سننٌ (عشائرية ) باليةٌ لايقرها شرعٌ ولا قانون.



جعفر المهاجر
2015 / 6 / 24

سننٌ (عشائرية ) باليةٌ لايقرها شرعٌ ولا قانون.
جعفر المهاجر
لقد ساوى القانون الإلهي والقوانين الوضعية بين البشر جميعا فلم تفرق بين عبد حبشي وسيد قرشي ولا بين عربي أو أعجمي إلا بمعيار الخلق القويم والسيرة الطيبة والعمل الصالح الذي يصب في خدمة المجتمع وارتقائه وتقدمه الذي هو الجوهر والأساس لإنسانية الإنسان. ويحق لكل فرد أن يعتز بدينه وقوميته دون أن يكون متعاليا على الآخرين .ولا يحق له أن يحتقر أو يسفه دين أو قومية إنسان آخر. لكن بعض المحسوبين على الإسلام من الذين أعماهم التعصب لايطيب لهم العيش إلا في المستنقعات الآسنة فبذلوا كل مايستطيعون لتشويه هذه الحقيقة الناصعة بإثارة النعرات الطائفية والعنصرية فحملوها معهم كفيروس خبيث ينخر في نفوسهم المريضة لإفراغه من محتواه الإنساني لكي يسودوا على المجتمع ، ويحققوا أغراضهم الدنيئة عن طريق بث هذه الأمراض الذميمة والترويج لها، والنفخ في قربها الجوفاء المثقوبة بالقوة العمياء فتحولت إلى وباء خطير يفتك بالمجتمعات الإسلامية. وصار ضحاياها عشرات الآلاف من الأبرياء.
وفي مقدمة المروجين لهذه النعرات الطائفية والعنصرية وعاظ السلاطين الذين كان لهم قصب السبق في نشرها عن طريق المساجد والمراكز الثقافية والمدارس حين قالوا للناس عليكم بطاعة السلطان مهما أشتد ظلمه وفساده على بني جلدته. ولا يحق لأحد من عامة الشعب التجاوز على شخصه (المقدس) مهما فعل. فسار على نهجهم وتشبه بهم ( شيوخ عشائر ) و(أمراء ) مزيفون سولت لهم أنفسهم النهمة إلى المال والجاه فرض إرادتهم بالقوة والإكراه على الناس بحجة حماية العشيرة من أعدائها والحفاظ على عاداتها وتقاليدها التي توارثتها عن الآباء والأجداد وكأنها نصوص مقدسة. والذي يرفضها يعتبر في نظرهم مارقا على الدين والأخلاق .ليفرضوا هيمنتهم وسطوتهم على قطاعات واسعة من البشر بحجة إن أنسابهم وأحسابهم (العريقة)تشفع لهم لأن يكونوا من طبقة (النبلاء) ولابد من الرضوخ إلى إرادتهم دون أي تململ. وهم في حقيقتهم لايختلفون عن قطاع الطرق والمشعوذين والنصابين المتلبسين بالدين لتحقيق مآربهم الدنيئة. وهم في حقيقتهم يملكون قلوبا سوداء، ولايؤمنون بكرامة الإنسان ، ويسعون إلى إرجاع عجلة التأريخ إلى الوراء لتقسيم المجتمع على أساس سيد ومسود أي نبلاء وعبيد متناسين إن زمن العبودية قد مضى وآندثر. وقد أخبرنا الله في محكم كتابه العزيز إن الناس يتوجهون إلى خالقهم زمرا بلا أنساب ولا ألقاب ولا مسميات يوم القيامة ولن يشفع لهم رؤساء قيس وذبيان أو ثقيف وهوازن أو غطفان وعدنان وقحطان إلا من أتى الله بقلب سليم. حيث قال في محكم كتابه العزيز:
( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ. فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينَهُ فَأولئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ.) ( سورة المؤمنون الآية101-102).
وقال نبي الرحمة والهدى محمد ص :
( إن الله قد أذهب بالإسلام نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها , ألا أن الناس من آدم وآدم من تراب وأكرمهم عند الله أتقاهم.)
وحين همز أحد المسلمين لسلمان المحمدي وعيره بأنه فارسي مقطوع الأصل إشتكى لرسول الله ص فقال ص له :
(ليس لأحد من هؤلاء عليك فضل إلا بتقوى الله عز وجل فمن كنت أتقى منه فأنت أفضل منه. )
وكان أبو لهب كان من صميم العرب وعم النبي محمد ص فصرح القرآن بثلبه وعذابه لأنه طغى وتجبر وأخذته العزة بالإثم وتمسك بنعرة الجاهلية الأولى حيث قال الله في محكم كتابه العزيز:
(تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ) (مَآ أَغْنَىٰ-;- عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ) (سَيَصْلَىٰ-;- نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ ).
