لينا زهر الدين تقترح تحديد مدة الزواج



محمود فنون
2015 / 7 / 21

لينا زهر الدين تقترح تحديد مدة الزواج
محمود فنون
21/7/2015م
كتبت لينا زهر الدين شيء يشبه ( فشّة الخلق ) عن العلاقة الزوجية .
ولا أدري إن كانت تعرف تاريخ العلاقة بين الذكر والأنثى ام انها فقط شعرت بوطأة الزواج غير المتكافيء على المرأة عندنا . فهي كتبت تقول "
أرى أن يكون عمر عقد الزواج ٣-;- سنوات ليس أكثر، يتجدّد برضى الطرفين، أو يتم الانفصال في حال عدم التوافق. أرى أن من الظلم العيش مع شخص لا تُطيقه، بغض النظر عن الخلفيات والأسباب.
ملاحظة: لا أحد يحدّثني عن "التفكّك والتشرّد والأولاد وعدم الاستقرار...الخ". كل هذا بالإمكان ترتيبه.
ما رأيكم؟"
"
إن لينا زهر الدين تمتلك امكانية الكتابة والنشر التي وفرتها التقنيات الحديثة . فهي كتبت ما يجول بخاطرها ونشرته على شبكة التواصل الإجتماعي الفيس بوك ، وقرا منشورها العشرات ممن يتابعون صفحتها وصفحة أصدقائها .
وتطوع بعضهم للكتابة والتعليق .
وقد لفت انتباهي الكتبة أصحاب الفتاوي الذين توجهوا لمهاجمة الكاتبة على أساس ان هذا يتنافى مع قدسية الزواج الذي يتوجب ان يكون بعقد ابدي . وبعضهم توجه للتهكم والإعابة على الكاتبة من خلال فكرة رغبتها في تغيير ازواجها وما شابه كما لو ان تطبيق الفكرة يعني ان تقوم المرأة بتغيير زوجها وعائلتها كل ثلاث سنوات
إن مثل هذه الردود تنطوي على سذاجة وعدم تبصر .
إن فكرة لينا تعبر عن نضج اجتماعي وتستهدف حق المرأة وحمايتها من زواج عاثر " وتقول انه من الظلم العيش مع شخص لا تطيقه " وأنا اتفق معها تماما بأنه من الظلم أن تعيش مع شخص لا تطيقه وهذا لايعني تغيير الزوج كما تغيير التلفزيون . ذلك أن روابط العلاقة الزوجية عديدة ولها حساباتها عند المرأة التي تنظر بشمولية ومسؤولية لأمر زواجا لجهة البيت والحفاظ على البيت واللأولاد والأهتمام برعاية الأولاد وما إذا كان العمر يسمح بشيء كهذا ما دام الأمر لم يصل إلى العيش مع " شخص لا تطيقه " أبدا .
ولينا تقول يستمر الزواج بالتوافق أو يتم الإنفصال بمعنى إذا انعدمت إمكانية العيش .
وردا على الذين تطوعوا بمهاجمة الكاتبة أقول : إن هذا موجود وهناك الطلاق ولكن لينا تريد أن يتم الأمر بيسر وسهولة ودون فضائح وضجيج وإجراءات طويلة ومملة بل وقاهرة للمرأة في أغلب الأحيان .
هناك الطلاق بناء على طلب المرأة معززا بالأسباب ، واليوم هناك الخلع ، وكذلك كان الإتفاق على الطلاق بين الأهل بعد أن يصلوا إلى تعثر الزواج واستحالة الإستمرار لإسباب تحيط بالعلاقة الزوجية .
إن لينا إذن لم تخرج عن المألوف وقد سبقه نساء كثيرات يبحثن عن حقوق المرأة وحقها في اختيار الزوج أو اختيار الإنفصال إذا كانت الحياة لا تطاق وعلى ذلك طرحت النساء ضرورة سنّ قانون الخلع وهو معمول به في كثير من البلدان العربية .
إن الجديد في طرح لينا هي إمكانية أن تمارس المرأة حقها في استمرار العلاقة الزوجية أو فسخ عقد الزواج بعد ثلاث سنوات وهذا أمر قابل للنقاش . فليس الأصل تحديد المدة الزمنية بل الإصل أن تصل المرأة إلى حقها في الإنفصال حينما ترى أن الإستمرار في الزواج امر لم يعد يطاق وأنه من الظلم أن تستمر المرأة في العيش مع شخص لا تطيقه .
