الجنس في التراث الإسلامي



سعاد الحياني
2015 / 8 / 5


ظل الجنس موضوعا شائكا في الفكر الاسلامي،حتى أنه يمكن القول أنه من أكثر المواضيع التي تناولها بالتحريم تارة وبالإباحة والتفصيل غالبا.فالحديث عن الجنس كان حاضرا بقوة وفي كل الفضاءات حتى في المساجد "بيوت الله".وترددت كثيرا عبارة "لاحياء في الدين"كتذكرة لدخول هذا العالم من بابه الواسع دون احساس بالخوف أو الخجل.ولم يقتصر الحديث فيه على الرجال فقط بل كان للنساء نصيبهن الوافر فيه.ولعل عائشة زوج الرسول خير مثال على ذلك. ذلك أنها شكلت أهم مرجع للكثير من الأمور المتعلقة بالجنس.بل أفرطت في وصف العلاقة الجنسية في مواقف عديدة.وشكل الكلام عن الجنس ولا زال أكثر المواضيع إثارة بين مجموعات الذكور والإناث كل على حدة .و ترجم هذا الشغف بالكلام عن الجنس في الموروثات الفنية من شعر وزجل وغناء فالكلام عن الجنس متاح ومباح.والرجال والنساء على حد سواء يستمدون معارفهم الجنسية من مرجع واضح ومهيمن وهو التراث الاسلامي .ومع هذا فإن مجتمعاتنا الأكثر تناولا للجنس هي أيضا الأكثر كبتا ، وفيها يكثر التحرش والاغتصاب..ليس الآن فقط كما يذهب البعض بحيث ينسب هذه الظواهر إلى دخول قيم غريبة على مجتمعاتنا وتقليد الغرب في بعض أنماط الحياة ... بل كانت موجودة دائما وقائمة.و ليس الحديث عن الجنس هو كل ما سمح به الإسلام ولكنه سمح أيضا بممارسته و على نطاق واسع جدا .بدءا من السماح بتعدد الزوجات والطلاق الذي يتيح تغيير الزوجات إلى ملك اليمين حيث لم يحدد العدد وترك مفتوحا.كما لم يحصر الزواج في سن معينة. إضافة إلى أنه بامكان المرء أن يجد داخل الخليط الإسلامي إباحة لأي نوع من الممارسات الجنسية ،حتى الأكثر غرابة أو شدودا ،كالممارسة مع الحيوانات مثلا.ومع ذلك بقي الكبت هو العنوان الكبير لهذه المجتمعات التي تتحدث عن الجنس أكثر من غيرها وتمارس الجنس أيضا أكثر من غيرها.و ذلك لأن الخلل أعمق من هذا بكثير ويمتد ليصل إلى التصور الإسلامي للعلاقة بين الجنسين. على اعتبار أن هذه المجتمعات تستمد من التراث الإسلامي كل ما يتعلق بالعلاقات بين الرجل والمراة و كانت دائما أحرص ما تكون على تطبيق الشريعة في هذا المجال أكثر من غيره.حتى في عصرنا الحالي حيث تلجأ الدول إلى المؤسسات والقوانين الوضعية المستقاة من الغرب وتطبقها فيما يخص الحياة الإقتصادية والسياسية وغيرها.لكنها تحتفظ بقوانين الأسرة والإرث كما وردت في الشريعة الإسلامية.أما على المستوى الشعبي فقد ترسخت عبر القرون هذه النظرة المؤطرة للعلاقات الجنسية خاصة وللعلاقة بين الجنسين عموما وتوارثتها الأجيال بقداسة لا تقل عن تقديس النص الديني نفسه ممثلا في القرآن..
