عوائق العمل خارج المنزل للمرأة



نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
2015 / 5 / 23

تتعرض المرأة إلى عدد من العوائق التي تحد من قدرتها على العمل خارج المنزل بكفاءة عالية؛ أي أن المرأة تواجه تمييزا في الاستخدام الذي يعني معاملة الأشخاص بطريقة مختلفة بسبب الخصائص التي ليس لها صلة بميزاتهم أو متطلبات الوظيفة. وفي إطار العمل، قد يحد التمييز من نفاذ الأفراد إلى نوع العمل الذي يتوخونه وهو يعرقل فرص النساء والرجال في تطوير طاقاتهم ومهاراتهم ومواهبهم وفي أن يكافئوا على قدراتهم. ومن ثم يترتب عليه آثار مضرة بالإنتاجية والنمو الاقتصادي ويؤدي أيضا إلى التفاوت الاجتماعي والاقتصادي الذي يقوض التضامن والتماسك الاجتماعي كما يوقف عجلة الحد من الفقر.
ويمكن للتمييز في العمل أن يكون مباشرا أو غير مباشر. يكون التمييز مباشرا حين تستثني الأنظمة والقوانين والسياسات العمال أو تجحف بحقهم على أساس ميزات كالوضع العائلي أو الجنس. وقد ينشأ التمييز غير المباشر حين يكون للأنظمة والممارسات التي تبدو حيادية تأثير سلبي في مجموعة ما. ومن المهم إدراك مفهوم التمييز غير المباشر إذ أن تطبيق الشرط نفسه أو المعاملة أو المتطلبات على الجميع قد يؤدي، في الممارسة إلى نتائج غير متساوية. وفي حين انحسرت قضايا التمييز المباشر وبحكم القانون مع مرور الوقت، إلا أن التمييز غير المباشر وبحكم الواقع لا يزال مستمرا لا بل يتخذ أشكالا جديدة، وأما وتيرة تغيره فبطيئة نظرا لكونها تعكس القيم الاجتماعية السائدة التي لا تتغير سريعا.
إن المعاملة المختلفة والمكافآت على أساس مختلف مستويات الإنتاجية تُعد غير تمييزية. ويُعد بعض العمال والمهنيين أكثر إنتاجية من غيرهم مما يعكس مهارات ومؤهلات وقدرات مختلفة ويؤدي إلى عائدات غير متماثلة في العمل وهذا أمر عادل وفعال. كما تعد المعاملة المختلفة على أساس القدرات الفردية أي على أساس الجدارة الفردية غير تمييزية في الاستخدام والوظيفة. فضلا عن ذلك، فإن المعاملة المختلفة لتلبية الاحتياجات الخاصة لبعض الأفراد والتأكد من أن لديهم فرصاً متساوية تعد غير تمييزية وهذا غالبا ما يعرف بالعمل الايجابي.
يتراكم انعدام المساواة على مر الزمن وعبر الأجيال وغالبا ما تتعرض الرضيعات والفتيات والشابات والراشدات للتمييز على أساس الجنس، مما يفضي إلى عبء تمييز متراكم طوال حياتهن وحتى أواخر أيام حياتهن. إذ يتضاعف التمييز مرتين أو ثلاث كلما كبرت المرأة في السن. وهناك حاجة إلى ضمان تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة في العمل، لا عندما يدخل الشخص سوق العمل فحسب بل منذ حداثة سنه في مجالات الصحة والتغذية ومن خلال التعليم والتدريب( ). ويمكن تصنيف مختلف العوائق التي تواجهها المرأة في الحياة الاقتصادية بما يلي :-

1- العوائق الاقتصادية:-
على الرغم من تزايد أعداد النساء المشاركات في القوى العاملة في العالم، إلا إنهن يتم استخدامهن مقارنة مع الرجال في وظائف منخفضة الإنتاجية ومتدنية الأجر وهشة، من دون حماية اجتماعية أو حقوق أساسية أو حرية التعبير في العمل. إذ يفيد تقرير اتجاهات الاستخدام العالمية للمرأة 2008 أن عدد النساء العاملات قد تزايد بنحو 200 مليون خلال المدة 1997-2007 ليصل إلى 1,2 مليار في العام 2007 مقارنة مع 1,8مليار رجل ولكن في المقابل سجل عدد النساء غير العاملات ارتفاعا من 70,2 إلى 81,6 مليون خلال المدة نفسها. وفي حين أن نسبة الرجال تفوق نسبة النساء في العمالة غير الزراعية المدفوعة الأجر في جميع مناطق العالم ، فقد بلغت 60% من قوة العمل العالمية لعام 2010، ترتفع نسبة النساء عن نسبة الرجال في العمالة غير المضمونة، والمعرفة بالنسبة المئوية للعمال الذين يعملون لحسابهم الخاص مع مساهمة أفراد عائلاتهم غير مدفوعين الأجر إلى إجمالي العمالة، إذ تعمل 52,7% من النساء مقابل 49,1% من الرجال في العمالة غير المضمونة العالمية عام 2007.