وأود أن أقول للينا :
إن العلاقة الزوجية التي نعرفها اليوم لم تكن موجودة منذ الأزل . بل هي مرحلة في تاريخ العلاقة بين الجنسين ارتباطا باستمرار النوع وتطور العائلة التي تقوم بدور مهم في حفظ النوع ورعاية المواليد .
وكان الزواج الأحادي هذا إرتقاء نوعيا على المراحل السابقة ومثل نقلة نوعية كذلك في تطور العائلة وشروط رعايتها انسانيا واقتصاديا واجتماعيا .
وكان الزواج الأحادي ارتقاء على الزواج الثنائي أو العائلة الثنائية . والعائلة الثنائية هي صيغة جديدة في العائلة الجماعية الموحدة اقتصاديا واجتماعيا والتي كانت تقوم برعاية المواليد على انهم ابناء العائلة دون تمييز وحيث لم يكن الرجل يستطيع تمييز الأولاد الذين انجبهم من صلبه وفقط كانت الأم تستطيع تمييز أطفالها ويظلوا مع هذا التمييز ابناء العائلة كحق لهم ترعاه تقاليد الجماعة التي تتعايش مع بعضها وكل ما تملكه الجماعة بلغتنا الحاضرة من ادوات ووسائل الإنتاج والأرض وخيراتها هو ملك مشاعي لهذه الجماعة .
يهمني القول أن العائلة لم تنشأ هكذا منذ الأزل بل نشأت ابتداء كجماعة بشرية تعيش في وحدة اقتصادية اجتماعية وبرعاية الأم الأكبر دون أي خصوصية لأي مركب داخلي فيها إن وجد .
بعد ذلك حصلت أطوار إلى ان بلغت العائلة الثنائية وهي : تلك العائلة التي يتساكن فيها رجل وامرأة مدة من الزمن إلى أن يمّ أحدهما من الآخر فيفترقا لتأسيس ثنائية جديدة وتظل رعاية الأطفاللا مسؤولية الجماعة البشرية التي أفرزت هذا النوع من العلاقة بداخلها .
وكان ظهور الملكية الخاصة والإرث والحاجة إلى القوى العاملة البشرية هو الموجه لنشوء العائلة الأحادية أو ما نسميه بالأسرة المكونة من رجل وامرأة وذريتهم .
وكان أولى أشكالها العائلة البطريركية " الممتدة " التي تضم الجدود والإبناء والأحفاد ... والذين يعيشون في استثمارة واحدة بقيادة الأب " البطريارك "
إن هذا الطور لم يظر دفعة واحدة وبصورة شاملة بل ظهر وانتشر كتطور في الحياة وفي الأماكن الأكثر تطورا وحضارة . وأيضا دون ان ينهي بقايا الأشكال القديمة من العائلة ومن العلاقات بين الرجل والمرأة .
بالإضافة إلى ذلك فقد ظهرت الخيانة الزوجية مصاحبة لهذا التطور . فبعد ان تحددت علقة الرجل بزوجة واحدة فقد أصبحت كل علاقة خارج هذه العلاقة هي خيانة زوجية وبنفس المقدار إذا كان الأمر يتعلق بالمرأة .
ولكن الرجل صاحب السلطان أوجد لنفسه مخارج متعددة أخرى مثل تعدد الزوجات في الشرق عندنا كما الإماء والجواري وزواج المتعة والمسيار وغير ذلك من العلاقات .
كما ظهر البغاء ودور البغاء والزنا وأولاد الحرام والعلاقات المثلية .
والأهم من كل هذا ظهر ظلم المرأة وتراجع دورها وتبعيتها واصبحت وعاء للإنجاب الورثة وحملة الإسم مما يوجب ردعها عن أية علاقة خارجية وحبسها في بيت المحرم وإلباسها قفل العفة وظهرت العفة والبكارة والشرف والقتل على خلفية الشرف .. إلخ من هذه الظواهر المصاحبة والموجودة كلها إلى يومنا هذا .
