الجنس والسلطة بين الكبث والاخضاع والتحرر



محسين الشهباني
2015 / 5 / 23

الجنس والسلطة بين الكبث والاخضاع والتحرر

منذ اندلاع انتفاضات ما يسمى بالربيع العربي مؤخرا وما عرفته من خلخلة للانظمة الحاكمة من جهة ونزع الخوف من المواطن العادي الذي جثم عليه منذ قرون عدة من التسلط والقمع وكانت من تداعيات هذه الانتفاضات ظهور حركات نسائية تبلور وعيها بالمطالبة بالمساواة مع الرجل والانخراط في قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية واتخذت مجموعة من الاساليب وانماطا مختلفة للتعبير عن الاحتجاج وكان اللافت للنظر ظهور نساء عاريات كليا او نصف عاريات بموازاة انشطة اخرى من قبيل العناق وقبلة بالشارع العام و”صوتي ثورة وليس عورة”، “جسدي ملكي وليس مصدر شرف لأحد”، “بكرتي ليست شرف “…الخ وكانت كل تلك الاساليب الاحتجاجية تعبيرا عن السخط العارم من المؤسسة الدينية والنظام المجتمعي. نظرا للعلاقة الوطيدة بين الجنس والجسد والسلطة وكلها اسئلة موجهة للمجتمع الابيسي البطريكي . وتعتبر الجراة في الكشف عن الجسد الذي ظل سجينا لعدة عقود طفرة ايجابية لاحراج النظام المجتمعي الذي قنن الجنس وجعل المراة المستقبل للجنس آلة جنسية بامتياز وحاضنة اطفال وجنسيا المفعول فيه فقط لا يراعي رغبتها واحاسيسها وساهم في كبثها وحرمها من رغبتها في الافصاح عن كينونتها ورغبتها باعتبارها انسانة لها حقوق وواجبات مثل الرجل كما لها حرية اختيار شريك جنسي ضمن مؤسسة الزواج او خارجه والتمتع بجسدها بالطريقة التي ترتاح فيها . يمكن من وجهة نظر اخرى ان نستنتج ان هذا السلوك ناتج عن الغضب والاحباط في عدم الاشباع الجنسي المقيد بالعادات والتقاليد والدين وترسانة من القوانين التشريعة التي تحول دون ذلك في حين قامت في اوروبا حركات ”التحرير الجنسيّ” في الستينات والسبعينات وبالتالي تجاوزوا مرحلة الجسد الى مرحلة العقل ونحن في البداية اذ بدات مجموعة من القيم المتعارف عليها كمفهوم الشرف المرتبط بالبكارة تناقش باعتباره مفهوما فضفاضا لانه لا يعكس بالضرورة عدم ممارسة الجنس بعد ظهور اشكال ووضعيات جديدة كفيلة بالاشباع الجنسي دون المساس بالبكرة وبالتالي هذا النقاش جعل ترتيب الاوراق في ربط البكرة بالممارسة وبالتالي بالشرف .واعادة تمثلات رؤية الجسد العاري الذي ليس بالضرورة هو نداء للجنس بل تعبيرا حضاريا عن التحرر والانعتاق من القيود وهو ما سيساهم في التخفيف من العقد النفسية لدى المراة التي تجد نفسها محاصرة من كل الجوانب لا لشيء الا لكونها انثى يقتصر النظر اليها كجسد ملقى في السرير ليس الا في حين هو حق طبيعي مشترك بين الجنسين وليس حكرا على نوع دون سواه من اجل الاكتفاء والاشباع لتحقيق التوازن النفسي والعاطفي يؤهله الى الانتقال الى ما هو اساسي في الحياة . الجنس هو تعبير عن حب لايختلف عن باقي التعبيرات كالتعبير عن الفرح والغضب والبكاء انه احساس مقرون برغبة وجدانية عاطفية كما كتب فوكو”مجتمع معترف بشكل مخصوص” : ففي المدرسة كما في المحكمة، ومع طبيبنا كما مع أصدقائنا، ومع من نعشق أو مع أنفسنا، فإنّنا نحسّه واجبا أن نعترف بأفكارنا ورغباتنا. فالاعتراف أسلوبنا في تأكيد حقيقتنا لدى الآخرين في علاقةِ سلطةٍ ـ تلك التي لا تقف حدودها عند القدرة على القمع ـ ولكن عند ذاك الفرضِ ـ القديم لكننا لم نفتأ نرضخ إليه ـ والمتمثل في أن نقول للآخرين الحقيقة عن أنفسنا. فلماذا اذن هناك تواطؤ بين المجتمع والسلطة والدين لتلجيم هذه الغريزة ؟ السبب الرئيسي من قمع هذه الغريزة الطبيعة التي لا تختلف عن الاكل والشرب الا من اجل احداث تجويع وكبث يتم استغلاله للسيطرة على الفرد حتى لا ينصرف الى التفكير باشياء اخرى كفيلة بتطوير حياته العادية وجعله يتخبط دائما في ذاته ويفكر في ذاته ومن اجل ذاته وتجويعه جنسيا لا يختلف عن تجويع معدته (جوع كلبك يتبعك) من الامثلة القديمة نجد ان لها عمقا كبيرا في ان التجويع يضمن السيطرة والتحكم في الاخر ان تحرّر الجسد وطرح الاسئلة المحرجة كما سلف الاشارة اليه سابقا تجعلنا نبحث فيها أسئلة عن القيمة وحقيقة الجنس و الحميمية التي نخجل في سردها وتعتبر اشدّ سرّية عن أجسادنا وعن كياننا، والتي تعبر عن حقيقة شخصيتنا، وبالتالي حقيقة علاقاتنا الاجتماعية التي يمكن ان تنتقل من حالة النفور وعدم قبول الاخر الى التماهي معه واعطاء مفهوم الانسانسة بعدا اخر اكثر ايجابية وسنتجاوز تمثلات الاخر باعتباره هو من يمنحنا الصورة عن انفسنا وفق ما هو سائد ونمطي لاكتشاف انفسنا و التعرف على أعمق أسرار ذواتنا، . ميشال فوكو، تاريخ الجنسانية : إرادة المعرفة، منشورات غاليمارد ـ 1976 “الاعتراف يُحرّر، والسلطة تكمّمُ، فالحقيقةُ لا تنتمي إلى نسق السلطة لكنّها ذات قرابة أصيلة مع الحرّية، فمِثْلُ عديدِ المحاورِ التقليديّةِ في الفلسفة على “التاريخ السياسيّ للحقيقة” أن يتغيّر بإظهار أنّ الحقيقة ليست حرّة بطبيعتها، وأنّ الخطأ مفيد ولكنّ إنتاجه مخترَق تماما بعلاقات السلطة، وما الاعتراف إلا دليل على ذلك. لا بدّ أن نسقط في فخّ الدهاء الباطنيّ للاعتراف حتّى نُسندَ للرقابة ومنع التعبير والتفكير دورا مركزيّا؛ لا بدّ أن نتصوّر تقديما مقلوبا للسلطة حتى نصدّق أنّها تُحدّثنا عن الحرّية كلُّ هذه الأصوات التي، منذ زمن، في حضارتنا، لم تفتأ تلوكُ الفريضة الرائعة بأنّ علينا أن نصرّح بما نحن عليه، وبما فعلناه، ما نذكره وما نسيناه، ما نُخفيه وما يَختفي، ما لا نفكّر فيه وما نُفكّر في ألاّ نُفكّر فيه.إنّه عمل جبّار طوى الغربُ أجيالا كي يُنتجَ ـ فيما كانت أشكال أخرى من العمل تضمن تراكم الرأسمال ـ تحويلَ البشرِ إلى رعايا، أريد أن أقول تشكيلهم كـ”مواضيع” بالمعنَيَيْن معا للكلمة” مادام الانسان اجتماعي بطبعه فانه لن يعيش بمعزل عن العلاقات الإجتماعية المعقدة التي تنشأ بين فئات مختلفة وبين الطبقات والأفراد داخل المجتمع كما تتبلور فيها الدولة -السلطة . ويتعلم الإنسان من خلال التنشئة الاجتماعية حقوقه وواجباته ووضعه الطبقي ودوره في المجتمع عبر تكون بما يسمى الضمير والوعي والثقافة وتبدا بوادر تكريس الفرق البيولوجي بين المرأة والرّجل تاخد طريقها داخل الاسرة باعتبارها النواة الاولية للمجتمع في اطار التاثير والتاثر وانتاج العامل الثقافي-النّفسي لانتاج منظومة اجتماعية ترتكز على الأدوار. وتظهر سلطة الاب على الاسرة وسلطة الرجل على المراة رغم ان السلطة غير محسوسة ورمزية فالسلطة هي فرض الإرادة على (الاخر-الغير) للوصول الى حالة ما يريد صاحب السلطة الوصول اليها . وممارسة السلطة جزء من الحياة اليومية يقوم بها الفرد والمجموعة داخل مجموعة من المؤسسات المؤسّسة وهي مكون من مكونات البناء النفسي -الثّقافي فالأب يمارس السلطته داخل الأسرة والباطرونة داخل مصنعه … فهي قوة معنوية يتمتع بها طرف ما في موقع قوة لممارسة علاقة سلطوية على من هم ادنى منه او تحت وصايته والافراط فيها يولد العنف والعنف المضاد. فالسلطة ليست سياسية فقط كما هو متعارف عليه بل تتجاوز الى سلطة العائلية ودينية وتربوية والعلاقة السلطوية هي دوما علاقة غير متكافئة. يقول ماكس فيبر ״-;-السّلطة قدرة شخص أو أشخاص على فرض إرادتهم ورغبتهم في نطاق بنية إجتماعيّة بالرّغم من مقاومة الآخرين المُشتركين في هذه البنية״-;-. أنظر ماكس فيبر، ص 36 إلى 54 من هنا يبرز السبب الحقيقي في محاولة تكسير طابو الجنس لانه مقرون بالسلطة ولا يمكن تجاهله باي حال من الاحوال .ومادام مساعنا دك وتفكيك بنيات السلطة الجاثمة على صدورنا فان تفثيت بنياته لا تكتمل دون تفكيك باقي البنيات المرتبطة به في علاقتها الجدلية .