وقال شاعر :
لقد رفع الإسلام سلمان فارس – وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب. واعتمادا على نصوص قرآنية مقدسة وأحاديث نبوية كثيرة يمكننا القول إن العصبية والتعصب للقوم والعشيرة بعيدا عن الحق والقيم الأخلاقية والإنسانية هو تعصب مذموم ينخر في المجتمع ويتنافى مع أبسط الحقوق الإنسانية فكيف لايتنافى مع الإسلام الذي هو لب القيم والمبادئ الإنسانية وجوهرها وعمودها الفقري؟
وعندما يعتبر الشخص شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين فهذا يعني إعانة على الظلم والفحش والإنحراف وسيادة شريعة الغاب في المجتمع. والعصبية القبلية مرض وبيل يغلق عقل الإنسان وقلبه ويعمي بصيرته ويصادر إنسانيته ويقطع صلته مع كل القيم الأخلاقية العليا ولا تفيد مثل هذا الشخص الذي يسعى إلى هذه العصبية الجاهلية مقاماته الزائفة ولا سلطته المنخورة ولا غطرسته الخاوية ولا أمواله الطائلة ولابد أن تذروها الرياح في يوم ما وتصبح هباء منثورا ويخسر نفسه في نهاية المطاف.
ولاشك أن العراق منذ الأزل بلد عشائري عاشت فيه القبائل والعشائر متحابة متعاونة في سرائها وضرائها ودأبت على نصرة المظلوم ونبذ الظالم ومحاربته وإغاثة الملهوف والتحلي بالكرم والإباء وعزة النفس والترفع عن الدنايا والنخوة والشهامة ونبذ العصبية والتعصب منطلقة من قول رسول الله ص :
(من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية بعثه الله تعالى يوم القيامة مع أعراب الجاهلية . )
وكان رؤساء العشائر الصلحاء لايفرضون أنفسهم على الناس بالقوة والإكراه، ولا يجعلونها فوق القانون بل تختارهم عشائرهم لصفاتهم الإنسانية الراقية، وحسن سيرتهم ،وآستعدادهم للتضحية في سبيل الآخرين دون مقابل ليكونوا صمام أمان في المجتمع. وليصلحوا مافسد فيه . وحاشى لهؤلاء أن يرضوا لأنفسهم بأن يكونوا أعراب جاهلية جدد لأنهم قلب العراق النابض بكل قيم الخير والمحبة والموحدون لنسيج لحمته الوطنية. وهم الذين وقفوا كالطود الأشم ضد أعداء الوطن على مر العصور. وثورة العشرين أكبر شاهد على توحد رؤساء عشائر العراق في الشمال والوسط والجنوب ضد المستعمرين الانكليز. وكانوا في مقدمة الثوار أثناء المعارك لتخليص الوطن من الأعداء دون تمييز بين مدينة ومدينة أو مذهب وآخر أو قومية وأخرى . وهاهي العشائر العراقية الأبية في الأنبار بقيادة رؤسائها الشرفاء المضحين تسطر ملاحم البطولة والشرف مع عشائر الجنوب يوحدهم التراب العراقي المقدس ضد داعش وجرائمها وأعوانها بعيدا عن أي تعصب قومي أو مذهبي يحاول أعداء العراق الترويج له.وقد آمتزجت دماؤهم الطاهرة ضد عدوهم المشترك الساعي إلى تمزيق العراق وتقسيمه إلى دويلات طائفية وهذا دليل قاطع على أصالتهم ودفاعهم عن الحق ضد الظلم والتعسف والعدوان. ولكن الذي يؤسف له أن العشائر لاتخلو من شيوخ مزيفين كالعملة المزيفة لاهم لهم سوى إبتزاز فقراء مجتمعاتهم ليتخموا بطونهم بالمال الحرام وهم لاينتمون إلى أصالة العشيرة ولا إلى نقائها ولا إلى قيمها. فراحوا يسعون لتشويه القيم العشائرية الأصيلة بإحياء مفاهيم بالية منبوذة أكل عليها الدهر وشرب وخالفت كل القيم السماوية والوضعية مستغلين ضعف الدولة وآنشغالها بمكافحة الإرهاب والفساد. وأصبحوا بين عشية وضحاها من أصحاب المليارات دون أن تمتد إليهم يد القانون الذي هو غائب أصلا في عراق اليوم والذي يتصارع فيه السياسيون بشكل محموم لتقاسم الكعكة المغمسة بالدم بينهم.غير مبالين لهذه الطفيليات التي تهدم مبادئ الفضيلة وروح التعاون والمحبة بين عشائر العراق. لابل شارك بعض السياسيين هؤلاء في تجنياتهم وآنحرافهم. فاتحد دواعش السياسة مع المشيخات المزيفة يعيثوا فسادا في المجتمع لأن الطيورعلى أشكالها تقع.