ولكن الظاهرة الإجمل التي شقت طريقها ولا تزال تبحث عن مآل اوسع هي ظاهرة الحب .
وبالمناسبة كانت ظواهر الحب استثنائية وتظهر هنا وهناك وتعبر عن نفسهاا بتضحيات ومواقف ويعبر عنها المجتمع بالأشعار والملاحم والقصص والقصص الأسطورية .
ثم ظهرت في العصور الوسطى ظاهرة حب الفرسان وهي علاقة عشق خارج الزواج إلى جانب ظواهر الحب الأخرى .
إن الملكية الخاصة وكما كان ظهورها دافعا لحركة التطور والنمو فقد أثرت على نقاء العلاقة بين الرجل والمرأة بسبب عدم المساواة وتعاظم دور الرجل قبالة المرأة .
فظهور الملكية الخاصة كان سببا في استغلال الإنسان للإنسان بل وفي استعباد الإنسان للإنسان حيث ظهرت العبودية وقد شملت استعباد الرجل والمرأة والذرية كلها ومعاملة العبيد بقسوة وبدرجة هائلة من الظلم والإستغلال ثم ظهرت القنانة في المرحلة الإقطاعية حيث مالكي الأرض يستغلون الأقنان ويعاملوهم معاملة العبيد مقابل شظف العيش ثم ظهرت الطبقة العاملة ببزوغ فجر النظام الإقتصادي الرأسمالي القائم على العمل المأجور . ولم تتحرر البشرية من مخلفات العصور في الأنماط الإقتصادية الإجتماعية كما أن البنى الفوقية أكثر بطأ ومحافظة من البنى التحتية مما يبقي على الموروث الإجتماعي القديم حقبا زمنية أطول .
من مخلفات العصور القديمة لا زالت المساكنة الزوجية الحرة موجودة في الغرب على نطاق واسع . حيث يتفق رجل وامرأة على المساكنة والتعايش معا وانجاب الأطفال إلى أي مدة يشاؤون وقد يقوموا بتسجيل هذه العلاقة في الدوائر الرسمية أو يعلنون انفسهم أزواجا حسب تقاليد الكنيسة أو يظلوا هكذا دون أي نوع من التسجيل في حياة اقتصادية اجتماعية مشتركة وتحت عنوان الصداقة .
وهذه العلاقة غير المسجلة تستمر كما يشاؤون وحينما يملّ أحدهما الآخر ينفصلان بهدوء ويتوافقان عل العناية بالأطفال هذا مع العلم أن المرأة في الغرب تعمل ويكفل لها المجتمع حق العمل كما أن الدولة قد تساهم في رعاية الأطفال من خلال مؤسساتها .
وانني اتفق مع لينا حينما تقول :" ملاحظة: لا أحد يحدّثني عن "التفكّك والتشرّد والأولاد وعدم الاستقرار...الخ". كل هذا بالإمكان ترتيبه. نعم فهذا امر بالإمكان ترتيبه عند اللزوم ما دام الزوجان قررا عدم امكانية الإستمرار وان الحياة معا لا تطاق
ويعتقد الفلاسفة أنه مع زوال الملكية الخاصة ومظاهر استغلال الإنسان للإنسان الناتج عن الفوارق الطبقية والملكية الخاصة ، ومع شمولية التطور للجغرافيا ولكل شؤون الحياة سوف يزول اضطهاد المرأة ويزول كل اضطهاد بين البشر وحينها ستسود علاقات الحب والتفاهم بين الرجل والمرأة وتتوج علاقات الحب بأشكال الزواج المناسبة. وحينما يخبو الحب وتصبح العلاقة لا تطاق ، حينها ينفصلان بسهولة وبدون أعباء ويتحمل المجتمع أية تبعات تنشأ عن هذا الإنفصال
بالإضافة إلى ذلك فإن الإنفصال في الغرب أكثر سهولة مما كان قبلا بفعل منظومة القوانين التي فرضها نضال المرأة من أجل حقوقها .
وإلى أن تصل البشرية إلى هذا الحلم الحقيقة يتوجب على المرأة أن تناضل من أجل حقوقها بشكل خاص وان تناضل من أجل تحرر المجتمع في سياق النضال التحرري من أجل الحرية والإشتراكية ورفع الظلم كل ظلم طبقي أو قومي .