لا يحتاج القارئ للثرات الاسلامي لكثير من الجهد ليفهم أن الإسلام قد أطر لعلاقة غير متكافئة بين الجنسين .وأن هذا الفكر يصب بشكل خطير وغير مسبوق في تدعيم أسس مجتمع ذكوري بامتياز. ولا أبالغ إن قلت أنه أكثر فكر أسس ودعم فكرة تميز الذكر على الأنثى وأطرها وفصل فيها وضيق الخناق على المرأة حتى لم تعد تجد مخرجا،و روضها وقلم مخالبها فتحولت مع الزمن إلى كائن مستكين مهادن.وحور قوتها لتستعملها في حماية وتلميع قضبان سجنها عوض الإفلات منه . حتى إن لم ينجح تماما في اقتلاع الإنسان الكامن داخلها.
وهكذا أسس التراث الاسلامي لعلاقة غير متكافئة الأطراف تكون المرأة فيها مجرد أداة لإمتاع الرجل وخدمته والحفاظ على نسله. واختزلها في جسد وحتى هذا الجسد لا سلطان لها عليه ولاتملك منه شيئا فهو مجرد أداة متعة ووعاء للإنجاب ، وفوق ذلك هي مطالبة للحفاظ عليه بشدة وصون حقوق ملكيته التي ترجع للذكر"ابا واخا وزوجا".وتعاقب أشد العقاب إن هي أخلت بذلك . هذا بالنسبة للمرأة فماذا عن الرجل؟ إنه الكائن المتفوق وأهم ما يحقق هذا التفوق هو فحولته وقدرته الجنسية والتي تتجلى في كم حريمه ومدى سيطرته على هذا الحريم؟وليس أدل على ذلك أكثر من اعتبار شرف الرجل بين أفخاد نسائه .
فالتباهي بالقدرة الجنسية وتنوع الحريم وتعددهن من أهم مقومات شخصية الرجل التي ينشأ عليها ويفهم نفسه من خلالها منذ نعومة أظافره.وهذا لا يتحقق له إلا عبر المرور من احتقار و اضطهاد نساء تابعات له تكون غالبا الأخت في بداية عمره لتمتد إلى الأم والزوجات بعد ذلك.فماذا يكون الرجل أي رجل إن لم يؤسس دولة صغيرة تابعة له يصول فيها ويجول كما يشاء و يمارس سلطة مطلقة لا يحق لأي كان أن يقارعه فيها أو يحاسبه ويعيش العمر خائفا من فقدان هذه السلطة التي تعطيه وحدها ،وحدها فقط .شخصية معنوية يحيا بها وسط مجتمعه الكبير.
لقد تشكل مفهوم العلاقة بين الجنسين وفق رؤية مغرقة في الذكورية تميز الذكر وتحقر الانثى،ولأن هذا الأمر كان سماويا فقد أدعن الطرفين بدون مقاومة تقريبا .وبني الجنس على تناقضات أهمها :
-احتقارالجسد وتفاعلاته ومتطلباته:
-فجمال المرأة الذي يثير الرجل ووجه بالإحتقار بدل أن يواجه بالإعجاب، واعتبر فتنة وطولبت باخفائه عن الأنظار كما تخفى الخطايا.
-بخس الجسد عموما في العديد من النصوص كما تم مرارا التذكير أن الجسد من تراب وفقا لاسطورة الخلق .والتراب عادة يرمز لكل ما هو محقر ومدنس ومستباح من طرف الجميع.
-اذا كانت المرأة الولود مطلوبة ومرغوب بها "تناسلوا تكاثروا فاني مباه بكم ..." فإن الحيض والنفاس نجاسة تعاقب عليهما المراة رمزيا "عدم أداء الطقوس كالصلاة والصوم ،لمس المصحف،الدخول الى بيوت الله..." ما يترتب عليه نقصان دينها ..ويتحول هذا الإمتياز إلى نقمة وذنب تحمله المرأة.ويثير اشمئزاز الرجل.
