و لأني من النساء



فاطمة الزهراء فكار
2015 / 6 / 22


و لأني من النساء سأتخلى عن أنانيتي في الكتابة عن نفسي و سأقتحم جدار النساء أجمع...
سأكتب عن الكبيرات منهن و الصغيرات، المتزوجات و المطلقات، المخطوبات و المتعلقات، العانسات و الحبيبات، الراحلات منهن و اللاتي هن مقبلات على الإزدياد، الأرملات و المنسيات، الناجحات و الفاشلات، المتعلمات المثقفات و اللاتي هن مسجونات في قفص عش الزوجية في مكان يدعى المطبخ أو مستلقيات على لحاف السرير غصبا...
سأتحدث عن كل جسد إمرأة تسكنه أنثى مدفونة أو ظاهرة، سأكتب عن نون النسوة ، سأظهر للرجال أنهم ليسوا الوحيدين الذين لديهم حروف ذكورية تكتب و تدرس، هناك جمع النساء المنصوب و المكسور، و ثاء التأنيث التي تستحق الصرف و التحويل.
سأحول ضمير "هي" من الغائبة إلى المخاطبة الحاضرة و المستقبلية، لن تعود تلك الأنثى الحرفية المستترة بين سطور دفاتر الواقع، سترجع المرأة المرئية الظاهرة على أرضية الواقع...

و لأني من النساء...
من نساء هذا البلد اللعين ، نساء وطن عربي شنيع، تجردت من معاني و حقوق، و أجبرت على وظائف و واجبات، و ضاعت رغباتي و إنتهكت إحتياجاتي...

و لأني من النساء حرم علي المجتمع ما لم يحرمه الدين، و فرضت علي السلطة الذكورية ما لم يفرضه لا القانون و لا الشرع، و تحولت مطالبي من حق طبيعي إلى نوع من عدم الحياء، و كتم صوتي و قمع رأيي حين أقنعوني أنه عيب معيب لا يجوز النطق به...

و لأني من النساء لا يحق لي حمل المحفظة و الإتجاه صوب المدرسة و التعلم ، علي حمل الحطب على ظهري و سقي الماء و رعي الغنم...
و لأني من النساء سأتزوج غصبا فور بلوغي دون مراعات لسني و سن من سيأخدني بقراءة الفاتحة و رزمة نقود ليست من نصيبي حتى...
و لأني من النساء سأخلع رداء الطفولة في وقت مبكر و سأرتدي أصفاد الزواج للأبد...
و لأني من النساء سأقبل الذل من الرجل برحابة صدر و سأتنازل عن طيب خاطر و سأضحي دون مقابل و سأكون التابع تحت ذريعة الطاعة...
و لأني من النساء لا يجوز لي الخروج للعمل و تحقيق الذات و تنمية القدرات، علي التربع بين أربعة حيطان أمتهن فنون الطبخ و التنطيف دون شهادة و لا علاوة، علي رعية الكبير و الصغير ، خدمة القريب و البعيد و ممارسة حركة حنيان الرأس لكل من هب و دب على حسابي دون مراعات نفسي...
و لأني من النساء فالخروج ممنوع و الكلام مقموع و السب و القذف في أذني مسموع، و المطالبة بحقي شيء أبد الدهر مخلوع...
و لأني من النساء لا يحق لي الإنتشاء بسجارة محشوة و لا الثمالة بخمر معصور، إنه حرام علينا و حلال عليهم !!
و لأني من النساء لا يجوز لي مخاطبة الرجال و يجوز لهم خيانة النساء، يليق به العصيان و إرتكاب أكبر الآثام و ويل لي إن إرتكبت أبسط الأخطاء...
و لأني من النساء لن أتسكع في الأزقة، لن أجلس في المقهى، لن أحضر المجالسات، لن أبدي رأيي، لن أتشاور و أشاور، لن أختار و أنتقي، لن أفرح و لن أقضي وقتا ممتعا، لن أقول لا و أبدا، لن أصرخ و أجادل، لن أمتنع و أعارض، و لن أضرب و أتضارب، لن أتجبر و أتسلط، لن و لن و لن.. إنها حقوق الرجال فقط يا سادة.
و لأني من النساء سيمحى إسمي الشخصي و سأنسب لإبنة فلان أو زوجة فلان أو أم فلان، سأكون واحدة من هذه الثلاثية
( إبنة، زوجة، أم ) أو الثلاتة معا ، لا يحق لي أن أكون ذاك الكائن الإستقلالي المتجرد من التبعية و النسبة ، أبدا لا يمكن ،لأن في بلادي المرأة دائما هي الرعية البهيمية التي لا صوت لها - للأسف - دائما ما تنتمي و تنتمي و تنتمي ، لا وجود لإمرأة "لامنتمية"
و لأني من النساء لن أحكم دولة خصوصا العربية منها ، لن أترأس البرلمان و لن آخد مكان عبد الإله بن كيران ، لن تكون السلطة بيدي و الأحزاب تحت إمرتي و الملكية بإسمي ، لا يحق لي النبش في السياسة ، بل لا يجوز لي مناقشة أمور من يلقبون أنفسهم بالكبار الكبار و الحال إنهم أتفه من التفاهة نفسها...
و لأني من النساء فلا حق دستوري يمنحني رخصة التظاهر و زعامة الإعتصام و أولوية الإضراب دون قمع ...
و لأني من النساء فلا حرية لي سوى الحرية في رأية الرجال يمارسون حريتهم برخاء، لا حق لي في العيش كما أريد، لا نصيب لي في التحرر لأنه و بكل بساطة مجتمعي يريد التأكد من وجود لطخة دماء حمراء على قماش أبيض حين يتم إغتصابي ليلة زفافي... فالشرف بالنسبة لهم قرين باللون الأحمر - ثبا لثقافتكم -
و لأني من النساء فعلي إنجاب الذكور بكثرة و تربية جيل دون توفر الشروط الملائمة، علي الصبر حتى الوجع فقط لأن جنسي أنثوي، علي أن أستر عورتي ليس لأن الدين فرضها علي بل لأن الرجل يريد إحتكاري لكأني بضاعة مهددة بالنفاذ...
و لأني من النساء كتبت ما كتبته لأظهر للعلن مدى عمق التباعد الحاصل في توزيع الحقوق و الواجبات بين الرجل و المرأة و المجتمع...
لستم وحدكم الرجال الأقوياء المتسلطين، هناك نساء بقوة العشرات منكم، قوتكم في عضلاتكم و قوتنا في كيدنا ...
و لأني من النساء خصوصا من الفتيات منهن أردت فقط التأكد من مستقبلي كإمرأة كيف سيتم قمعي أنا الأخرى ؟؟
دعوني أحيطكم علما أن لا فرق بين الرجل و المرأة إلا في بلادنا...
نحن البلد الوحيد الذي يتوفر على شتى أنواع الحريات منها المطلقة و هذه طبعا من نصيب الرجال و الحرية المشروطة للأطفال و الحرية الممنوحة للضعفاء و الحرية المأخودة من نصيب الشجعان و هناك اللاحرية للنساء...
فهنيئا لنساء وطني على الموت البطيء فداء الحياة...
و لأني من النساء المقموعات يشرفني ذالك،
فالقمع يولد القوة و التمرد