الحق في الإجهاض دون شروط



محمد مسافير
2015 / 5 / 21

إن نقاش أي مسألة في بلداننا يتم ربطها بمسألة الدين، هل هو حلال أم حرام؟ ما رأي الشرع في هذا؟ فنغدوا أمما تعيش على أفكار الموتى، ويا ليتهم كانوا حديثي العهد، موتى عصور الجاهلية، وبذلك يعطلون أدمغتهم، ويبقوا رهيني النص، يقيدون فكرهم وتطور المجتمع بمحاولة الثبات وعدم الخروج عن نص الأسالف، فيضعون خطوطا حمراء تؤطر مجمل تفاصيل الحياة، إلا أن تجاوزها وحدها هو المدخل الوحيد إلى الحضارة.
عند نقاش قضية الإجهاض، يطل إلينا أحد المشايخ، من غرفة قصره المهواة، وفي حضن زوجته الرابعة وأبنائها الخمس، ليفتي بما جادت به قريحته من فقه، ثم يصرخ ووجهه مكفهر واللعاب يتناثر من فمه هنا وهناك، الإجهاض حرام شرعا، وإن الساعية خلفه كافرة بالقدر، وما أدراها، لعل الله يغنيها من حيث لا تحتسب.
"لعل"... يا سيدي، الفقراء لا يلعبون النرد، ثم ما شأن القدر بهذا، إن القدر مخرج وهمي يستغله البعض لحل جميع المشكلات، الأسرة التي تقضي ليلها تقلبا في الفراش جراء الجوع مجرد قدر، حوادث السير الناتجة عن الهشاشة الطرقية مجرد قدر، موت المرضى نتيجة الإهمال في المستشفيات مجرد قدر... كفاكم استبلادا يا سادة القرار، فقد أقرفتمونا.
لن أناقش مسألة حق المرأة المعوزة أو المغتصبة في الإجهاض، أبدا، من حق كل النساء تقرير مصير أجنتهم...
الجنين ليس بإنسان، هو مجرد جنين، هو مشروع إنسان بدأت تظهر عليه الملامح الشكلية للإنسان، بدأ يتخذ مظهره، لكنه البتة ليس بإنسان. بعيدا عن المنطق الأخلاقي اللاعقلاني: إن قيمته تدنو أسفل قيمة الحيوان...
الإنسانية قيمة يكتسبها البشر دون أن يرثها، وإن قيض للمولود أن يتربى في كنف مجتمع الحيوان، لأصبح منهم، لأصبح قاصر العقل عاجزا عن النطق، وهناك تجربة شهيرة لأنثى، ذهبت بنتائجها إلى حد أن عمر الأنثى المتوحشة لم يتجاوز حدود عمر من عاشرتهم من حيوانات، بل إلى حد أن من اكتشفوها فشلوا في كل محاولات تعليمها وأنسنتها.
إذن، فإذا أردنا أن نتحدث عن حق الجنين في الحياة، فالأجدر بنا أن نعطيها للحيوان الذي أخذ فيها وألفها وخلف أبناء...، أما نقاش مسألة الحق في الحياة لمصلحة "شيء" لم يخرج بعد إلى الحياة، فهذا هراء...
أما الإنسانية فمفهومها أعمق من كل هذا، الإنسان هو الذاكرة أولا، هو الفكر والإحساس الواعي والاستقلالية، الإنسانية هي إدراك وجود الذات، إدراك حتمية الموت، وهي في أغلبها قيم تكتسب في ما بعد سن الثانية، أما قبلها، فلا يتجاوز وجود المولود كونه مشروع إنسان.
وقياسا على ما سبق، فإن حق المرأة في الإجهاض لا مشروط، بل حق ضروري وملح، شأنه في ذلك شأن استئصال الكلية لفسادها، أو حبة تنقص من جمال المرء، أي أن الجنين هو جزء من الحامل وغير مستقل عنه، هو جزء مشدود الحركة إلا فيما حده به الرحم، هو قطعة لحم تنبض داخلها، ومن حقها أن تقرر حياته أو مماته، حسب قدرتها على تحمل المسؤولية.