وكأنهما أعداء بعضهما للبعض الآخر، وهدفت إلى تقديم قراءات جديدة عن الدين واللغة والتاريخ والثقافة وعلاقات الجِنسَين ، مما أربك العلاقة الأسرية التي تجعل الرجل والمرأة مكملان لبعضهما .