أريد



زين اليوسف
2015 / 9 / 13

لطالما فكرت في الفرار إلى أي بلدٍ آخر من أجل الحصول على اللجوء أياً كان نوعه..لماذا أرغب في الحصول عليه؟؟..لا أعلم حقاً لماذا تتساءل!!..هل بالفعل لا ترى الإجابة واضحة المعالم أمام عينيك!!..حسناً حسناً سأتحملك قليلاً و سأمنحك بعضاً من أسبابي و ليس كلها بالطبع..فذلك البعض الذي لا يمكنني البوح به أُلقي به في مُعتقلٍ شديد الحراسة و لهذا لا يمكنني مساعدته على الفرار منه..الآن على الأقل.

أريد أن أفعلها لكي أتمكن من "ممارستي" دائماً و ليس في أوقاتٍ متباعدةٍ و نادرة..أريد أن أشعر بكل تلك الهويات التي أداريها تحت جمود ملامح أقنعتي و هي تنسل متحررةٍ الواحدة تلو الأخرى من تحتها..أريدها أن تتحرر مني و من قبضتي التي تشتد حول أعناقها كلما اشتدت قبضة المجتمع حول عنقي أنا مهددةٍ كلينا بالانسحاق كلٌ بالآخر..لهذا أريد أن نفرَّ معاً من تلك القبضة أو على الأقل أريد أن أساعدها في الفرار وحدها لعلها حينها تغفر لي سنوات قمعي لها.

أريد أن أمارس هويتي الدينية بشكلٍ علني و دون أي خوف من النبذ و الذي أكترث إليه قليلاً أو ما هو أسوء أي القتل و هو ما أكترث لأمره كثيراً..أريد أن أعلن عن آرائي الدينية دون أن أشعر بأنه يجب عليَّ أن أداريها خلف اسمٍ ما هويةٍ ما وصفٍ هُلاميٍ ما تتصف جميعها بالزيف..أريد أن أملأ خانة الدين في هويتي الشخصية بيديَّ هاتين لا بيد موظف الأحوال المدنية و التي ترسم كلمة فُرضت وجودها في عالمي من قبل أن أتشكَّل في رحم والدتي.

أريد أن أمارس هويتي الفكرية دون أن أتعرض للتسفيه لأني أنثى و دون أن أتعرض للقمع لأني لا أتفق مع الجموع التي اختارت ما لا أرغب حتى في استكشاف مذاقه على روحي..أريد أن يكون لي رغم قصور عقلي -الذي ورثت تهمته هذه منذ مئات السنين- القدرة على الحديث في أي أمرٍ كان دون أن يتم مصادرتي باستمرار حتى بتُّ أشعر أنه أصبح من واجبي التحول إلى سمكةٍ ميتة تنجرف سريعاً -بجسدها الفاقد للروح- مع التيار.

أريد أن أتلمَّسني..أن أتلمَّس حدود جسدي و أن أكون قادرةٍ على منحه أي رداءٍ يروق لي أو له..لا أريد أن أقضي ما بقي لي من عمر في زهدٍ تام تجاه الملابس لأني أعلم علم اليقين بأن ليس هناك آخرون سيرونها فهي مُتدثرةٌ أغلب الوقت بسوادٍ فُرض على أجسادنا ليكون كل ما بقي لنا هو أن نقاوم فقط تسلله نحو عقولنا..فترانا ننجح أحياناً و نفشل أحياناً كثيرة.

أريد أن أمارس بعضاً من السادية تجاه شعري فأضطهده بالطريقة التي تروقني دون أن أخضع لتلك التصنيفات الحمقاء و التي تجعله حتى هو لا ينجو من وجوب خضوعه لسلطة المجتمع الذكوري..أريد أن يكون لي الحق في إطالته أو إزالته من الوجود دون أن يواجهني ذلك السؤال المندهش من هيئته في كل مرةٍ أحاول فيها ممارسة تلك السلطة القمعية تجاهه..أريد أن أفعل به ما أشاء حتى لو كان ذلك هو أن منحه هيئةً ذكورية.

أريد أن أقع في الحب مع من لا يكترث لطول شعري أو لشكل ملابسي..لا أريد من يفترض فيني طُهراً لسوادٍ يلفُّني أو لشَعَرٍ أجيد إخفاء تفاصيله عن أنظار الآخرين أو حتى لغشاءٍ رقيقٍ أحتفظ به بين ساقيَّ..أريد أن أقع في الحب و أن يكون ذلك الأمر أمراً طبيعي يحق لي إعلانه لا ستره و ممارسته في الخفاء مع الكثير من الخوف و كأني وسيطٌ لنقل المخدرات أو الخمور في دولةٍ متشددةٍ دينياً..وسيطٌ يعلم أن ما يقوم به سيؤدي حتماً يوماً ما إلى أن يحلق عنقه بعيداً عنه بسببه.

أريد أن أشعر بحدود قدراتي و أن أتعرفها بل و أقف عندها متأملةً لما هي قادرةٌ على فعله و لما هي عاجزةٌ عنه..لا أريد أن أشعر -كما أشعر الآن- بالعجز الدائم و كأني مصابةٌ بشللٍ رباعي..أريد أن أكتب و يكون لي وحدي القرار في أن أتخلى عن زين أو أن أحتفظ بها..أريد أن يكون لدي الخيار في أن أستمر في التواري خلفها أو أن أجعلها هي من يتوارى خلفي..أريد أن يكون لي مطلق الحرية في الإبقاء عليها أو إحالتها إلى التقاعد..أريد أن تكف عن سرقة أفكاري و تنميقها و وضعها تحت اسمها متباهية بما لا يعود إليها ملكيته في واقع الأمر.

أريد أن يكون لي الحق في اختيار من يروقني لكي يخدمني في منصبٍ حكومي..لا أريد أن أمرغ إبهامي في الحبر من أجل أمورٍ حُسمت من قبل أن أفعل به ذلك..أريد أن أشعر بأني مواطنةٌ تملك تحت سلطتها موظف برتبة رئيس جمهورية لا أن أشعر بأني جاريةٌ تُقيم في سوق الحريم و لا تملك إلا أن تطيع ربها الذي من حقه أن يحييها و يميت دون أن يبدي أي أسبابٍ منطقيةٍ لذلك.

أريد و أريد و أريد..و ما زلت أريد و سأظل أريد..لهذا احترمت كل روحٍ توفت على شاطئ بحرٍ ما..احترمتها لشجاعتها التي نفتقد إليها جميعاً حتى لو ادعينا عكس ذلك..احترمتها لأنها أرادت ما نريده أو ما زال البعض منا يريده..احترمتها لأنها لم تتوقف عن التطلع نحو ما تريده و تعتبره حقاً إنسانياً مشروعاً لها..لهذا عندما كان رواد مواقع التواصل الاجتماعي ينصبون المشانق لوالد إيلان الذي سعى أكثر من مرة للحصول على اللجوء في بلدٍ غربي كنت أنا بخلافهم أشعر باحترامٍ كبير تجاهه لأنه حاول أن يمنح أسرته كل ما يستحقونه من كرامةٍ هي كل ما بقي لهم و لنا..احترمته لأنه قرر أن يموت و هو يحاول أن يعيش بكرامةٍ لم نعد نمتلكها جميعاً و لكننا ندعي امتلاكها لكي نستطيع مواصلة فعل ما لا نريده.