قضية المرأة بين رجعية الصادق النيهوم وحداثة يوسف القويري



أحمد البخاري
2015 / 8 / 17

يسألني بعض الأصدقاء، لماذا تحاول التقليل من الصادق النيهوم، لماذا هذه الهجمة الشرسة عليه، ولماذا تناصبه العداء، والحقيقة أنه ليس هناك أي عداء شخصي مع النيهوم، بل مع فكره، ورغم تقديري العميق لتميزه في قراءة وتحليل المجتمع الليبي وفضح عيوبه، إلا أنني في عداء شديد مع حلوله، وفكره السلفي اللذي يقدّمه، والبعيد تماماً عن الحداثة، وكما وصفه الكاتب "منصور بوشناف" في مقالته "من هنا إلى مكة" ، (النيهوم سلفي يرتدي الجينس)، ذلك الفكر اللذي لا يرغب بالقفز إلى الأمام أبداً، مكتفياً بالرجوع للخلف، محاولاً تقديم تفسيرات مغايرة أشبه ما تكون بالطبقات المكياجية الغير متناسقة.

ومن هنا، أصبح الإستغراب واجباً من تقديم فكر الصادق النيهوم، كفكر حداثي رغم سلفيته، وإهمال مفكرين آخريين كيوسف القويري، المفكر الحداثي اللذي فاق فكر النيهوم بمراحل، ولذلك وبدون أي تحامل، فإننا نحاول هنا تقديم قراءة متأنية ومقارنة بين هاذين الفكرين، في محاولة بسيطة لإعادة قراءة وترتيب أولويات الفكر الليبي.

وتبدو قضية المرأة هي أحد القضايا المهمة التي تكشف لنا عن الحداثة الفكرية، وقد سبق أن بينا جانب من نظرة النيهوم للمرأة من خلال نقدنا لكتابه "الحديث عن المرأة والديانات في مقال بعنوان "الشيخ الصادق النيهوم"، ويبقى لنا أن نقارن ما جاء في كتاب النيهوم بكتاب يوسف القويري "مدخل إلى قضية المرأة" ، لنتبين الفرق الشاسع بين الطرحين.

يبدأ الكاتبان بإستعراض المسيرة الإنسانية لتحرر المرأة من سلطة الرجل، فيتفقان أن البداية كانت مع عصر الثورة الصناعية في أوروبا حيث أستطاعت المرأة تحقيق إستقلالها الإقتصادي عبره، إلا أن الصادق النيهوم يبدي تخوّفه الواضح من هذه الخطوة، ويقول أن المرأة إرتكبت خطأ خفياً بالثورة على وظيفتها الأساسية، فقد أخلت بنظام وظيفة النوع، وعندما تحققت المساواة إكتشفت أنها وقعت في فخ آخر !! (صفحة 70) ، إذن ما الحل لدى الصادق النيهوم، الحل هو أن تلتزم المرأة بالوظيفة الأساسية لها وهي التربية والإنجاب (صفحة 61) ولا بأس أن تكون معلّمة أو مدرسة فهو عمل تربوي (كتاب نقاش صفحة 83) أو يمكن أن تعطى المرأة عمل في بيتها يهدف إلى تطوير الصناعات التقليدية مثلاً وليكن صناعة الحصير الليبي !! ( نقاش صفحة 90) ، ولهذا فإن النيهوم يطالب بوضع نظام تعليمي يكرّس لمهمة المرأة التقليدية (تربية الأطفال والإنجاب) ، وهي كارثة حقيقية سوّق لها الصادق النيهوم وهي إبطال خلق المنهج العلمي في عقل المرأة وتكريسها كمخلوق درجة ثانية تربي وتنجب ولكن لا تفكر !! ( راجل مقالة الشيخ الصادق النيهوم ) .

لنأتي ليوسف القويري، ولنرى وجهة نظره، يقول يوسف القويري في كتابه (مدخل إلى قضية المرأة) إن قضية تحرر المرأة شيء لا ينفصل عن ضرورة إشتراكها فعلياً في الإنتاج والعمل، والمجتمع التجاري (صناعة الحصير كمثال) هو قسم ضئيل من قطاع الخدمات، ومن ثمّ إحتياج رمزي ومجرد قشرة عصرية وطلاء لا غير، إن الإحتياج الحقيقي والشامل لا يؤثر إلا في مجتمع يتجه نحو التصنيع الواسع، وإشراك المرأة فيه كجزء هام من الطاقة البشرية، حينئذ لن تصبح المرأة ملحقاً إقتصادياً ذليلاً للرجل، كما أن إنقلاب وضعها المعيشي سيفتح أمامها دون شك أبواب التجربة الإجتماعية والخبرة والقدرة على كسب العيش والمعرفة والإستقلال الفكري، "فنضال المرأة من أجل التحرر، نضالها ضد التقاليد القديمة، أشكال تجمعها الرمزي، كتاباتها، كل هذا الجهد النظري والعملي الطيب المتنوع الذي تبذله إنما يرتبط أوثق ارتباط بكل جهد آخر يبذل من أجل التطوّر الوطني" (مدخل إلى قضية المرأة الصفحة 14, 15).


للحديث بقية في الجزء الثاني..