حقوق المرأة والطبقات والعلاقة مع المادية التاريخية - التلقائية - والحتمية التاريخية



مصطفى محمد غريب
2005 / 10 / 20

تجري الكثير من الاحاديث عن حقوق المرأة بدون ربطها بالحقوق المدنية وكأنها منفصلة عن المجتمع الطبقي وهي تعيش وحيدة في كوكب آخر بعيداًعنه ولهذا اصبح الحديث عن تركيب المرأة طبقياً او الانحدار الطبقي عبارة عن شتيمة لحقوق المرأة وانتقاصاً من مكانتها الاجتماعية وهنا يجري اسقاط الموضوعة دون وعي في تنظيرات تقف موقفاً معادياً أواصلاحياً لمفهوم الصراع الطبقي والصراع الاجتماعي بما فيها الصراع ضد الاستثمار والهيمنة والاستغلال التي تتعرض له الطبقات المسْتَغلة " بفتح العين " وكذلك شغيلة الفكر واليد وبهذه الحيلة البرجوازية الدفاع عن حقوق المرأة " حاف " بدون تحديث الرؤيا للصراع العام وتحقيق الديمقراطية السياسية وحقوق الانسان كانسان في المجتمع تفقد الموضوعة اهميتها وتبسيط مطاليب اولئك الذين يرون في المرأة عالما منفصلاً عن واقعه وعليه وحسب رأيهم يجب عدم ربطها ونضالها من اجل الغاء الاستغلال والحقوق والحريا ت العامة بل فقط الحديث عن تحقيق حقوقها المهنية والاقتصادية والسياسية منفصلة عن الحقوق المدنية الاخرى، هذا الخلط والتصور التبسيطي يخلق نوعاً من التداعيات المتناقضة مع بعضها البعض والوعي المشوه تجاه المرأة كانسان ينتمي الى طبقة ولها جذورها الطبقية ايضاً حالها كحال اي رجل في المجتمع بغض النظر عن التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية في الزمان والمكان المحددين لها، ولو رجعنا الى التاريخ ووفق مفهوم المادية التاريخية وبحثنا في تلك التشكيلات السائدة حينذاك لوجدنا ان الحقوق كلها كانت تقريباً مغيبة تحت هيمنة الطبقات السائدة التي تسيطر على السلطة السياسية فلا توجد حقوق لا للرجال او للنساء المنحدرين من تلك الطبقات المستغَلة، ومنذ ان ظهرت الرسمالية كنظام سياسي اقتصادي اجتماعي اشتد الاستغلال الطبقي المتنوع الاشكال والاساليب واشتد الصراع الطبقي، وهنا تجدر الاشارة ان تحقيق بعض الحقوق للمرأة في هذه المجتمعات ولاسيما الغربية تزامن مع تحقيق بعض الحقوق العامة للطبقات الاجتماعية الاخرى على الرغم من سياسة التمويه والاصلاحات غير الجذرية والقهر والارهاب المتنوع شكلا واسلوباً، لأن حقوق المرأة مرتبطة اساساً بالحقوق المدنية والمجتمع المدني ولا يمكن فصلها عنها كما ان الحقوق الاخرى للمرأة في انتمائها الطبقي مرتبط بحقوق طبقتها التي يتحدد دورها في العمليات السياسية ومدى الهيمنة على مقاليد السلطة، فالمرأة الراسمالية او من الطبقات البرجوازية الكبيرة لا يمكن فصلها عن طبقتها وحقوقها ونظرتها السياسية والثقافية والاجتماعية، والمرأة العاملة والفلاحة والموظفة وغيرهن مرتبطات مع طبقاتهن وواقعهن السياسي والاجتماعي والثقافي.. الخ وهنا يتحدد نوع الصراع لكل عنصر كفرد له اهمية في التاريخ وكطبقة تسعى من اجل السلطة السياسية. لكننا في الوقت نفسه لا ننكر بالاضافة الى ما تتعرض له المرأة من استغلال طبقي وسرقة قوة عملها اذا كانت تعمل فهناك تغيب للكثير من حقوقها الاخرى وما علينا ان ان نربط صراعنا من اجل انهاء الاستغلال بالعمل من اجل الحقوق المشروعة للمرأة في العائلة والمجتمع .
