الهند تنحاز إلى إناثها



عبدالله المدني
2005 / 10 / 17

في خطوة وصفت من قبل المراقبين بأنها ثورية و عدت بمثابة انحياز رسمي إلى الإناث، قررت حكومة نيودلهي الشهر الماضي أن تعفي الأسر الهندية كليا أو جزئيا من رسوم التحاق فتياتها بالمدارس مع منحهن منحا دراسية في صورة مبالغ نقدية شهرية.

وينص القرار الجريء و غير المسبوق على إعفاء الأسر الهندية التي لديها طفلة أنثى من كامل مصاريف التعليم في المستوى الثانوي الذي يشمل الصفوف الدراسية من السادس و حتى الثاني عشر، بغض النظر عن المستوى الاقتصادي للأسرة أو مكان إقامتها أو عدد أفرادها، مع منح الطفلة راتبا شهريا في حدود 800 روبية سواء أكانت تدرس في معاهد رسمية أو خاصة. و حين انتقالها إلى المستوى الجامعي تستمر المنحة المالية الشهرية مع ارتفاع قيمتها إلى 2000 روبية. أما الأسر التي لديها طفلتين فإنها تعفى فقط من نصف مصاريف التعليم في المستوى المذكور.

وترمي الحكومة الهندية من وراء هذه الخطوة إلى ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. فالقرار يستهدف أولا الحد من ظاهرة مقلقة هي لجؤ بعض الأسر ولاسيما الأمية منها أو تلك التي تعيش في الأرياف الفقيرة إلى وأد مواليدها الإناث أو قيام الأم بعمليات الإجهاض بحسب نوع الجنين، و ذلك تخلصا من الأعباء المالية الكثيرة في المستقبل في ظل التقاليد و الأعراف التي تفرض تحمل أسرة الفتاة و حدها لمصاريف زفافها من الألف إلى الياء، أو خشية من الاستغلال الجنسي للفتاة حينما تكبر.

وتشير الإحصائيات الخاصة بهذه الظاهرة إلى تزايد أعداد النساء الهنديات اللواتي يرتكبن جريمتي الوأد أو الإجهاض بحق أطفالهن الإناث، رغم وجود قوانين محلية تحرم مثل هذه الأعمال و تعاقب أصحابها، بل وجود قوانين تشدد على الأطباء بعدم التصريح للنساء الحوامل عن جنس الجنين مسبقا. ففي ولاية "تاميل نادو" على سبيل المثال تعددت مثل هذه الحالات في السنوات الأخيرة و انتشرت من إقليمين إلى نحو 13 إقليما، إلى الحد الذي تبين معه انه من بين كل ألف طفلة حديثة الولادة يتم وأد 16 منهن.

ولم تفلح العقوبات التي فرضتها المحاكم على بعض الأمهات ومنها أحكام بالسجن المؤبد في الحد كثيرا من الظاهرة. وتقول جمعيات حقوق الإنسان المستاءة من مثل هذه الأحكام أن مرتكبات هذه الأعمال لسن سوى ضحايا مثلهن مثل الأطفال و الأجنة المقتولة بسبب الفقر و قلة الوعي و العادات البالية. كما وتشير هذه الجمعيات باللائمة على بعض الأطباء الذين يساعدون على ارتكاب هذه الجرائم سرا طمعا في الكسب المادي المضاعف أو الذين يخرقون القانون بإفصاحهم للأمهات الحمل أثناء فحوصات ما قبل الولادة عن نوع الجنين.

الهدف الآخر للحكومة يتمثل في الحد من ظاهرة الاختلال في معدلات الذكور إلى الإناث ضمن التركيبة السكانية و التي ازدادت في الهند في السنوات الأخيرة كنتيجة طبيعية لما سبق ذكره من تفضيل الأسر للأطفال الذكور، إلى الحد الذي دفع أحد الباحثين إلى إطلاق تحذير للهند و الصين معا من هذه الظاهرة و ما قد يترتب عليها في المدى المتوسط من مشاكل اجتماعية و أمنية خطيرة و ذلك في كتاب جديد له تحت عنوان " التبعات الأمنية للفائض السكاني من الذكور في آسيا".

