كفاح إمرأه تركت بصمه ايجابيه في تاريخ البشريه



عبد صموئيل فارس
2015 / 10 / 30

أنا لا أرى أبدا ما تم إنجازه، بل أرى ما لم يتم إنجازه بعد.
ماري كوري

ولدت "ماري سكوودوفسكا – كوري" في نوفمبر عام 1867 بدولة بولندا، وهي أول من حصل على جائزتي نوبل في التاريخ وأول امرأة تعمل كأستاذة في جامعة باريس.

فقدت ماري والدتها وهي لا تزال في العاشرة من عمرها، وعاشت مع أختيها وأبيها وتميزت بذكائها الواضح وكان أبيها معلمًا بأحد المعاهد، كما تعلمت القراءة والكتابة فقط بمشاهدة أختيها تتعلمان، وعلى الرغم من ضيق ذات اليد إلا أن الأب أراد لفتياته العلم بأفضل صوره، فبعث بأختها إلى باريس لدراسة الطب وعملت هي معلمة لأطفال أسرة ثرية في الريف لمدة ثلاث سنوات لتساعد في التكاليف.

بعد انتهاء عقدها مع تلك الأسرة، بدأت تدريبها العلمي بمعمل متحف الصناعة والزراعة بالقرب من وارسو، وبعد ذلك قررت السفر إلى باريس وهي بعمر الرابعة والعشرين، ثم ذهبت رأسًا إلى "جامعة السوربون"، وأثناء وجودها في "السوربون" كانت ماري تدرس بالنهار وتعمل بالليل حتى حصلت في 1893 على درجتها العلمية في الفيزياء وبدأت العمل في معمل صناعي لدى "ليبمان" (Lippman)، كما استمرت أيضًا بالدراسة في السوربون وحصلت في عام 1894 على درجة علمية في الرياضيات.

وفي عام 1894 قابلت أيضًا زوجها المستقبلي "بيير كوري" حيث كان معلمًا لمدرسة الفيزياء والكيمياء بباريس (ESPCI) وجذبهما معًا الاهتمام بالخواص المغناطيسية للمواد، وبعد ذلك بعام تقريبًا تزوجت ماري "بيير كوري".

في 1896 وبعد اكتشاف "هنري بيكوريل" للخاصية الإشعاعية لليورانيوم، اختارت ماري البحث في أشعة اليورانيوم كمجال بحث لرسالة الدكتوراه الخاصة بها، وبعد 15 عام اخترع زوجها وأخيه المقياس الكهربي (electrometer) والذي اكتشفت هي بواسطته أن أشعة اليورانيوم تجعل من الهواء حول العينة موصلاً للكهرباء، وأثبتت ماري أن الإشعاع لم يكن نتيجة لتفاعل كيميائي ولكنه نابع من الذرة بذاتها.

وفي أثناء بحثها اكتشفت وجود معدنين من اليورانيوم أحدهما أكثر إشعاعًا من اليورانيوم ذاته بأربع أضعاف والآخر بضعفين، وقامت بنشر اكتشافها في اليوم التالي أسوة بما فعله "بيكوريل"، والذي أنقذه من أن يذهب فضل اكتشاف الخاصية الإشعاعية ل "تومبسون" بدلاً منه، كما أسفر بحثها عن مواد مشعة أخرى بجانب اليورانيوم اكتشفت مدام كوري عنصر "الثوريوم" الإشعاعي أيضًا.

ولكن كشفها للثوريوم جاء متأخرًا بشهرين عن "جيرهارد شميدت" الذي أعلن عن نفس الكشف في برلين، وفي يوليو 1898 أعلن الزوجان كوري في ورقة بحثية مشتركة عن وجود عنصر أسموه "بولونيوم" (polonium) تكريمًا لبلد ماري الأم بولندا ثم في ديسمبر 1898 أعلنوا عن وجود عنصر آخر أسموه الراديوم (Radium) لنشاطه الإشعاعي الشديد.

وعمل الزوجان كوري على فصل عنصر "الراديوم"، واستطاعوا في 1902 عزل جزء من عشرة من الجرام من "كلوريد الراديوم" وبحلول 1910 استطاعت ماري كوري بدون زوجها الذي قتل في حادثة طريق عام 1906 أن تعزل معدن "الراديوم" الخالص.

في أبريل 1906م، مات بيير في حادث مأساوى تحت عجلات سيارة، ولم تستطع ماري أن تصدق الخبر، تساءلت في ذهول: "هل مات بيير إلى الأبد؟". كانت صدمة عنيفة، عاشت بعدها أوقاتا صعبة، ووحدة موحشة، لم تكن الزهور وكلمات العزاء لتخفف عنها، كانت تتجول في الشوارع غير مكترثة بمن حولها، وعرضت الحكومة عليها معاشا باعتبارها أرملة بيير، لكنها رفضت قائلة "أنا في الثامنة والثلاثين وأستطيع العمل".

اعترف العالم بأسره بها، ومنحتها عدة جامعات الدكتوراه الفخرية، لكن الحياة لا تخلو من منغصات، فحدثت أزمة رافقت ترشيحها لعضوية الأكاديمية الفرنسية للعلوم، كما شنت عليها الصحافة الصفراء حملات تشويه شخصية، اتهمتها بأنها عاهرة، ويهودية، وأنها ليست أكثر من لص سرق أبحاث بيير، وقذفت نوافذ بيتها بالحجارة!

وماري كوري هي الأولى في العالم التي تحصل على جائزتي نوبل حيث حصلت على الأولى في 1903 في الفيزياء بالمشاركة مع زوجها "بيير كوري" و"هنري بيكوريل"، لفضلهم وبحوثهم في ظاهرة الإشعاع، وكانت بذلك هي أول امرأة تحصل على جائزة نوبل.

وبعد ثمان سنوات في عام 1911 حصلت على الجائزة الثانية في الكيمياء، اعترافًاً بفضلها في تقدم الكيمياء باكتشاف عناصر "الراديوم" و "البولونيوم" وعزل "الراديوم" ودراسة طبيعته، كما أن ماري كوري هي أحدى اثنين في العالم حصلوا على جائزتي نوبل في مجالين مختلفين.

توفيت ماري كوري في 4 يوليو عام 1934 في شرق فرنسا، متأثرة بمرضها بنوع من فقر الدم (aplastic anemia) بسبب طول فترات تعرضها للإشعاع حيث لم تكن الآثار الضارة للإشعاع معروفة في ذلك الوقت.

تم تكريم ماري كوري في العديد من البلدان والدول اعترافًا بفضلها على الإنسانية باكتشافها للإشعاع الذي يتسبب في إنقاذ حياة الكثيرين ولكنه تسبب في مقتلها في النهاية.

رغم انهماكها في عالم الجدية والبحث ورغم شهرتها التي بلغت عنان السماء آنذاك إلا أنها لم تنس دورها كربة بيت، وزوجة، والأكثر من هذا كأم أنجبت وربّت "أيرين جوليو" التي حازت بدورها على جائزة نوبل للكيمياء عام 1935.

عند وفاتها قال عنها إلبرت إينشتاين: "ماري كوري من بين كل مشاهير العالم هي التي لم تدنس شهرتها"