هدى ..ذبيحة ما ملكت إيمانكم



فخر الدين فياض
2005 / 10 / 5

هدى.. ذبيحة "ما ملكت إيمانكم"!!
لم يكن الأمر غريباً أن تقتل هدى برصاص أخيها ، بعد أن استدرجها إلى بيت العائلة ليذبحها "أضحيةً" تدرأ عنه "عارها"!!
لم يكن الأمر غريباً أن يشحذ والدها خنجره طويلاً في انتظار عودتها ليحزّ رقبتها ويرفع رأسها باعتزاز ويهتف: الله أكبر ..هذه أمة يعرب!!
لم يكن الأمر غريباً أن تزغرد الأم ويداها مضرجتان بدماء هدى ..زغرودة تتردد أصداؤها في عمق التاريخ لتنبش" مآثر" العرب !!
لم يكن الأمر غريباً أن يستقبل الأهل التبريكات والتهاني من "الأحباء والأقارب" وأصحاب "النخوة والغيرة" بعد أن غسلوا عتبات منازلهم بدماء هدى!!
لم يكن الأمر غريباً أن لا تدفن هدى في مقابر العائلة "الكريمة" حتى لا " يدنس" جسدها تراب عبس وذبيان !!
لم يكن الأمر غريباً أن لا يصليها ولو "شيخ" واحد خوفاً من أن " تلوّث" روحها "طهر" صلواته !!

* * *

ألسنا أحفاد "خير أمة أخرجت إلى الناس" ؟!
ألسنا "أبناء يعرب" .. لنا الصدر أو دون ذلك القبر؟!
ألسنا من سلالة "وأد البنات" ..ألم يتمنى والد هدى ألف مرةً لو وأدها وليدة .. حتى لا "تنكس عقاله " صبية ؟!
ألسنا أحفاد و"انكحو ما طاب لكم .... وما ملكت إيمانكم" ؟!
ألم تكن المرأة على مر العصور سبية "جارية أو آمة" نفعل بها ما نشاء : ننكحها متى أردنا ونبيعها حين يدفع لنا أكثر ونهديها لصعلوك أو سلطان ...ونذبحها متى رفّت عينها قليلاً؟!
ألسنا أحفاد "شاوروهن وخالفوهن" .. والمرأة شر لا بد منه ..و"المرأة والضد" صورتان للشيطان ؟!
ألم تكن المرأة على مر عصورنا العربية " وعاءً " ..آلة متعة وخدمة متى دبّت " الغلمة "
بين فخذي الفحل ؟!

* * *

ألسنا أحفاد ثقافة الإرهاب والترويع وتقطيع الأعضاء .. ثقافة الغزو والقتل والحقد والكراهية؟!
ألسنا أحفاد ثقافة ذم الآخرين بأمهاتهم وأخواتهم .. وعار "البنات إلى الممات" ؟!
ثقافة لم تعرف الحب إلا واقترن بالدم والذبح والجنون .. ثقافة لا تحوي قصة حب واحدة عاشت بشكلها الإنساني ..العادي ؟!
ثقافة ضربت حصاراً على المرأة منذ ولادتها ..حتى دفنها ، وعاقبتها كما لو كانت مسخاً ..كائناً تتسرب منه "النجاسة" أينما اتجه !!
لماذا أعدم "زيد بن حارثة" شاعرة هجت النبي ؟!
ولماذا ربط قدميها إلى فرسين جرياً بها ..كل قدم بفرس ..وشقّها ؟!
ألسنا " أمة الرسالة الخالدة "؟!
وهل نفهم رسالتنا إلى العالم ما هي؟!
ألا تختصر دماء هدى هذه الرسالة ؟!

* * *

هدى ليست ذبيحة أخيها .. ولا ذبيحة أهلها ، إنها ذبيحة الأمة التي تعيد إنتاج تأخرها بكل ما يعنيه من عشائر وقبائل وطوائف.. وحروب السيادة والزعامة المحصورة داخل "المضارب"!!
هدى ذبيحة أمة تسير وعيونها نحو "السلف" بكل العث الذي يسكن عباءته .. وأهازيج الدم التي ترافق سيوفه وبنادقه ..والأعراس التي يقيمها "الفاتحون" حين يبسط "المؤمن" أعضائه على عشر "حرائر" أصبحن سبايا في مخدعه!!
هدى ذبيحة أمة تغتصب نسائها منذ آلاف السنين باسم الشرع والدين والقانون ..أمة تهيء "بناتها" ليصبحن جوارٍ عند ذكر لا حق لهن باختياره ..وإن أحبّت البنت فمن العار تزويجها لمن أحبته !!
هدى ذبيحة الشريعة التي روّجت لإباحية الرجل .. والنساء الأربع ..وحرية الطلاق وتغيير "طعوم " الجنس متى كان قادراً..
وجعلت شرفه مقترناً بما يقطن تحت ثياب المحرمات ..
أمة جعلت من سروال الأنثى راية كرامة رجالها ..وشرفهم !!
هدى ذبيحة قانون "اللا شرف" الذي تنصه دساتيرنا العربية من المحيط إلى الخليج.. قانون يبيح للذكر "غسل عاره".. إذا دخل الحب إلى بيته.. واقترب "الغريب" من "ضلعه الأعوج"..
قانون "اللا شرف" مستمد من عمقنا الديني الذي نص على الرجم والحرق والصلب..
هدى ذبيحة هزائمنا..
أمة مهزومة حتى العظم، داستنا حوافر الخيل واقتلعت خيامنا ومواقد تخلفنا.. ومرغت "مبادئنا الخالدة" بوحل التأخر و"الجعجعة" ونفاق الأنظمة وأكذوبة الصمود والتصدي والدول التي تستجدي رحمة الآخرين.. وتمارس العهر السياسي أمام العالم أجمع..
هدى ذبيحة سيوف مهزومة لم تجد سوى جسدها لتعلن انتصاراتها الوهمية!!..