أصعبُ وظيفة في العالم



فاطمة ناعوت
2015 / 7 / 2

"أمّي/ تقفُ على عتبةِ الدار/ عكّازٌ في يدِها/ تنتظرُ التابوتَ الذي أنا فيه/ تكشفُ الغطاء/ تمسُّ العينَ المُرخاةَ وتقول:/ كانت ابنتي خرساءْ/ يُفزعُها ضجيجُ العرباتِ والضوءْ/ فلماذا تركتموها حتى تموتَ كثيرًا/ هي ابنتي/ أعرفُها من ثقبٍ في الرئة/ وأنا/ أريدُ أن أغلقَ الباب!/ فشكرا للأصدقاء الذين لم يأتوا/ أجملُ المُعزّين الذين يغيبون..."
***
قامت إحدى الشركات الأمريكية بنشر إعلان عن وظيفة مهمة. وأجرى مندوب الشركة لقاءاتٍ حيّةً بالكاميرا عبر الإنترنت مع المتقدمين للوظيفة ليعرض شروط الوظيفة الخطيرة. بدأ المندوب اللقاء بإقراره أنها أهم وظيفة بالعالم، وأعطاها مسمّى: مدير العمليات. الوظيفة تحكمها مسؤوليات ومهام واسعة للغاية. أولها "الحركية"، فالوظيفة تتطلب أن يكون الشخص واقفًا على قدميه طوال الوقت، أو منحنيًا، فيجب أن يتمتع المتقدم لها بقدر وافر من اللياقة والعزم. انزعج المتقدمون وسألت واحدة: "كم ساعة تقريبًا في اليوم؟" فأجاب مندوب الشركة: “24 ساعة/ سبعة أيام.” فصُعِق المتقدمون. لا إجازات ولا دقائق للراحة مطلقًا! فسألته أخرى: “هل هذا قانوني؟"، فأجاب مندوب الشركة: “نعم.” فسألته: “هل هناك فرصة لتناول وجبة الغداء؟" فقال: “بعدما يُنهي العملاء والمدراء غداءهم.” فقال المتقدمون: “هذا جنون وغير إنساني!” فأردف المندوب: “هذه الوظيفة تتطلب مهارة فائقة في التفاوض ومهارات شخصية ممتازة أيضًا. نطلب شخصًا حاصلا على شهادة في الطب، وفي الاقتصاد، وفي العلاقات العامة والفنون. فالعملاء يحتاجون إلى اهتمام دائم ومتواصل وانتباه شديد. قد يتطلب منكم الأمر السهر طوال الليل مع المدراء. والقدرة على العمل في بيئة شديدة الفوضوية. ولو كانت لديكم حياة خاصة عليكم التخلي عنها من أجل الوظيفة. لا إجازات في الكريسماس، أو عطلة نهاية العام، والأعياد الرسمية ولا غيرها. ففي هذه الأوقات تتزايد ضغوط عملكم وعليكم أداء مهامكم وسيماء البهجة والسعادة بادية عليكم.” هتفت فتاة من المتقديمن للوظيفة: “هذا وحشي أو ربما نكتة سمجة للغاية!” وسأل آخر: “هل هناك فرصة للنوم على الأقل؟" فأجاب المندوب: “لا!” وسألت أخرى: “365 يومًا بالعام؟!” فقال: “نعم.” فهتف المتقدمون للوظيفة: “هذا غير منطقي ولا إنساني!” فأجاب المندوب: “لكن المعاني التي تحصلون عليها والشعور الذي يغمركم بمساعدة عملائكم لا يمكن وصفه.” ثم أردف: “والآن، دعونا نتكلم عن الراتب. الوظيفة لن تدفع لكم شيئًا على الإطلاق.” فضحك الجميع مستنكرين، وقالوا: “مستحيل أن نفعل كل هذا مجانًّا! هذا جنون!” فأجاب المندوب: “ماذا لو أخبرتكم أن هناك بالفعل من يشغل هذه الوظيفة الآن، بل هناك مليارات من المستوظفين حاليًا في هذه الوظيفة حول العالم؟"
هنا سألوا في نفس واحد: “مَن؟!”
فأجاب المندوب: “الأمهات.”
ضحك منهم مَن ضحك، وبكى منهم من بكى، وبُهِت منهم من بُهت. لكنهم أجمعوا قائلين: “نعم. معك حق.” “نعم، أمهاتُنا تعمل 24 ساعة يوميًّا، ولا تتقاضى أجرًا. أمي دائمًا موجودة، ولا تغيب. الآن، أفكّر بأمي، أفكر في كل الليالي التي سهرتها من أجلي. يبدو أنني لم أقدِّر جيدًّا ما فعلته من أجلي في طفولتي وصباي وشبابي. أقول لأمي: أحبك كثيرًا. وأشكر كل ما فعلته من أجلي مما لم أقدّره في وقته. كنتِ دائمًا موجودة كلما احتجتُ إليكِ. أمي رائعة. رائعة.”
***
* من قصيدة “أمي” | ديوان “قارورة صمغ” | فاطمة ناعوت | دار "ميريت" 2008

--