كذلك ترتفع نسبة استخدام النساء في الصناعات التصديرية، التي تتصف بمرونة التوظيف وارتفاع احتمالية الاستغناء عن اليد العاملة. وتفرض هذه الصفات واقعا يعزز اتجاه المؤسسة نحو عدم الاهتمام بتدريب قوة عمل مؤقتة عابرة، وعدم الاستثمار(غير المجدي بالنسبة لأرباب العمل) في الارتقاء بمهارات العمال وكفاءاتهم. وهكذا يصبح النظر للعاملة والعامل في مؤسسات التصدير مختزلا في كونهما كلفة أكثر من كونهما أصولا أو قوة إنتاج، فتكون رحلتهم في تلك المؤسسات بذلك قصيرة وغير مستقرة وتندر فيها فرص الترقي في السلم الوظيفي، أو اكتساب مهارات قد تمكنهم من الانتقال إلى وظائف أكثر أمنا وهو ما دفع بعضهم إلى تسمية وظائف قطاع التصدير بوظائف ((الطريق المسدود)).
كما يلاحظ مع تدني أجور مهنة ما، تتجه نسبة النساء العاملات فيها إلى الزيادة. فعلى سبيل المثال في بلدان وسط أفريقيا مثل تشاد ومالي والنيجر تكون الدخول الاستهلالية للمدرسين الابتدائيين أكثر من ثلاثة أضعاف المعدل الوطني لمتوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، في حين تبلغ نسبة النساء تقريبا 13% و27% و43% على التوالي من مجموع المدرسين الابتدائيين وبالمقابل تشكل النساء معظم المدرسين الابتدائيين أكثر من 90%، في عدة بلدان في أوروبا الوسطى والشرقية وفي آسيا الوسطى، إلا إنهن يحصلن على أقل بقليل من متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي عام 2007 .
وبهذا فإن ما تتسم به ظروف عمل النساء في القطاعات المختلفة – ولاسيما بقطاعات التصدير- من ظروف عمل قاسية وخطرة لا يراعى فيها احترام الحد الأدنى لما تنص عليه القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية من شروط العمل وحقوق العمال هذا من جانب، ومن جانب آخر حالات الهشاشة في أوضاع العمل ومرونة التوظيف ومن ثم الخوف من الطرد وفقدان مصدر الرزق لا ينتجون غير عاملة قليلة الحيلة ومنعدمة الرغبة والقدرة على التفاوض من أجل ظروف عمل أفضل، أو عدد ساعات أقل أو وظائف أكثر أمنا.

2- العوائق الاجتماعية:-
تمثلت المشاغل الرئيسة في تمكين المرأة الاقتصادي من الجمع بين دورها الإنجابي ودورها الإنتاجي بنجاح وتلافي المعاملة غير المتساوية في الحصول على الوظائف والحفاظ عليها بسبب دورها الإنجابي. فلا زالت المرأة في جميع أنحاء العالم تتولى المسؤولية الأساسية لتدبير المنزل. وعلى الرغم من تنامي حصة الرجل من التدبير المنزلي بصورة تدريجية، خصوصا في الدول المتطورة إلا أنها لا تزال تشكل حصة صغيرة من مجموع الوقت الذي ينفق في تدبير المنزل. فحتى عندما تضطلع المرأة والفتاة بمسؤوليات اقتصادية داخل المنزل وخارجه، إلا أنها عادة ما تتولى الجزء الأكبر من مهمات تدبير المنزل نظرا لدورها التقليدي في المجتمع.
