برلمانيات عشائريات



محمد حمزة
2015 / 10 / 5

محمد حمزة
لا توجد احصاءات دقيقة عن عدد الفتيات التي تقتلها العشائر العربية والكوردية بدافع "غسل العار"، وتنعدم الاحصاءات في ما يتعلق بالزواج بالاكراه "الفصلية"، ولا عن الاقامات الجبرية بالمنازل المفروضة على الفتيات بسبب خشية ذويهن من تعرضهن لاعتداءت وتحرش من قبل المجتمع الأمر الذي قد يتسبب في زعزعة هيبة عشيرة وأسرة البنت حسب ما يعتقدون. لكن المؤكد ان تلك الحوادث تحصل، إذ قتلت وتشردت فتيات ليس بسبب علاقات فعلية وانما لمجرد شبهة وجود علاقة عبر الانترنت او الهاتف، والمؤكد ان الفصلية ما زالت قائمة، ومنع الفتيات حتى من اكمال المشوار الدراسي قائم.
الظلم يلاحق الفتيات ويصل في بعض حالاته الى انهاء الحياة والقتل، تساهم في انتاجه المؤسسات القبلية وابرزها العشيرة. وان أخطر اشكال العنف الذي تتعرض له الفتيات هو العنف الاسري الذي تجري ممارسته بين جدران مغلقة تصعب عملية رصده وتوثيقه.
ثلاث برلمانيات تناسينَ كل ذلك، وعملْنَ على تغليب منطق القبلية على منطق سيادة القانون، انطلاقاً من ان معظم المسؤولين والمسؤولات بجميع اصنافهم يستنفذون كل الوسائل الرخيصة لتحقيق مكاسب سياسية واجتماعية وامالية، ولو على حساب مصالح وحياة الشعب.
حنان الفتلاوي رأت اللجوء الى العشيرة هو الطريق الأسهل والأسرع لرد اعتبارها، وغرمت خصمها مائة مليون دينار مقابل وصفها بالانبطاحية من النوع الآخر، متناسية اوضاع نساء الفصليات اللواتي ينبطحن ليلياً كرهاً لرجالٍ لم يكن لهن دورٍ في اختيارهم ويخدمن أسرهم يومياً بذلٍ ومهانة.
عواطف نعمة التي تعرضت للضرب في وزارة التربية لجأت هي الأخرى لاستغلال العشيرة ابشع استغلال وجيرت مسألة الغيرة على العرِض لرد اعتبارها، بعد اعلانها عن نية عشيرتها مقاضاة وزير التربية عشائرياً.
عالية نصيف ارتأت ان تحل مسألة بنتها حلاً عشائرياً وبتصرف رعوني انقلبت عليها الطاولة ويبدو انها ستخسر اكثر مما تكسب وفقاً للوائح العشائرية، ولا أعرف لو سئلت نصيف في مقابلة تلفزيونية عن كيفية التعاطي مع قضية مشابهة لبنتها كيف سيكون جوابها لكن بالتأكيد سيكون صوفياً بامتياز.
ولكي اكون دقيقاً فان حالتين من الحالات الثلاث السابقة تعد شكلاً من اشكال العنف ضد المرأة، اذ كان وصف ابو كلل غير اخلاقي وتعرضت له الفتلاوي بوصفها انثى، وكل تداعيات قضية نصيف لان الأمر حصل مع انثى وليس ذكراً، لكن التعاطي مع القضيتين كان قبلياً وخارج اطار القانون، اما قضية نعمة فقد كانت بوصفها برلمانية وكانت برفقة برلماني تعرض هو ايضاً للضرب لكنها ارتأت ان تستغل حساسية العشيرة ازاء ضرب المرأة، فيما لم يستخدم زمليها هذا الاسلوب.
كان الاجدر بهن الالتفات الى اوضاع ملايين الفتيات في العراق وتكريس عملهن لحمايتهن وتمكينهن عبر تبني اجراءات تؤدي الى انشاء مؤسسات وبلورة سياسات من شأنها حماية المرأة في جميع المكانات، لاسيما من العشائر التي تفرضها فصلية وتقتلها غسلاً للعار وتمنعها من حرية التنقل والحركة حفاظاً على زيف الهيبة والسمعة والمكانة. لكنهن ارتأن تغليب ما يخدم مصالحهن، والعديد من البرلمانيات يصفن المفاهيم العالمية الخاصة بتمكين وحماية المرأة بالغربية والمخالفة للدين والاعراف والتقاليد، إلا في مسألة واحدة.
ويبدو ان الاعتقاد السائد بين البرلمانيات بان "الكوتا" هي النظرية الغربية الوحيدة التي لا تمس المحددات الدينية والاجتماعية ويعتبرنها اعظم مكسبٍ حققته المرأة العراقية بعد عام 2003. والجدير بالأمر ان عدداً ليس بالقليل منهنّ لا يعرفن لماذا وضعت الكوتا وما الهدف منها. والذي يؤكد ذلك الممارسات المتناقضة تماماً مع اهدافها وغاياتها.
فلما كان وصول النساء الى قبة البرلمان امراً اشبه بالمستحيل نظراً لسيادة الرأي العام بان السياسية ودهاليزها ذكورية، اجازت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتخاذ التدابير الخاصة المؤقتة لتعجيل المساواة الفعلية بين الرجال والمرأة. وافضى ذلك الى تبلور فكرة الكوتا للنساء. وذل عام 1979 بعد اعتمادها اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المراة (سيداو). التي تلزم العراق بتقديم تقريرٍ عن التزامه واحترامه لموادها كل اربع سنوات منذ انضمامه اليها عام 1986.
وكان المنتظر منهن ان يقدمن اداءً سياسياً محترماً يـُغير نظرة المجتمع ويجعله يؤمن بان النساء قادرات على ممارسة الادوار السياسية وشيئاً فشيئاً يقتنع باختيار النساء بعيداً عن الكوتا، كما كان عليهن مراجعة كل القوانين التي يشرعها البرلمان ويقيمن انعكاساتها على الرجال والنساء ومعالجة اي خلل فيه.
لكنهن لم ولن يفعلن ذلك، اذ كرسن الادوار النمطية المجتمعية السائدة، انهن لن يفعلن ذلك لأن اتفاقية سيداو تقول انه "يجب ألاّ تستتبع الاجراءات الخاصة المؤقتة اذ يجب وقف العمل بها متى تحققت اهداف التكافؤ في الفرص والمعاملة"، انهن لن يعملن ذلك لان العمل على تمكين المراة وحمايتها سيؤدي الى زيادة نسبة المرشحات وبالتالي تضاؤل فرص وصول البرلمانيات الحاليات الى قبة البرلمان.