ان النظرة الاصلاحية لحقوق المرأة تعمل بكل ما تستطيع عليه الى فصل هذه الحقوق عن الصراع الطبقي وبالتالي يكمن الهدف الاساسي في تسخيف الصراع الطبقي والتموية على مصطلح الطبقة وموقعها من الانتاج ووسائل الانتاج وهو التفاف ذكي على حقوق المرأة لكن من زاوية اخرى حيث يجري خلق وعي مشوه لدى النساء بالابتعاد عن الصراع العام والاكتفاء بالمطالبة بحقوقهن وكأن حقوقهن منفصلة عن الحقوق المدنية العامة وهذا ما نقرأه في الوقت الحاضر من بعض الكتاب والكاتبات الذين يروجون لفكرة الاستقلالية المطلقة والاكتفاء بالحقوق الخاصة جداً الاقتصادية والسياسية والمهنية وبعض الحقوق العامة للمرأة ولا يكتفي هؤلاء الكتاب في الوقوف في هذه النقطة بل ينتقلون لتشويه مواقف قوى اليسار التقدمي وفي مقدمتهم الاحزاب الشيوعية بتمرير مواقف حول المادية التاريخية وتجلى هذا الموقف مع الاسف الشديد في مقالة للسيدة الشاعرة والناشطة لحقوق المرأة بلقيس حميد المنشورة في الحوار المتمدن بتاريخ 16 / 10 / 2000 تحت عنوان " المكرمات في موت البنات" وللحقيقة لم اجد العنوان يتطابق مع ما ارادت ان توصله الكاتبة حول " هل لا بد ان نعيش بلهاء وننسى عقولنا واحلامنا وافكار درسناها وتعلمناها وآمنا بها لأن علينا ان ننتظر المادية التاريخية من تلقائية الوصول الى المجتمعات اللاطبقية " انا لا اعرف كيف يمكن ان نفهم المادية التاريخية " التلقائية " حسب تسمية الكاتبة لها واي غبي يساري او تقدمي مع احترامي لرأي الشاعرة ينتظر المجتمع اللاطبقي بدون تدخل البشر بجرة قلم رصاص، فعندما نقول الحتمية التاريخية لا يمكن فصلها عن نشاط الناس ودخولهم حلبة الصراع وهذا ما جرى ليس منذ البدايات الاولى للماركسية وانما منذ نشوء الطبقات في التاريخ البشري والا كيف زالت الطبقات وتشكيلاتها الاجتماعية، العبودية، الاقطاعية " تلقائياً!! " ام بفعل النشاط البشري الفردي والجماعي. ولم اقرأ لأي كاتب يساري او تقدمي اذا كان فعلاً كاتباً من هذا النوع ان اقترح تأجيل الصراع والانتظار في البيت او المقهى أو الحانة لأن المادية التاريخية "التلقائية" والحتمية التاريخية سوف تحقق حلم الانسانية الكبير في العدالة الاجتماعية والرفاه الاجتماعي .
تعتبر المادية التاريخية جزء اساسي في الفلسفة الماركسية " وعلم فلسفي عن المجتمع ونظرية سوسيولوجية عامة" وكما قيل ان المادية التاريخية ثورة في الاراء المتعلقة بالمجتمع وتاريخه حيث تم استبدال النظرة غير العلمية المثالية للتاريخ الى نظرة علمية، ولهذا فان التاريخ حسب المادية التاريخية هو من صنع البشر ولا يمكن ان يكون هذا الصنع تلقائياً لا بل لاتوجد اشارة واحدة عن حدوث التلقائية لوحدها ودون اسباب ونتائج ، اما الذين يتحدثون عن التلقائية والانتظار فهم ليسوا بالماركسيين او اليساريين او حتى التقدمين وان ادعوا ذلك وكان الاجدر بالشاعرة المحترمة ان تعرف ذلك وتصنفهم ليس على اليسار والتقدمية بل على الاصلاحية والتحريفية واليمين ومنظري الرأسمالية المختلفين لأنهم يحاولون تشويه المادية التاريخية ونظرتها للصراع في التاريخ. للعلم حتى ان بعض الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية بدأت تعلن مواقفها من الصراع الطبقي الدائر بشكل مكشوف ولكن على الطريقة الاصلاحية التآخي بين الرأسمال والعمل المأجور للوصول الى الاشتراكية.. اشتراكيتهم!
ان المادية التاريخية اظهرت باكتشافها قوانين التطور الاجتماعي بأنها ليست غيبية أوتقوم بدون ارادة الناس، فهم اي الناس الذين " ينفذونها ويجسدونها، لكن التاريخ يُفعل مليارات من الناس الذين تتصادم وتتلاقى افعالهم وتصرفاتهم " وهذا هو جوهر الفهم الديالكتيكي للعملية التاريخية فليس من المعقول اتهام التقدمين واليساريين الحقيقين بانهم لا يفهموا هذه القضية المحسومة والمعروفة لهم.