وطبقا لآخر إحصاء سكاني أجري في الهند في عام 2001 فان معدل عدد الإناث إلى الذكور هو 900 -1000 ، غير أن هذه النسبة تتفاوت من ولاية إلى أخرى وقد تزداد حدة كما في ولاية بيهار مثلا التي يوجد فيها 796 امرأة لكل ألف رجل، مما حدا بسكانها الذكور إلى البحث عن زوجات من خارج الولاية أو من بنغلاديش المجاورة، فيما شرعت السلطات و المنظمات المحلية في تقديم حوافز مالية للأمهات الفقيرات تشجيعا لهن على نبذ الوأد و الإجهاض في حالة كون المولود أنثى.

إلى ما سبق ذكره تستهدف الحكومة من قرارها الحد من تسرب الأطفال من المدارس بسبب الفقر و الحاجة التي تجبر الأسر على دفع أطفالها إلى سوق العمل بدلا من مقاعد الدرس. و تتضح الصورة أكثر حينما نعلم أن 20 بالمئة من أطفال الهند ما بين عمري 6-14 وجلهم من الإناث لا يزالون خارج مقاعد الدراسة، و أن الفتيات يشكلن فقط نسبة 43 بالمئة من المنخرطين في التعليم الابتدائي و نسبة 39 بالمئة من الدارسين في المستوى الثانوي. هذا على الرغم من جهود الدولة المكثفة لنشر التعليم للجنسين والتي انخفضت معها نسبة الأمية من 48 بالمئة في عام 1991 إلى 35 بالمئة في عام 2001 ، ناهيك عن قرارها بإضافة نص إلى الدستور في عام 2003 يجعل من التعليم الابتدائي حقا أصيلا للأطفال و قيامها بوضع خطط تهدف إلى حصولهم كل أطفال البلاد مع نهاية عام 2010 على 8 سنوات من التعليم الأساسي الجيد على الأقل.

ومن ناحية أخرى يمكن النظر إلى القرار كنوع من السياسات الهادفة إلى تخفيف درجة الفقر، الأمر الذي يلتقي مع أجندة الأمم المتحدة و منظماتها المتخصصة للألفية الجديدة حول محاربة الفقر في العالم. ذلك أن مكافأة بعض الأسر بإعفائها من المصاريف المدرسية و دفع منح نقدية لبناتها الدارسات، لا شك انه سيزيح عن كاهلها جزءا من الأعباء المالية و يجعلها في وضع معيشي أفضل، لا سيما وأن الأسر الهندية بصفة عامة عرفت بإعطائها الأولوية القصوى في توزيع دخلها إلى الإنفاق على تعليم أطفالها.

كما يمكن النظر إلى القرار من زاوية كونه وسيلة من وسائل الحد من الانفجار السكاني، و الذي يرى رئيس الحكومة الحالية مانموهان سينغ انه لكي ينجح يجب الابتعاد فيه عن استخدام الأدوات القسرية مثل التعقيم الإجباري للذكور و الذي مورس في السبعينات، وإعطاء الأسر مطلق الحرية في تحديد عدد أطفالها مع التركيز على الارتقاء بمستواها المعيشي و التعليمي و الصحي، انطلاقا من فرضية أن الأسر المتعلمة اقل إنجابا. حيث أثبتت الدراسات أن بعض الأسر الهندية، ولا سيما الفقيرة و الأمية منها، التي لا ترزق بأطفال ذكور تعاود الإنجاب المرة تلو المرة إلى أن تنجب طفلا ذكرا، بكل ما يترتب على هذه المحاولات من إرهاق صحي للأمهات و أعباء معيشية للأسر وإضافات رقمية رهيبة لعدد السكان. وهكذا فان القرار الأخير يفترض أن يغرى الأسر على تغيير هذا السلوك في إنجاب الأطفال طمعا في الاستفادة مما يتضمنه من مكافآت و إعفاءات مالية.