مشاركة المرأة العراقية في التظاهرات دليل وعيها



فواد الكنجي
2015 / 8 / 17

مشاركة المرأة العراقية في التظاهرات والاحتجاجات التي تشهدها بغداد احتجاجا على سوء الخدمات العامة وتكرار انقطاع في شبكة الكهرباء والماء وانتشار ظواهر الفساد والمفسدين في كل مؤوسسات الدولة وسرقة المال العام واستنزاف موارد البلاد وعدم صرف رواتب الموظفين في بعض القطاعات لعدة أشهر، بينما المتنفذين في السلطة من الوزراء والبرلمانين ينهبون ويسرقون دون محاسبة لدرجة التي أوصلوا الدولة بسرقاتهم وتهريب الأموال من إعلان حالة الإفلاس الكامل والاستعانة بالقروض والمساعدات الدولية, وقد عززت هذه السياسات من استفحال الفساد بمختلف مظاهره من سرقات وهدر المال العام والمحسوبية والمنسوبيه وحتى الفساد الأخلاقي بواجهات دينية مزيفة لا صلة لها بالدين، لنشهد على ضوء ما يستشري في جسد الوطن من حالة الفساد حتى تستباح أراضية من قبل الإرهاب فيحتلوا مدنه وأرضية وعبر مساومات رخيصة، و دون أن تتحرك مشاعر من هو في السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية لتحرير مدنه، وهكذا ظل الوطن يستنزف في كل الميادين الحياة، شبابه ينزف دماً في جبهات القتال مع الإرهاب بالأسلحة فاسدة استوردتها الدولة عبر صفقات مشبوهة وأسدل الستار عنها دون تحقيق في الأمر...! وهناك أكثر من ربع سكان الدولة يعاني من البطالة ومن دون أن تبادر الدولة طوال سنوات الماضية من إيجاد حل لذلك، وهكذا ظل الوضع الأمني والاجتماعي والاقتصادي يسير من سيئ إلى أسوأ، حتى حانت ألحظة الحقيقة التي لم يبق أمام العراقيين فيها، إلا أن ينزلوا إلى الشارع ليتظاهروا عبر احتجاجات ضد القائمين على إدارة البلاد في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والذين ظلوا كما هم يسيرون على نهجهم الفاسد الذي ألفناه والتمسنها خلال اثنتي عشرة سنة الماضية والمتمثل باللامبالاة وصم الأذان عن نداءات الاستغاثة التي يطلقها المواطنون يكتوون بحر الصيف بانقطاع الماء الصالح لشرب وشحت مشتقات النفطية في الشتاء وأزمة البنزيل والغاز ليعيشوا في ظرف معيشية أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها لا توفر الحد الأدنى من متطلبات الحياة التي يعيشها أناس في أفقر دول العالم، في وقت الذي يعتبر العراق من أغنى دول العالم المنتج للنفط ومشتقاته، ولكن ثرواته تستنزف من قبل ثلة من الساسة الفاسدين وتذهب خيرات الدولة للآخرين من المتاجرين والمقامرين والمتربصين بثروات الوطن ومن محتليه ...!
فلم يكن إمام الشعب الثائر إلا النزول إلى الشارع والتظاهر بشكل حضاري يليق بتاريخه وحضارته ليمهد للفاسدين مهلة لإصلاح أوضاع البلد لا خوفاً بل لوعيهم العالي بجسامة التحديات التي تواجه البلد بوجود الإرهاب الإسلامي (دواعش) على أراضية ويحتل عدد من محافظات العراق، ولإعطاء الوقت الكافي لإنضاج العملية السياسية التي كانوا يأملون منها بأنها ستسفر عن باب للخلاص بعد تضحيات جسام وسنوات مليئة بالدم والدموع والتضحيات لا حدود لها، تحمل عبئها المواطن البسيط والعائلة العراقية المتواضعة التي أنهكتها الحروب الطويلة ومعانات العيش المزري بقلة دخل الأسرة في وقت الذي تشهد الأسواق ارتفاق فاحش للأسعار السلع الاستهلاكية ولم تتدخل الدولة لإصلاح هذا الخلل، مما أدى كل ذلك إلى سخط المواطن من الأوضاع المتدهورة في البلاد على كل أصعدة الحياة ومن القائمين في إدارة الدولة الذي أساءوا التصرف واللا مبالاة...!