ولا تستطيع دولة هكذا حال بعض قادتها أن تحمي مواطنيها من ابتزاز المبتزين وتحايل المتحايلين وغدر الغشاشين مما ترك مناخا خصبا لتنامي هذه الطفيليات العشائرية لتكون عامل هدم ودمار وفرقة بين أفراد المجتمع الواحد .ولابد أن يقف رؤساء عشائر العراق الحقيقيين بحزم وصرامة ضد كل من يحاول تشويه سمعتهم التأريخية والأخلاقية لغرس سمومه في جسد العراق المثخن بالجراح ولآبتزاز الكثير من الأبرياء تحت هذه الحجة وبأساليب شيطانية ملفقة ماأنزل الله بها من سلطان وسنن العشائر الحقة منهم براء كبراءة الذئب من دم يوسف .
إن مايسمى بـ (المرأة الفصلية) هي ضحية زواج الدم الذي ينص على تزويج واحدة أو أكثر من بنات العشيرة المعتدية اللواتي لاناقة لهن ولا جمل في النزاع إلى الشخص المعتدى عليه أو أحد أقاربه بعنوان ( الثأر). وتحت هذا الزواج القسري الذي يعتبر إغتصابا تعيش المراة تحت سيطرة رجل لاتعرف عن سلوكه شيئا وفي أكثر الأحيان يضطهدها ويحتقرها ويضربها بآعتبارها(سبية) وتضطر أن تعيش معه تحت سقف واحد وهي تعاني من الإحتقار والإضطهاد في إمتهان صارخ لكرامة المرأة إضافة إلى فرض الأتاوات الباهضة التي تقدر بمئات الملايين من الدنانير بصورة منافية للعرف والقانون وبعيدا عنهما. وفي أكثر الأحيان تلجأ إلى الإنتحار أو الهروب من الجحيم الذي تعيش فيه وحين يتم العثور عليها تقتل ولا يختلف هذا الظلم الفاحش أبدا عن ظلم داعش حين باع قطعانها مجاميع من النساء في سوق النخاسة وهن أسيرات لديهم . ومن العادات البالية (النهوة ) وتعني تعطيل زواج امرأة لاسباب اما معنوية او مادية فيقوم ابن العم الذي لم يبلغ الحلم احيانا بتعطيل زواج إبنة عمه بكلمة واحدة للمتقدم الى الخطبة وهي (انت منهي) فيسحب الخاطب نفسه عن تلك الفتاة ولا يتقدم إلى خطبتها إلا بموافقة إبن العم ومنحه مبلغا من المال لإرضائه وبعكس ذلك يهدد إبن العم الخاطب بالقتل إذا أصر على الزواج. وتتعدى (النهوة) بنات العم الى الاقارب او من اطراف العشيرة وقد تكون ثأرية فمثلما ينهى ابن العم على إبنة عمه فان اولاد عمه ينهون ايضاً على اخواته وهكذا تعيش تلك الاسر في دوامة لانهاية لها تكون ضحيتها الأولى الفتاة. ومن تلك العادات البالية زواج (الكصة بكصة) وهو زواج قسري وبيع للمرأة في سوق النخاسة حيث يقدم الرجل اخته اوابنته الى رجل اخر مقابل امرأة يتزوجها هو او احد ابنائه بدون مهر ومقدم أو مؤخر وكأن الأمرلايعدو عن تبادل سلعتين مثلما كان يحدث في العصر الجاهلي . وعادة يرافق ذلك احداثا مؤلمة أيضا كانتحار الفتاة او إختفائها أو هروبها مع شخص آخر الى جهة مجهولة حتى لاتجبر على ذلك وتسمى عندئذ المرأة بـ ( الناهبة ) لتبدأ عندئذ مشاكل لا اول لها ولا اخر ولا تحل الا بالعثور على الفتاة وقتلها ثم مطالبة اهل الشخص الهارب معها بالفصل الذي غالبا مايكون باهظا وهناك (الكوامة ) و( (الفزعة ) و( الحشم )وجعل المرأة هي الضحية الأولى لهذه العادات البالية التي تمتهن كرامتها بصورة صارخة.