ان قضية حقوق المرأة في برامج الاحزاب اليسارية وبالذات الشيوعية منها والسيدة الشاعرة تعرفها جيداً لم تكن يوما مفتعلة ولا طارئة ولا تمثيلية للكسب الحزبي او غير الحزبي وحتى في في دول اوربا الشرقية والاتحاد السوفيتي السابق التي كانت الاحزاب الشيوعية تقودها وعلى الرغم من الاخطاء والنواقص وسقوط تلك التجارب وهي ليست نهاية التاريخ، فقد كانت المرأة تتمتع بكثير من الحقوق تضاهي جميع قوانين الدول الرأسمالية حتى المتطورة صناعياً والقاء نظرة خاطفة عما تعانية المرأة في هذه الدول وفي مقدمتها الدعارة وضريبتها والاعتداءات والاغتصابات وعدم تساوي الدخل والاستغلال وتقليص المساعدات الاجتماعية وقلة فرص العمل وغيرها وباعتراف المنظمات النسائية في هذه البلدان وفي مقدمتها تلك المنظمات ( Krisesenter كريسه سنتر ) التي توفر اماكن سكن سرية جداً لحماية المرأة وحقوقها في اكثرية مدن بلدانها بينما تبقى القوانين عاجزة والحقوق تضيع ما بين المحامين والمحاكم وتفضيل حقوق الرجل عليهن، تظهر الحقيقة جلية على الرغم من الهالة البراقة التي يقارنها البعض من منظار رؤية واقع بلدانهم والقوانين المتخلفة التي تسود فيها، اما تعميمها في محاولة لنيل من هذه الفكرة بحجة بعض المثقفين الذين تضعهم على خانة اليسار والتقدم ظلماً والذين يعانون من عقدة النقص بالنسبة لحقوق المرأة وبشكل مبطن فقد ابتعدت عن موضوعها الاساسي وكأنها كانت تحتاج لتعلن موقفاً غير صحيح بقولها " فمن يعتقد ان قضية المرأة مفتعلة وليس للمرأة سوى الانتظار قرون بعد قرون من السنين حتى يتم الاجهاز على رؤوس الاموال وتتوزع بالتساوي بين الناس ومن ثم يتم القضاء على القوى الكبرى المتحكمة بالعالم وحتى يتم اشاعة وسائل الانتاج وتقسيمها بين الناس بالتساوي وحتى تؤسس الجنة على الارض وان ننتظر الحتميات التاريخية.. الخ " (وهنا المعنى في الوخز والشاطر يفهم).. من قال ذلك هل هي المادية التاريخية او الحتمية التاريخية التي يجب ان تكون بفعل دور ونشاط الجماهير والفرد.. ان كلما اشارت اليه السيدة الشاعرة اعلاه يخص الشيوعيين والنظرية الشيوعية وحدها فما ارتباط هذا الحديث الغريب بحقوق المرأة او كما هو عنوان المقال " المكرمات في موت البنات " ولماذا هذا الخلط بين هذه الافكار التقدمية النيرة التي ستكون بفعل الصراع ونضال البشرية التقدمية حقيقة لا بد منها يوما ما مهما ابتعد هذا اليوم زمنياً ومهما كانت التضحيات جسيمة، وهل من المعقول المقارنة مع الفكر الرجعي السلفي الاصولي اليميني حول قضية المرأة وحقوقها؟ لا اعرف بالضبط كيف يمكن الجمع في هذه الموضوعة الشائكة وبين المتناقضات اساساً في الموضوعة اعلاه..
مرة اخرى ان النضال من اجل اقرار حقوق المرأة والغاء التجاوزات والاعتداءات وظلم الموروثات القديمة مرتبط اساساً بالنضال من اجل الديمقراطية والحريات الشخصية والعامة ولا يمكن فصلهما عن الصراع العام الجاري بين القوى التقدمية واليسارية والنظام الرأسمالي داخلياً وخارجياً ففي كل انتصار للطبقات المسْتَغلة والقوى الوطنية الديمقراطية الحقيقية هو انتصار لحقوق المرأة ولا يمكن ان تمنح الحقوق كاملة للمرأة بشكل منفصل عن نضال الشعب في الانعتاق والتطور والتقدم او حتى في الانظمة الرأسمالية المتطورة صناعياً لأن هذه الانظمة مبنية على استغلال الانسان وقوة عمله على الرغم من الفرق الشاسع مابين البلدان الغربية التي قطعت اشواطاً عديدة في مجال التقدم وبفضل نضال شعوبها وليس بفضل مكارم الرأسمالية والرأسماليين وبلداننا التي تسمى بالبلدان النامية . ولهذا نرى ان نضال القوى الوطنية الديمقراطية " تيار اليسار العراقي " تكافح من اجل تحقيق الديمقراطية ومن اجل دستور علماني يفصل الدولة عن الدين ويثبت الحقوق المدنية بما فيه حقوق المرأة والا لن تكون مليارات الوعود والمقالات الحارة حول تحقيق الديمقراطية وحقوق المرأة الا غيوم صيفية سرعان ما تحملها الرياح بعيداً وبدون ان ينفذ اي شيء منها.