هل نحن مثليون ؟



عندليب الحسبان
2015 / 6 / 28

الرأي العام العربي يبدي انزعاجه الشديد من الاقرار القانوني لزواج المثليين في أمريكا , ويرى في هذه المثلية خروجا وانحرافا عن طبيعة العلاقة بين المرأة والرجل كما تعرفها الحقيقة البيولوجية والبديهة الاجتماعية تاريخيا باعتبار الذكر والأنثى قطبي مغناطيس الحياة ولا ينجذبان إلا بالاختلاف .
حسنا , ما دام العقل العربي يملك هذا الوعي بمعنى القطبية ودورها في الحياة , ويدرك أن لا استمرارية دون اختلاف , ويؤمن بديالكتيك الوجود , فلماذا اذن يبدع هذا العقل في الغاء كل آخر ؟, لماذا ينكفئ دائما على ذاته الأولية حين تكون جنسَه أو طائفته أو مذهبه أو دينه أو عشيرته أو قبيلته أو قوميته ؟ لماذا يشق عليه الانجذاب بنظرة اعتراف ومحبة إلى الآخر من غير طائفته أو من غير دينه ,..؟
بظني أن العقل العربي لم يعد يؤمن أساسا بأي قطبية , حتى قطبية الذكر والانثى هذه التي أزعجه اختراق المثليين لها هو يتوهم الايمان بها , فمنطق الإلغاء طغى في ذهنيته على كل آخر , وأولها وأشدها الأنثى / المرأة , العقل العربي ومنذ زمن منخرط في عملية الغاء لتضاريس الانوثة بالمعنى الشكلاني , وبالمعنى القيمي , ..
في اللغة العربية معلومٌ أن الذكر يجبّ ملايين الاناث , وأن الأعلام المؤنثة تعامل معاملة الأعلام العجمية ( أيضا آخر ) فتمنع من الصرف , وفي النظام الاجتماعي معلومٌ أيضا أن النسب أبوي , وأن لا حضور للأمومة إلا على سبيل الندرة , وذلك حين تبرز امرأة في العائلة تنافس أو تناكف الرجال في سماتهم وقوتهم وتمردهم , فتمنحها السلطة الاجتماعية اعترافا بالاسم الانثوي ولكن محملا بقيم الأبوية .
وفي النظام التشريعي تعاني المرأة قصورا معيبا في مواطنتها في الزواج والطلاق والارث والتجنيس تجعلها آخرَ في دائرة الاحوال الشخصية .
أما الجسد فهنا الكارثة الكبرى , حيث تصب السلطة جام غضبها عليه وتلاحقه في كل شهقة وزفرة , فالسلطة الاجتماعية والدينية تتفنن بالغاء تضاريس الأنوثة فزيولوجيا , وتعلن عداءها المقدس لهذه التضاريس باعتبارها أصل الشرور والفتنة والعار والخزي وكل قيم السلب الاجتماعي , لذلك على اللباس أن يراعى فيه دائما اخفاء معالم الأنوثة ,..لا شعر يتطاير , ولا نهود تبرز , ولا أوراك تتحرك , ولا سيقان تركض . والألوان يفضل أن تكون جدية تطرد العبث واللهو والمرح والفرح من النفس , مثل البني " لون حياد الجيش " , والأسود لون حداد الموت , والكحلي لون الصرامة الرسمية , والأكتاف يستحسن أن تبدو رجولية عريضة مكسوة بقماش غير شفاف حتى تذكّر بالغلمان . والرائحة يا حبذا لو تكون غير زكية حتى لا تثير الفتنة .
بعد كل هذا العبث بالتضاريس , هل يبقى أنثى ؟ .
قال أحدهم : نحن لا نحتاج هنا لزواج مثليين , فقد سبقناهم ....!