من الذات إلى أنوثة النص



محمد سمير عبد السلام
2005 / 10 / 14

من اللافت للنظر أن القاصة منى وفيق تكتب النص القصصي كبديل وجودي أكثر رحابة من حدود الأنا الواقعية المحكومة بمسار واحد يحدد الهوية و لكنه لا يختزلها أبدا، فعندما تستسلم الذات المبدعة للكتابة تتفجر طاقاتها الواعية و اللاواعية لتقيم احتفالا طقسيا بالتناثر الإبداعي و قد تحول إلى وجود يستبدل الهوية الأولى فيما يشبه تحولات الأثر كبديل عن المدلول الواضح عند جاك ديريدا .
إن ساردة منى وفيق تعرفها جيدا و تسجل إشارات يعرفها المتلقي عن منى و لكنها توظف ضمير المتكلم للخروج المتخيل من الشكل السيري التاريخي رغم سيطرته .
و أود أن أشير هنا إلى مواكبة مثل هذه النصوص للوصف ما بعد الحداثي عند ليوتار للعوالم الافتراضية حيث يقرأ الواقع خارج الواقع فهو متداخل مع الأسطورة و الحلم و النص بدرجة كبيرة , هكذا نرى الساردة في قصة( مطر على ورق) وهي ترصد موقع الكاتبة على الإنترنت و تقرأ بريدها ثم تخرج عن محاولات اختزالها في مدلول تقليدي للأنوثة ، وفي حركة عكسية يصير الورق / النص موضوعا حيا غير واع للأنوثة . إنها الطاقة الخفية التي تسللت منها ساردة منى إلى واقعها لتعيد قراءته مع الدلالات الأخرى لرمز خديجة صديقتها.فهي الوجه الذي يبارك الانشطار واللعب بمجازيات الأنوثة و القضيب معا.هل كانت أحد وجوه الساردة الخفية ؟ أم أنها أثر ورقي يؤكد الإيغال الضمني في الأنوثة كصورة ديناميكية دائرية لا نهاية لها ؟
( 1-2) تصف الساردة مشاعر الأنوثة الممزوجة بلعب المجاز و التأملات مما يؤكد تجاوزها لمحور واحد من النسوية بمفهومها الأمريكي الاجتماعي الداعي إلى المساواة الحقوقية بالرجل و كما أكدت مني وفيق في حوارها مع صحيفة إيلاف على الجانب الإنساني في الإبداع فهي تلامس الأنوثة كمفهوم متداخل مضاد للأبوية في اتجاه الأنيما ( (anima و هي التأملات الشاردة المشتركة مع الذكر / المبدع عند باشلار .
فقد استسلمت بطلة مطر على ورق لحديث الحب الإلكتروني من خلال جماليات الإبداع الشعري للرجل المرصود و استطاعت استبدال صورته الواقعية الغريزية بأنوثة نصية قوية .
وقد ذكرتني في هذا بوصف ول ديورانت لمشاعر الفيلسوف كانط تجاه المرأة إذ كان يرفض أن يعامله الآخر كشيء في اتجاه واحد هو المتعة.
لقد تجاوزت ساردة منى حدود المركز الذكري و الآخر المضاد لتبحر في عوالم التناقض الأنثوي في النص المعادل لوجودها الواقعي .
ثانيا / في نصوص منى وفيق التحام خفي بين تطور السرد و خيالات المادة الكونية ، إذ تغلب عليها تحولات الهواء و عواصفه فالساردة سريعة التبدل و اختراق الآخر ثم نفيه ، ولكنها تحمل بداخلها جذوة نارية شديدة التدمير لذاتها العاشقة حيث تظل دائما في انتظار المطر المجسد لطاقات الإيروس .
ثالثا/ عاصرت في الآونة الأخيرة في كتاباتي النقدية لعدد من الكتاب الكبار مثل نجيب محفوظ و إدوار الخراط و جمال الغيطاني و نوال السعداوي أن أعمالهم اتجهت لذلك الشكل النصي المفتوح بين السيرة الذاتية و الإبداع و الكتابة للصحافة و منى بدأت في استخدام هذا الشكل جيدا في عدد من القصص مثل هي و مطر على ورق ففي الأولى تبدو شخصية هي واقعا يتجاوز الواقعية فيكتسب بعدا روائيا فصورة الفتاة تتجاوز مغايرتها للبطلة و تصير ذاتا متعالية شاعرة تحاول البطلة أن تبلغها و تستحضرها من الحلم إلى التاريخ الشخصي من خلال ألعاب النص و انتقاله بين التسجيل والوصف المجازي للفتاة.
رابعا/ في الخوارزمي باحثا عن صفره تصير معطيات الرياضيات صورة متحركة لها فاعلية حداثية في النص فالصفر صورة تستبدل الذات و تعبث بمصيرها في وعي المتلقي .
وفي نص بعنوان ( حشرتان و نجمة) تحوير واضح للظواهر الكونية ينعكس علي المعني الوجودي للراصد إذ تصير الحشرة تشكيلا دلاليا عبثيا لكل من الذات و النجم .
من هنا أؤكد وعي منى النقدي المتجاوز لكلاسيكيات الأدب و يواكب الحداثة و ما بعدها حيث تذوب الحدود و تتحول الظواهر.
خامسا/ الوصف الفريد لأنماط شخصية كان الأدب القصصي يتحاشاها مثل المشاعر الخفية للأدباء و قلق الإبداع و الخلق عند فنان تشكيلي و تلك الشخصيات الإلكترونية الفريدة التي تتميز بها منى وفيق و أتوقع أن تبرع في رسمها لأنها من العشاق لهذا الواقع الافتراضي .