لقد شهدت قصصا أخرى غريبة أخرى من أبرياء وقعوا ضحية أولئك المتخفين خلف العباءة العشائرية فتصرفوا كرؤساء عصابات بسلبهم الأموال من أناس ضعفاء في المجتمع دون وجه حق . فهذا أب مسكين وقع إبنه ضحية لأحدى الفتيات الطائشات وآدعت أن ابنه عاكسها في الشارع فراحت (تحشم ( رئيس عشيرتها المزيف لكي ينتقم لشرفها ( المثلوم ) فذهبت عصابة مسلحة بالمسدسات الكاتمة إلى والد الضحية في منتصف الليل وهددته بالقتل إن لم يدفع مبلغا قدره عشرة ملايين دينار ( حشم ) وإذا أخبر السلطة فإن إبنه سيقتل فورا. ونظرا لكون الوالد موظفا بسيطا مستورا يخاف من العواقب ولم يملك المبلغ فذهب إلى أحد المرابين الذي أضاف على المبلغ مبلغا آخروجاء به ودفعه إلى شخص محتال يدعي إنه (رئيس العشيرة ) وذلك خوفا على أبنه المسكين الذي لم تنفعه دموعه بأنه بريئ ولم ير البنت ولم يعاكسها. وهناك تهم بالسب والقذف وبمجرد شجار بسيط بين شخصين تحولت إلى نزاع ( عشائري ) وحسمت بمبلغ كبير دفعها الطرف الضعيف خوفا من التهديد بالقتل حيث وفرة السلاح . وأفعال أخرى كثيرة يقوم بها أشخاص باسم العشيرة غايتها أبتزاز الناس وسلب أموالهم في وضح النهار وكأن العراق أصبح غابة يمارس فيها كل نصاب ووضيع ممارساته اللاأخلاقية لآبتزاز الناس الأبرياء باسم ( العشائرية ) والروح العشائرية بعيدة عن هذه التصرفات الوضيعة بعد السماء عن الأرض . وقد تفاقمت ووصلت إلى أعضاء في مجلس النواب إثر مشادة كلامية بين نائبين. فهل يمكن بناء دولة ديمقراطية عصرية حضارية تصان فيها كرامة الإنسان وحقوقه في ظل هذه العصابات السائبة التي تصول وتجول في العراق لتبحث عن ضحاياها بآسم ( سنن العشائر )؟ وقد قال الله في محكم كتابه العزيز:
(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب .)ِ سورة المائدة-2
وهذه الظواهر هي عدوان يفرضه معدوموا الضمير على الناس المستضعفين.
يقول السيد الشهيد محمد صادق الصدر رحمه الله في كتيب له سماه (فقه العشائر ص101 ) وهو عبارة عن مجموعة أسئلة وجهت إليه فيجيب عنها قائلا
(ننصح الجميع أن يطبقوا الأحكام الشرعية الصحيحة في الصغيرة والكبيرة ويلاحظوا طاعة الله ورسوله في كل حال . ويتجنبوا مزالق الآثام ومظالم العباد فإنها لاتنتج خيرا لافي الدنيا ولا في الآخره . وإني أجد أفضل طريق لذلك هو التفاهم فيما بينهم على إلغاء العشائرية غير الموافقة مع الشريعة والتسليم بحكم الشرع مهما كان فأنه الحكم الفصل على كل حال. )
وكمواطن عراقي أهيب بعشائر العراق الكريمة أن تطهر صفوفها من ذوي النوازع الشيطانية الذين يسيئون إلى إسم العشيرة وإلى كل القيم الإنسانية. والتعصب لهؤلاء وتشجيعهم على ابتزاز الآخرين وانتهاك أعراضهم وأموالهم هو طعن للكرامة الإنسانية ومناصرة للظلم والباطل في مجتمع متخم بالمآسي والمشاكل. وأرى أن تعقد عشائر العراق مؤتمرا وتعلن براءتها من هذه الطحالب التي تسعى لإرجاع عجلة التأريخ إلى الوراء . وقد نجد عذرا لهذه العادات الجاهلية قبل مئات السنين وليس في مقدور وطن يعيش في القرن الواحد والعشرين ويدعي قادته إنه بلد ديمقراطي وفيه وزارة لحقوق الإنسان وتنخر فيه هذه العادات الجاهلية البالية بعيدا عن لغة القانون التي تنذر بأوخم العواقب لو ظل أصحابها يصولون ويجولون دون حساب.
جعفر المهاجر.
24/6/2015