المرأة العربية2: الخمار ليس الحجاب



أفنان القاسم
2015 / 8 / 21

أولاً
في سورة النور نقرأ (31): "وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ...". الخمار ما تغطي به المرأة رأسها والجيب هو صدرها وأن تضرب بخمارها على جيبها يعني أن ترميه على صدرها، وبكلام آخر على المرأة المؤمنة أن تخفي صدرها، هذا كل ما هنالك، لهذا السبب لم يقطع القرآن بعدم الزينة عندما نقرأ "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها"، وفي الوقت ذاته لم ينثن تحت وطأة مغرياتها عندما حدد بعضها: "...وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".

ثانيًا
لاستجلاء غوامضها، جعل الزينة تتوقف على ما يظهر منها، ولهذا السبب لم يُدِنْ الأخريات من النساء، فأنا لم أر امرأة في الشرق أو في الغرب لا تغضض من بصرها عندما تمضي برجل ولا تحفظ فرجها ما عدا المومسات ومن لف لفهن وهن شريحة من المجتمع قليلة لا شأن لها. هذا ما فهمه القرآن وما لم يفهمه المزايدون عليه من أتباع وأئمة، أو أنهم فهموه ولكنهم حرفوه من أجل الهيمنة ولصالح السياسة القائمة، فيكون الخطل في الكلام، وتتحول الآية إلى نظام من التحذير الغير المباشر من الرجل وعالمه الذكوري المهيمن بقضيبه تحت كل استعاراته، هذا العالم الذي يحيا بدافع المبالغة، وهكذا غطى الرجل الذكر كل جسد المرأة الأنثى بدلاً من صدرها، لأن بنية الإيمان لديه زئبقية، وروّع كل النساء بدلاً من بعضها، لأن بنية الحكم لديه هَيولية. لكن بدافع الارتكاس الواقي، يمكن تمثيل المنطق الصوري للآية بالرمز عندما تصبح التربية القويمة معيارًا وحرية المرأة المبتغاة من حرية الرجل المتمثلة ليس بقضيبه وإنما بالمعرفة وسمو الأخلاق. هكذا أفهم رموز الدين على الأقل في وقتنا المعاصر ورموز الشعب، عربيًا كان أم غير عربي، كي "أتفضى" من أجل مواجهات أخرى وجودية في الصراع العالمي العولمي الدائر الساعي إلى تقديم اللا أساسي (الحجاب) على الأساسي (العيش مجرد العيش بكل بساطة) المتمثل بمستقبل أمة منهوبة مثكولة منكوبة بأرضها وإنسانها.

ثالثًا
الضجة المفتعلة أمس حول تصريحات الرئيس الفرنسي السابق نيقولا ساركوزي تصب في هذا المصب، علمًا بأن نيقولا ساركوزي لم يقل بمنع الحجاب، وإنما بمنع "البرقع"، الحجاب الأفغاني المذل سيميائيًا، أي في رموزه وعلاماته، وكلنا يعلم أنه لا توجد في كل فرنسا أكثر من مائة امرأة ترتديه. الضجة المفتعلة أول أمس حول كتاب سلمان رشدي "آيات شيطانية" تصب أيضًا في هذا المصب دون أن يقرأ أحد كتابه، والقارئ لكتابه سيجد أن سلمان رشدي قال عن نساء النبي ما كان يجري بالفعل في تلك الأيام من معاملة القريشيين لهن وخاصة الأثرياء منهم وأولي الحكم على اعتبار أن محمدًا عدوهم السياسي، وفتوى خميني ما كانت من أجل هذا، كانت الفتوى في ظاهرها من أجل هذا، وفي باطنها لأن رشدي قد شبهه بالبالع كالضفادع لشعبه، فتغطى السياسي الذي كانه بالديني تغطي المرأة بالحجاب وبآلاف السنين من القهر.

رابعًا
لكن، هناك دومًا لكن، حسب تجربتي الجامعية، كانت المحجبات من بين طالباتي الأكثر اندماجًا في نقاشاتي، الأكثر جرأة، الأكثر إغراءً، بابتسامتهن الساحرة أو بصوتهن المثير للحلم الغير البريء، أقول هذا للرجل الذكوري على الخصوص، كي يفهم أن المرأة بارتدائها الحجاب أو بنزعه، تبقى امرأة، هذه هي طبيعتها الأنثوية حتى ولو ألبسناها الحديد، ولأذكّر أن في فرنسا القرون الوسطى، كان الزوج يقفل بالحديد على فرج امرأته عند غيابه، ومع ذلك كانت تتمكن –لو أرادت- من الوصول إلى غاياتها، لأن كل شيء يتوقف على إرادتها كامرأة كما يتوقف كل شيء على إرادة من تقع عليه رغبتها كرجل، وكل ادعاءات العفة والطهارة والنقاء عند المجرمين في حقها من شيوخ وآباء وإخوة، ادعاءات زائفة، لأن المرأة هي حريتها، بحجاب أو بغير حجاب، هذا ما كنت أشعر به وطالباتي المحجبات يتناقشن معي، كن حرات بدافع أنوثتهن، وذلك بوعي منهن أم بغير وعي، فما فائدة الحجاب إذن؟

خامسًا
بناء على ما سبق أقول إن الحجاب أمر المرأة قبل أن يكون أمر الرجل، فكثير من النساء العربيات النيرات وغير النيرات يدركن هذه الناحية الخاصة بأنوثتهن التي تتجاوز كونها بحجاب أو بتنورة، وأن رب الأرباب لو جاء بكل كتبه السماوية للتشريع في أمرها لما استطاع أن يقمع رغباتها، وعلى العكس بإرضاء هذه الرغبات يوثق العرى بينها وبين شريك حياتها، فإرضاء رغبات المرأة لا يعني تعهيرها كما يظن الكثير من عندنا بخصوص المرأة في الغرب، بينما في إرضاء هذه الرغبات نجعل من المرأة صرحًا من الأخلاق، لا يمكن لأحد اختراقه، ومن شخصيتها أقوى شخصية. والحال هذه، استحالة زواج الرجل من أربع لن يكون لعائق اقتصادي بل لقرار حر تتخذه المرأة كامرأة لا كمحجبة (أو غير محجبة)، اختيار الزوج للمرأة المحجبة (ولغير المحجبة) من طرف الوالدين لن يكون كصفقة تجارية يغلب فيها الربح على الخسارة بل كعقد حياتي توقعه المرأة كامرأة لا كمحجبة (أو غير محجبة)، وبشكل أعم ستتحرر المرأة المحجبة (وغير المحجبة) من شتى القوانين الدينية حتى ولو كانت هذه القوانين سائدة في مجتمعاتنا، وبالتالي ستضطر السلطات إلى القيام بإجراءات تأخذ بعين الاعتبار ما توجبه الحياة الحديثة.


يتبع المرأة العربية3