فاختلاف المساحة الزمنية التي يخصصها كل من الرجال والنساء لرعاية الأسرة وغيرها من الأعمال المنزلية ذات الصلة يمثل أحد العوامل التي تؤدي إلى التمييز وما ينتج عنه من فجوات في العائد المادي. إذ لا يصب التضارب بين هذه المسؤوليات العائلية وطلبات العمل في صالح المرأة في سوق العمل، فقد تجبر أو تخير على الموافقة على عمل قليل الأجر غير مضمون أو العمل بدوام جزئي أو غير نظامي لكي تستمر في التوفيق بين مسؤولياتها العائلية وعملها المأجور. ففي النرويج مثلا تعمل 43% من النساء بدوام جزئي مقابل 13% من الرجال لعام 2006 وأظهرت هذه الدراسة أيضا أن النساء اللواتي لديهن أكثر من طفل واحد دون سن السادسة عشرة يعملن في الغالب بدوام جزئي.
كذلك يمكن لأوقات العمل التي لا تراعي مسؤوليات العامل العائلية أن تشكل تمييزا غير مباشر، لكونها تجبر مثل هؤلاء العمال على أداء سيء من حيث المساهمة في نشاطات العمل، مما قد يضر تقدمهم المهني. كما قد يتأثر التقدم المهني للمرأة إذا ما انقطعت عن العمل لمدة تتعدى إجازة الأمومة القانونية لدواعي رعاية العائلة. مما يترتب على ذلك منافسة المرأة للرجل على أساس غير متساوٍ داخل العمل. فضلا عن ذلك بالنسبة للكثير من أرباب العمل في القطاع الخاص، ينظر للعبء المزدوج الملقى على كاهل المرأة المتمثل في كسب العيش ورعاية الأسرة أما على أنه مكلف للغاية أو عائق للإنتاجية.
لو أنجز العمل المنزلي في ظل ظروف عمل عادلة، فإنه سينطوي على إمكانات هائلة للحد من الفقر وتمكين النساء. إذ أن قرابة 829 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر في العالم كانوا من الإناث في عام 2005 – عاشوا بأقل من 1,25 دولار في اليوم - يمثلن حوالي 59% من مجموع الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر، أما عدد الرجال الذين كانوا في الوضع ذاته فقد بلغ 522 مليون شخص.
ربما كان أصعب جوانب التباينات بين الجنسين هو أسلوب توارث أنماط هذه التباينات على مر الزمن. ويضرب جزء من هذه الاستمرارية بجذوره في بطء تغير الأعراف الاجتماعية وكيفية تأثيرها في ما يحدث على مستوى الأسرة، فالنساء والرجال يأخذون الأعراف والتوقعات الاجتماعية بطريقة لا تؤثر في تطلعاتهم وسلوكياتهم و أفضلياتهم فحسب، بل في تطلعات وسلوكيات و أفضليات أطفالهم أيضا. إذ أن النظرة للمرأة داخل الأسرة وفي أماكن العمل تنتقل من جيل إلى آخر، فإذا كانت المرأة لا تعمل خارج المنزل تقل أيضا احتمالات عمل بناتها خارج المنزل حين يكبرن، كما تقل احتمالات زواج أولادها من نساء يعملن خارج المنزل.
وكذلك يميل الذكور والإناث إلى الدراسة في مجالات شديدة الاختلاف. فإن مجال التعليم هو مجال الدراسة الأكثر شيوعا بالنسبة للنساء ومن المرجح أن تتخرج النساء في مجال التعليم في 62 بلدا من أصل 80 بلدا لديها بيانات لعام 2008. وتظهر هيمنة الخريجين الذكور في مجالات الهندسة والصناعات الإنتاجية والبناء في معظم البلدان (60 بلداً من أصل 80 بلداً). فعدد النساء العاملات في العلوم والهندسة منخفضة للغاية على الرغم من أن الفتيات يسجلن علامات أعلى في الرياضيات والعلوم والتكنولوجيا من الفتيان في المدرسة، إذ تشكل النساء 18,7% فقط من إجمالي القوى العاملة العالمية في مجالات العلوم والهندسة والتكنولوجيا لعام 2008.
وأفضل ما يفسر الخيارات الدراسية والمهنية المستقبلية هو أنها نتاج للتفاعل بين المتغيرات على المستوى الكلي(على المستوى الدولي والوطني) وعوامل المستوى المتوسط (المرتبطة بالمسؤوليات والميادين التعليمية) والقوى على المستوى الفردي (التأثيرات الفردية والأسرية) التي تؤثر في الخيارات الدراسية المناسبة للرجال والنساء ومن ثم العمل المرغوب الذي يجري السعي من أجله. وذلك بطريقة لا علاقة لها بالقدرات لكنها تكرر نفسها من جيل إلى آخر ولا تتلاشى مع ارتفاع الدخل.

