المرأة و صداقة الرجل.. النار و الهشيم



نزار جاف
2005 / 10 / 25

مهما سعت المرأة و بذلت من مجهود إستثنائي لإسباغ المزيد من القوة على شخصيتها، فإنها لن تستطيع عبور حاجز الانوثة التي تلازمها کملازمة الحرکة للحياة. هذا الرأي الشائع کان يردد بين مختلف الاوساط ولاسيما عندما يتعلق الحديث بحرية المرأة أو حتى مجرد توسيع دائرة تحرکها الاجتماعي. والذي کان يمنح أبعادا أعـمق لهذا الرأي المحافظ، هو ذلک المنظار الاجتماعي الضيق الذي کانت توضع في دائرته شخصية أية أنثى تمارس قسطا أوفر و أوسع من الحرية في علاقاتها الاجتماعية وتسعى لکسر الطوق المفروض عليها بأن تکون صداقتها محصورة بقرينتها فقط. وإذا کنا نقرأ في العقود الاربعة الاخيرة من الالفية السابقة بخصوص شخصيات مثل فرانسواز ساغان و سيمون دو بوفوار و أخريات مشابهة لهن، فإننا کنا دوما نتذکر البون الشاسع الذي يفصل بين واقعنا و الواقع الغربي المتطور. وحين کنا مثلا نقرأ مقالة تتحدث عن کيفية ممارسة رفيقة سارتر"أي دو بوفوار"لأوسع مدى ممکن لحرياتها الانسانية وکيف أنها کانت تروي لسارتر مغامراتها العاطفية مع طالب لها، وکان سارتر"بحسب مايروون عنه"يستمع وبکل شغف الى تلک المغامرات وکأن الذي يروي الامر هو رجل آخر وليس أنثى! في ذلک الزمن، لم يکن من السهولة حتى مجرد تصور حدوث مثل ذلک الامر في واقعنا، لقد کان أکثر إستحالة حتى من الحلم ذاته! صحيح أن الکثير من المثقفين حاولوا کسر ذلک الحاجز الغابر بين المرأة و الرجل وسعوا جاهدين لمنحها مساحة أکبر لتحرک بغية کسر طوق الاعراف الاجتماعية التي تطبق على حريتها بکل قسوة، بل وأن البعض من المثقفين حاولوا بصورة فعلية من خلال جهد فردي أن يقدموا المرأة کإنسان متکامل و مساو للرجل من کل الجوانب، وأتذکر کيف أن الشاعر الکوردي الشهيد"دلشاد مريواني"، کان يجالس زوجته"شيرين ك"في حانات مصيف سر?نار بمدينة السليمانية في السبعينيات من القرن المنصرم، وکان ذلک بمثابة تقليعة جديدة لم تکن مألوفة من قبل في ذلک الوسط المحافظ. إلا أن ذلک الجهد الفردي"برغم أهميته"، لم يکن کافيا لتحطيم جدار الرفض الاجتماعي لعلاقة الرجل بالمرأة خارج دائرة الزواج. وظلت مسألة الصداقة بين الجنسين إشکالية تتداخل فيها العديد من الاعتبارات الفکرية و الاجتماعية و الاقتصادية، وبرغم أهمية العوامل الآنفة من حيث ترابطها الجدلي في التأثير على جوهر تلک المسألة، إلا أنها تدور جميعها حول محور "سيادة الرجل"، الذي يمثل العقبة الکأداء في وجه أية محاولة لتغيير شکل و مضمون معادلة العلاقة بين الرجل و المرأة والتداعيات التي تتمخض عنها. وإذا کان الشاب الشرقي"وحتى الرجل"، بسبب من عامل الکبت الجنسي الذي يفرضه الواقع الفکري ـ الاجتماعي لا يستطيع الفکاک من عقدة العامل الغرائزي في أية علاقة صداقة مع الانثى، فإن الانثى لاتنظر إطلاقا للمسألة من تلک الزاوية الغرائزية وإنما من زاوية مغايرة تماما من حيث المحتوى الانساني، إذ أنها تسعى من خلال ممارسة عملية الصداقة مع الجنس الآخر أن تثبت ماهيتها