-اعتبرت الممارسة الجنسية نجاسة لا يقبل الله صلاة المؤمن أو باقي طقوسه الدينية إلا بعد الإغتسال منها وبطرق معينة فليس أي اغتسال مقبول.فالمؤمن يبقى نجسا مذنبا حتى يقوم بما يشبه التعويذة على جسده ليخلصه من الاثم
-جردت العلاقة الجنسية من طابعها التشاركي والإنساني:
المرأة تكتفي برجل واحد لكن هذا الرجل له أن يستمتع بعدد غير محدود من النساء.والإستمتاع لا يرقى الى مستوى علاقة بل هو فعل يقوم به الرجل وأداته المرأة.وقد ترجم هذا على مستوى اللغة بحيث استعمل الفعل "نكح" وهو يختلف عن الفعل "مارس" الذي يفيد المشاركة "اي وجود طرفين" يتشاركان في الفعل.وهذا ما أكدته نصوص مثل"نساؤكم حرث لكم ..."التي تسلب من العلاقة الجنسية طابعها التشاركي ليكون الفعل فيها للذكر بينما الانثى مفعول بها ومسلوبة الإرادة.وهذا طبعا يتناسب مع دورها المحدود في كونها أداة للمتعة وليست شريكة فيها اطلاقا.مع إلزامها بالإذعان لرغبة الذكر في أي وقت. ولا يحق لها الرفض وإلا ووجهت بغضب الله وملائكته.فالإلزام هنا رباني لا يقبل النقاش أو التفاوض .وفعل النكاح لا يأخذ بالإعتبار رغبات الانثى انسجاما مع الخطاب العام الذي يشيئ المراة ويعتبرها كائنا من الدرجة الثانية"وللرجال عليهن درجة".ولا تختلف وضعية الأنثى الزوجة عن الأنثى الجارية في هذا الشأن إلا في المسميات.فكما يحق للرجل الإستمتاع بزوجاته يحق له أيضا الإستمتاع بجواريه في إطار علاقة جنسية مبثورة وغير طبيعية لأنها مفرغة مما هو انساني.بل هي مهينة إن نظرنا اليها بنظرة انسانية راقية .ففي الوقت الذي تسلب من المرأة انسانيتها وتعتبر شيئا وأداة للمتعة وتصبح عبدة للرجل الناكح المستمتع يفقد الرجل بدوره الكثير. يفقد انسانيته تباعا لأنه يدخل في علاقة هو فيها السيد المسيطر بأمر رباني وليس الرجل المرغوب فيه المحبوب .فهو شاء أم أبى يرى صورته في صورة منكوحاته فيبدو عبدا هو الآخر غير مكتمل وعبوديته تكون لغرائزه وحيوانيته ولا يحقق سوى لذة مؤقتة جزئية لا تحدث لديه من الإشباع إلا ما يلامس أعضائه الخارجية بينما يبقى عطشه الداخلي مستعر لا يعرف كيف يطفؤه مهما تنقل بين الأجساد.لأن الإنسان السوي يحتاج إلى انسان يتشارك معه لا إلى عبد يطيعه ولا يكون الجنس بالنسبة له إلا مسكنا يلجأ إليه كما يلجأ المدمن إلى المخدر ليسكن ضياعه.فالجنس تكامل بين الجسد والشعور والعواطف لا يتحقق الشبع إلا بإشباعها مجتمعة . والكيف فيه أهم بكثير من الكم.ولهذا فإن مجتمعاتنا لن تتخلص من الكبت وما يترتب عنه من مظاهر كالتحرش والاغتصاب وغيرها اإا حين يصبح الجنس علاقة مشتركة بالفعل بين الرجل والمرأة لا يحددها إلا رغبة كل منهما في الآخر واحساس كل منهما باحترام الآخر له وحبه له واختياره اياه بكامل الإرادة والحرية.وحين تسقط كل الإعتبارات أمام الإعتبار الإنساني في اختيار الشريك والتعامل معه على هذا الأساس .وحين يفهم كلا الشريكين أن انسانيته تكتمل حين تكتمل انسانية شريكه .