3- العوائق القانونية:-
يمكن للقوانين واللوائح التنظيمية أن تشكل قيدا على قدرة المرأة على الاختيار وفرصها أكثر مما تشكل بالنسبة للرجل، كما يحدث عندما تكون هناك تفرقة بين الرجال والنساء في حقوق الملكية، أو عندما توضع قيود على ساعات وقطاعات عمل النساء دون الرجال. إذ تتضمن قوانين العمل أحكاما تنص على حماية النساء من الأعمال الخطرة والعمل الليلي. ونرى أن تلك الأحكام وإن أريد بها حماية المرأة إلا إنها تقلل من فرص عملها، بالمقابل تمنح الرجال عملا في مواقع وأوقات معينة تحظر على النساء، فمن ناحية هذا يعني زيادة مساهمة وخبرة الرجل في مختلف مجالات العمل داخل المجتمع، ومن ناحية أخرى فإن الحجة وراء حظر القانون تشغيل النساء في الأعمال الخطرة عليهن والليلية غير واقعية. فعلى سبيل المثال في الريف تتحمل المرأة المسؤولية الأكبر في بعض الأعمال مثل جمع الحطب وجلب المياه التي تعد السبب الرئيس لأضرار صحية تصيب العمود الفقري لدى النساء ولمضاعفات مدة الحمل ووفيات الأمهات. كذلك العمل في المزارع إذ تستخدم المبيدات الضارة بالصحة. وأن المرأة هي أكثر من يتعرض للهواء الملوث في الأماكن المغلقة وخاصة في الحضر، كتعرض ربات البيوت إلى الغازات الصادرة عن أفران الطبخ ومواد تنظيف المنزل بما تحتويه من مواد كيميائية ضارة. فضلا عن أمراض المفاصل نتيجة للوقوف أو الجلوس لمدة طويلة أو الأمراض التي تصيب العين والبشرة بسبب حرارة نار الطبخ وغيرها من الأمراض الناتجة عن أعمال المنزل. مما يعني أن المرأة قادرة على العمل في المهن الشاقة مقابل أجر وليس غير المأجورة فقط. ففي العراق انخرطت النساء في مراحل الاستقلال الأولى في المهن الشاقة كالعمل بالصحاري، وفي صناعة النفط والتنقيب عنه، وفي البحث عن الآثار.
وهناك بعض القوانين التي تقلل من أهمية عمل المرأة. فعلى سبيل المثال يوجد تمييز شديد ضد عمل المرأة خارج المنزل في المملكة العربية السعودية ففي اشتراطات توظيف النساء في المصانع لعام 2011 الصادرة عن وزارة العمل، نص القرار(10)على إنه "يحق لصاحب العمل توظيف العاملات بدوام جزئي، على أن تحسب العاملتان كعاملة واحدة في حساب توطين الوظائف. وتنص المادة (5) من قانون الضمان الاجتماعي السعودي على"أن المرأة التي تجاوزت الثامنة عشرة من عمرها وليس لها معيل تستحق معاشا بصرف النظر عما إذا كانت غير متزوجة أم مطلقة أم أرملة" وهذه القوانين تعامل المرأة كما لو كان عملها ثانوياً. إذ إن مثل هذه القوانين تعمل ضد مفهوم التمكين، أي يعني عدم الاعتراف بما تملكه المرأة من مهارات ومعارف والتقليل من مستوى ثقتها بنفسها وعدم تنمية قدرتها على الاعتماد على الذات، ومن ثم يصعب عليها منافسة الرجل في سوق العمل وتطورها في السلم الوظيفي.
كذلك تواجه النساء صاحبات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في بعض دول العالم رفضا لطلبات الحصول على القروض من البنوك بنسبة أعلى وعادة ما يطلب إليهن تأمين أقساط بمعدل 25-30% أعلى من القيمة المطلوبة من الرجال عام 2007. ومتى ما كان هناك تمييز بالفعل في أسواق العمل والائتمان، يمكن لهذه القوانين واللوائح التي تفتقر للمساواة أن تزيد من تفاقم حدة المشكلة وقد تتجسد أيضا هذه المعاملة المتفاوتة بطريقة غير مباشرة في شكل انحياز في الاستخدام. إذ يفضل الكثير من أصحاب العمل في القطاع الخاص استخدام الرجال على أساس أن الذكر هو من يكسب العيش ولتفادي دفع إعانات الأمومة وهذا يشكل ممارسات عمل تمييزية تتعارض مع القانون.