الانسانية وغلبة تلک الماهية على العامل الجنسي. وحين نقول أن المرأة تحاول أن تثبت ماهيتها الانسانية من خلال الصداقة مع الجنس الاخر، فإننا نرمي الى کسرها الحواجز الوهمية المفروضة عليها وممارسة مساحة أوسع و أشمل للحرية الواقعية التي يجب أن تتمتع بها. والحق أن الانثى کما في حالة الحب تحاول مد وشائج العلاقة مع الجنس الاخر على أساس روحي شفاف يرفل بالوجد و يطفح بالاحاسيس الانسانية الجياشة ولايشکل العامل الغرائزي إلا مساحة ضيقة تکاد تکون محاصرة في أفق تلک العلاقة، فإنها في حالة علاقة الصداقة مع الجنس الخشن تحاول ممارسة قدرا أکبر من العقلانية في تعاملها مع الرجل بعيدا عن مفرداتها الانثوية التي تستخدمها في الحب وتحاول إستخدام مفردات عاطفية جديدة لا تنبع من آجم أنوثتها بقدر ماتفيض من أعماقها کإنسان تسعى من خلالها الى تصحيح إطار نظرة إجتماعية ـ فکرية مشوهة لمبدأ العلاقة بين الجنسين خارج القفص الزوجي. وقد لاتکون إشکالية مسألة الصداقة بين الجنسين مرتبطة بفترة أو مرحلة محددة من عمر و حياة الانثى، ذلک إن تلک الإشکالية قد تظطرد و تتخذ أبعادا أعمق عندما تتزوج الانثى و تصبح في عصمة رجل کما هو معروف، فبعد الزواج قد تکون حالة عادية نوعا ما أن يقول الرجل لزوجته أن لديه صديقة في مقر عمله، إلا أن تلک الحالة تتخذ طابعا آخرا حين تنقلب المعادلة، أي تکون للزوجة صديق في مقر عملها، فذلک أمر سوف يحاط بألف سؤال و سؤال ناهيک عن الشروط الصارمة لإستمرارها فيما إذا سمح بذلک. إن أساس التوجس الاجتماعي من الاقرار بعلاقة الصداقة بين الجنسين يکمن في السبب الاخلاقي"بالمفهوم الرجعي لنظرية الاخلاق"، إذ أن المقولة المشهورة"ما إجتمع رجل و إمرأة إلا وکان ثالثهما الشيطان"مازالت تسحب نفسها بقوة على العقل الجمعي للمجتمعات الشرقية. ولعل إستطلاعات الرأي التي أجرتها العديد من المنابر الاعلامية العربية قد أثبتت بوضوح طغيان حالة عدم الثقة بإطلاق النساء لممارسة حرياتهن الاجتماعية بل وقد أکدت الغالبية العظمى من المشارکين عدم إيمانها أساسا بمبدأ المساواة بين المرأة و الرجل! من هذا المنطلق، کانت قضية الصداقة بين الجنسين مسألة مازالت بحاجة الى المزيد من البحث و التقصي وهي تمشي بذات الوتيرة البطيئة التي يتم فيها إقرار حقوق المرأة في العديد من البلدان المحافظة في المنطقة. وعلى الرغم من قوة تأثير العامل الفکري ـ الاجتماعي في قضية تحرر المرأة و مايتفرع عنها، فإنه لامناص من الاقرار بها کحقيقة واقعية على الارض و العمل في ضوء ذلک. إن المسألة بحاجة الى فتح المزيد من المجالات و الافاق التي تتيح للانثى التمتع بالمزيد من الحرية ذلک أن معالجة الامر الواقع لايتم إلا بما يقابله أي أمر واقع أيضا. وإن"التنظير" أو التأمل و الانتظار والتمني لاتکفي لحل مشاکل المرأة إن لم يتم إستشفاع ذلک بخطى عملية جادة على أرضية الواقع الاجتماعي للوقوف بوجه حالة الانغلاق التي تغذيها أطراف معينة لغايات سياسية ـ فکرية واضحة تخدم جميعها النظام الفکري ـ الاجتماعي المتخلف السائد.