فنزلوا إلى الشارع بتظاهرات احتجاجية ولم يغب عن هذه التظاهرات أي من إفراد المجتمع الكادحين من العاملين والعاطلين عن العمل ومن الطلبة والشباب وشيوخ لتشاركهم المرأة ولتؤكد عن أصالتها كإنسانه تتفاعل مع أبناء مجتمعها في طريق النضال داعمة مطالب ابنها وأخيها وزوجها في مسيرة الاحتجاجات بكونها هي من حملت العبء الأكبر في إدارة شؤون المنزل في ظروف جدا قاسية بعدم وجد مصدر يكفي لتوفير مستلزمات العيش الكريم لأسرتها، لنجد كيف تأخذ دورها التاريخي على ارض الواقع بمشاركتها في التظاهرات والاحتجاجات مع أخيها الرجل تهتف وتطالب بحقوق شعبها كمواطنة عراقية وكغيرها من المواطنين العراق في الشارع العراقي، ولكي تمارس دورها في الحياة كموطنه وإنسانه تقارع الظلم وطغيان الساسة الذين يحكمون العراق بالجور والظلم والفساد ...!
فمشاركة المرأة العراقية في تظاهرات التي تجتاح اليوم في بغداد ليست الأولى لها بل كانت على الدوام في مقدمة كل احتجاجات الشعب ضد الفساد والمفسدين والطغيان الحاكمين، فقد شاهدناها في تظاهرات سابقة يطالبن بحقوقهن المهضومة والمسروقة، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، حين شرع - ومن نفس إدارة التي تحكم البلاد اليوم - قانون المسمى بـ(الأحوال الجعفري)، خرجت المرأة متظاهرة ومحتجة ضد هذا القانون كونه ينتهك حقوق المرأة والطفولة تحت اسم الزواج...!
موضحة إن هذا القانون يحرم المرأة من حقوق عديدة في الزواج والطلاق والإرث والحرية الشخصية وينزل بالمرأة إلى درجة متدنية، لهذا فان المرأة العراقية قررت التحدي بقوة والتصميم على إلغاء هذا القانون فواصلت التحدي والنضال من اجل نشر الوعي بين النساء في كل مكان من العراق وحثتهن على الانضمام إلى المظاهرات والاحتجاجات من اجل إسقاط هذا القانون بعدم تهميش دور المرأة في بناء العراق والتنقيص من منزلة و إنسانية المرأة ودعم وجود المرأة في مواقع القرار والمساواة مع الرجل في جميع المجالات للحد من معاناتها من التهميش ومظاهر العنف المختلفة، كما أنها ساهمت و نظمت مسيرات في الشارع وكتبت مقالات في كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة لتتصدى عن خطر التيارات الأصولية التي أخذت تنتشر في البلاد والتي تدعو لبقائها في المنزل، لتدعم مكانتها وتتصدى لقوى جذب إلى الوراء تهدد تطور وضع المرأة العراقية، وهذا يعني بان المرأة العراقية لها دورها وقيمتها لا ينقص عن قيمة ودور الرجل في صنع الحياة الحرة الكريمة العادلة وان مجال انخراطها في العمل لا يقتصر على منظمات المجتمع المدني فحسب، بل نشاهده أوسع من ذلك بكثير لترسم لها إشراقة بارزة في تظاهرات المحتشدة في شوارع بغداد اليوم المطالبة بالتغير والإصلاح، لتلعب المرأة دورا متزايدا علي الساحة السياسية تجلي في مشاركتها بقوة مع زوجها وأولادها في المظاهرات والاحتجاجات وأنها لم تعد الكائن الضعيف الذي يرضي بالظلم بدون التحرك لدفعه والمطالبة بحقوقها وبحقوق شعبها .