هناك العديد من البلدان التي لم تعتمد بعد أحكاما قانونية تحظر جميع الأشكال المعروفة للتمييز على أساس الجنس داخل العمل. وفي العديد منها لا تحظر التشريعات التحرش الجنسي، كما تفتقر هذه التشريعات إلى أحكام تضمن المساواة في الأجور بين النساء والرجال عن العمل ذي القيمة المتساوية وهو حق يتجلى في الاتفاقية رقم 100. وفي حين تم التصديق على هذه الاتفاقية على نطاق واسع، لاحظت لجنة الخبراء لمنظمة العمل الدولية عام 2006، أن غالبية البلدان التي صادقت على الاتفاقية رقم 100 لم تجسد كليا مبدأ، المساواة في الأجور للرجال والنساء عن العمل ذي القيمة المتساوية، في تشريعاتها الوطنية. وفي عدد من البلدان لا تزال التشريعات الوطنية تكتفي بالإحالة إلى الأجر المتساوي عن العمل المتساوي( ). إذ لا يفهم نطاق تطبيق العمل ذي القيمة المتساوية وآثاره فهما جيدا. وهذا المفهوم يتجاوز مبدأ الأجر المتساوي عن العمل المتساوي أو العمل ذاته أو العمل المشابه فهو يشمل أيضا العمل ذا الطبيعة المختلفة كليا ولكنه يتمتع بقيمة متساوية. وهذا المفهوم أساسي من اجل التصدي للفصل المهني، إذ يؤدي الرجال والنساء وظائف مختلفة في غالب الأحيان، في ظروف مختلفة وحتى في أماكن مختلفة. ومن المهم أيضا عند تحديد معدلات الأجور، التصدي للتقدير المنتقص لوظائف النساء مقارنة بوظائف الرجال الذي غالبا ما يكون نتيجة مواصفات الوظيفة المتحيزة جنسيا. وقد لا يزيد تقييم الوظائف بشكل موضوعي دخل المرأة فحسب، بل الدخل الوطني أيضا. إذ توقعت دراسة أجريت في أمريكا اللاتينية أن وضع حد لأوجه انعدام المساواة ضد المرأة في سوق العمل من شأنه أن يزيد أجور النساء بنسبة 50% في الوقت الذي يرتفع فيه الناتج الوطني بنسبة 5% .

4- العوائق السياسية:-
لا يمكن تحقيق التمكين الاقتصادي للمرأة في ظل أوجه انعدام المساواة الراسخة في المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية وفي العمليات الإنمائية. فعندما لا تتكافأ فرص الرجال والنساء في مواقع صنع القرار وفي التأثير في القوانين وصنع السياسات، تزداد احتمالات ميل المؤسسات والسياسات إلى محاباة مصالح من يملكون نفوذا أكبرا وتقل احتمالات معالجة وتصويب ما يغذي انعدام المساواة بين الجنسين من قيود مؤسسية وقصور الأسواق، مما يؤدي إلى استمرار هذه الأوضاع من جانب، ومن جانب آخر فإن تغيب المرأة عن صفوف ومراكز صنع القرار يقود إلى فشل الاستفادة من إمكانات نصف القوى العاملة. وكما أبرز تقرير أصدره البنك الدولي عن التنمية في العالم 2012: المساواة بين الجنسين والتنمية، فإن ذلك قد يؤدي إلى وجود فخ من اللامساواة يحول دون حصول أجيال من النساء على التعليم والاستفادة من الفرص الاقتصادية على قدم المساواة مع الرجال. أي أن السياسات المتبعة لها دور في تعزيز التمييز بين الجنسين وإعاقة وصول النساء إلى المراكز العليا وإن غيابهن عن المحافل التي تتخذ القرارات التي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في توزيع الموارد الاقتصادية والمالية، يشكل عائقا رئيساً للتمكين الاقتصادي للمرأة.
أن تمثيل النساء في مقاعد المجلس النيابي منخفض في جميع أنحاء العالم إذ يبلغ 17.7%، ولكن على الرغم من ذلك فهناك علاقة إيجابية قوية وذات دلالة إحصائية بين مشاركة النساء في مواقع صنع القرار ومشاركتها في القوى العاملة. فتكون نسبة النساء في المجلس النيابي هي الأعلى في شرق آسيا والمحيط الهادئ 20.2% مقابل مشاركة هي الأعلى أيضا في القوى العاملة للمرأة في العالم 65.2%، في حين تكون نسبة المقاعد التي تشغلها النساء من مجموع المقاعد في المجلس النيابي هي الأدنى في البلدان العربية 12% مع انخفاض مشاركة المرأة في القوى العاملة 22.8%. أن نسبة تمثيل المرأة في المجلس النيابي لأوربا وآسيا الوسطى منخفضة، إذ تبلغ فقط 13.4% على الرغم من مشاركتها المرتفعة نسبيا في القوى العاملة 49.6% ويعود السبب إلى دور المرأة الفاعل في تغيير السياسات المتبعة بما يخدم مصالحها في القوى العاملة. فعلى سبيل المثال يصل معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة في فرنسا إلى 51.1% عام 2011 نظرا لدعم الحكومة الفرنسية الأبوين العاملين عبر مجموعة متنوعة من الطرائق كالنوادي المخصصة للتلاميذ بعد الدوام في المدرسة والدعم المالي لتدريب جليسات الأطفال على الرغم من أن نسبة النساء في المجلس النيابي الفرنسي هي 20% فقط للعام نفسه. و من الغريب ملاحظة أن الفكرة السائدة في أوربا حول عدم جدارة المرأة في المجال السياسي، ربما تكون أحد العوامل المهمة التي أدت إلى انخفاض نسبة تمثيل النساء في السياسة. ولكن هذا لا ينطبق على بعض الدول الأوربية ففي السويد الأمر مختلف، إذ أن نسبة مقاعد المرأة في المجلس النيابي هي45% عام 2011. أما في منطقة جنوب الصحراء الأفريقية فيلاحظ ارتفاع نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة ويمكن إيعاز ذلك إلى التركيبة السكانية للمنطقة، إذ تبلغ نسبة الريفيين بين السكان 62.5% ونسبة 65% من النساء النشيطات اقتصاديا عاملات في الزراعة عام 2010. يعني ذلك أنه لا توجد هناك نسبة ثابتة توضح العلاقة بين نسبة تمثيل المرأة في مقاعد المجلس النيابي ومشاركتها في القوى العاملة يمكن الأخذ بها بمختلف أنحاء العالم، إذ يتفاوت تأثير مشاركة المرأة في المراكز العليا من منطقة إلى أخرى ولكن لا يمكن نكران أهميتها على التمكين الاقتصادي للمرأة.
5- العوائق الإحصائية :-
تهمل الحسابات القومية إنتاج عمل المرأة غير المأجور داخل المنزل، على الرغم من أن هذه الأعمال تشكل وسطيا أكثر من خمس ساعات عمل يوميا، بما في ذلك أيام العطل. وعندما لا تسجل مساهمة المرأة في حسابات الدخل القومي من ناحية قيمتها النقدية، فمن المرجح أيضا أن لا يعترف بدور المرأة الاقتصادي. وقد تصبح مشاركتها في عملية صنع القرار في المنزل وفي المجتمع محدودة أيضا. إذ غالبا ما لا تشمل الإحصاءات بشأن الثغرات في الأجور بين الجنسين أعدادا كبيرة من النساء في أنحاء العالم (قرابة 25% من إجمالي القوى العاملة) اللواتي لا يتلقين أجرا مباشرا عن عملهن في إطار الأسرة. ولو شملت الإحصاءات هؤلاء النساء والكثير غيرهن ممن يضطلعن بأشكال أخرى من العمل غير المنظم، لكان الحرمان النسبي للنساء في سوق العمل أكثر بروزا و لكان عدم قدرتهن على الاستفادة من تنظيم سوق العمل بما فيه الأحكام المتعلقة بمكافحة التمييز والمساواة في الأجور أكثر وضوحا. وتفيد التقديرات التي قدمت إلى دورة مؤتمر العمل الدولي لعام 2009، بأن قيمة عمل الرعاية من دون أجر(المسمى أيضا العمل الأسري غير مدفوع الأجر) يمكن أن تعادل نصف الناتج المحلي الإجمالي لبلد ما.