ان المرأة العراقية اليوم تقود حركة نسويه باسم المرأة تدافع عن حقوق الشعب وليس عن حقوقهن فحسب، وبما يلاءم ومكانتها في المجتمع العراقي بوقوفها بوجه كل من يهمش دورها الإنساني ويحول دون مساواتها مع الرجل في كل المجالات وخاصة في مجال القرار السياسي والنضال من اجل تحرير الوطن من المحتل وغدر الغادرين ومن اللصوص الذين ينهبون ويتلاعبون بخيرات الوطن .
فمشاركة المرأة في المظاهرات وبخروج طالبات المدارس الثانوية والجامعة تهتف ضد الفساد والمفسدين ويطالبن بالإصلاحات ليبرز دور التجمعات النسوة واتحاداتها دورا رئيسيا في هذه المظاهرات.
فالمرأة العراقية هي اليوم شريكا فاعلا وعاملا أساسيا في بناء دولة العراق الديمقراطي الحرة، ليسلط الإعلام العالم على صور النساء من غمرة المظاهرات والاحتجاجات يظهرن فيها حاملات للشعارات وللافتات التي تنادي بالإصلاح والاقتصاص من المفسدين.
فالمرأة العراقية هي ذاتها من تشجع وتحث زوجها وأبنائها وإخوتها لإرسالهم إلى ساحات الشرف في ميادين وساحات التظاهرات والقتال فداء للحرية والديمقراطية وشرف الوطن، فالنساء العراقيات هن من الدعامة الأساسية لتشجيع الشباب للخروج دفاعا عن الخبز والكرامة ، وهن يعلمن أن ابنها ذاهب للموت لكنها كانت تزغرد حين يستشهد لأنها تعلم أنها قدمت اغلي ما لديها فداء للعراق بل لقد شاهدنا والتمسنا وقائع نضالية للمرأة العراقية دفاعا عن الوطن ثم تواصل هتافاتها ونداءاتها وهي في مصابها، لتقول: بان لديها أطفالا آخرين قادرين على الذود عن الوطن...!
نعم نقولها بكل اعتزاز بان المرأة العراقية كانت على امتداد الإحداث التي عصفت بالعراق وما يحث اليوم من تظاهرات واحتجاجات في شارع العراقي في بغداد وبقية المحافظات عامل تحفيز نفسي وهي القوة المعنوية التي لولاها لما نجح المتظاهرون من الشباب والرجال في تجاوز عتبة الخوف والوقوف في وجه من يدير الدولة في السلطات الثلاث بكل ما يمتلكون من نفوذ و مليشيات وقوات وآلة قمع وتعذيب رهيب ، لتبقى إرادة الشعب اكبر من قوة الطغاة، هكذا علمنا التاريخ ونضال الشعوب من اجل الحرية، وقد شاهدنا كيف تسقط العروش والطغاة بقوة وإرادة الشعوب إن سعت إلى التحرر فهي قادرة مهما كانت قوة وبطش الحاكم والجلاد .
لذا فان المرأة العراقية التي اليوم تساهم بالقدر نفسه مع الرجل في إنجاح مطالب الشعب العراقي في الحرية والتغير والإصلاح، وإنها أكثر حرصنا على إنجاحها تخوفا من المستقبل، خصوصا مع إمكانية تنامي أحزاب الإسلام السياسي ذات توجهات أصولية في العراق والتي تريد إجهاض ما حققته المرأة العراقية من حرية و الديمقراطية، لذلك نرى أن مسؤولية المرأة الآن هو أكثر من أي وقت مضى، وما نلتمسه منها في مشاركاتها في تظاهرات الجماهيرية في بغداد يجب أن يستمر ويجب إن تحشد وجودها في المشهد العراقي أكثر وأكثر وان تتمثل في المقاومة والاستماتة للمحافظة على مكاسبها ودعم مكانتها في المجتمع والسعي لاكتساب المزيد من الحقوق والحريات وهي لقادرة على ذلك .