المرأة ليست قضية فقهية...



محمد امباركي
2015 / 11 / 12

المرأة ليست قضية فقهية....

محمد امباركي
و أنا أتابع تداعيات التقرير الأخير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان حول " وضعية المساواة و المناصفة بالمغرب "(ّ*) خاصة التوصية المتعلقة بالإرث استغربت كثيرا لارتفاع الأصوات المنددة بالتوصية من هنا و هناك مما أحال على جبهة رفض مزدوجة ، يقف فيها الطرف الأول و الأقوى على أرضية عقائدية بدعوى قطعية و ثبوت النص الديني وإسلامية الدولة و بالتالي تم الهجوم على المجلس باعتباره مؤسسة تتحكم فيه اعتبارات اديولوجية و معايير انتقائية و ميولات علمانية...الخ مما حدا برئيس الحكومة الى مطالبة رئيس المجلس بالاعتذار و كأن رئيس الحكومة يملك حق التفويض الإلهي فأصبح حارسا للمعابد و الضمائر؟.....
أما الطرف الثاني المناهض للتوصية فقد انطلق من كون المجلس يسعى الى افتعال نقاش فارغ لا طائل وراءه بدل التركيز على القضايا الأساسية للمواطنين و خاصة الحقوق و الحريات... !!
شخصيا و من الزاوية الحقوقية أعتبر أن التقرير ككل و ضمنه التوصية الخاصة بالمساواة في الإرث تأسست على قراءة ثلاثية المعيقات في تشخيص واقع النساء المغربيات :
1. مساهمة المقتضيات القانونية غير المتكافئة المنظمة للإرث في الرفع من هشاشة و فقر الفتيات و النساء، كما أن الوقف و القواعد التي تحكم أراضي الجموع تساهم في تجريدهن من حقهن في ملكية الأرض و في الإرث.
2. النساء المغربيات تستفدن بدرجة أقل من الرجال من جهود البلاد في مجالات التربية و التكوين و الصحة و الوصول الى الموارد و اتخاذ القرار.
3. الميز الطبقي محدد أساسي في التمتع بالحقوق و ولوج الخدمات الاجتماعية علما أنه كلما انحدرت المرأة من أوساط اجتماعية فقيرة كلما طالها التهميش و الإقصاء الاجتماعي.(**)

إن التشخيص الذي نهجه التقرير و التوصيات العديدة التي صاغها تكشف بالملموس فشل السياسات العمومية في النهوض بحقوق المرأة في مختلف المجالات ( التشريعات – العدالة- العنف بمختلف أشكاله – الصحة و الصحة الإنجابية- التعليم – التشغيل- النساء في وضعية إعاقة – الأمهات العازبات – عاملات البيوت – النساء السجينات...الخ) الأمر الذي يجعل من التركيز فقط على التوصية الخاصة بالإرث خاضع لمنطق اديولوجي غارق في الانتقائية و الجمود أسقط أصحابه في تناقض صريح حيث أن نعت توصية المجلس بأنها توصية اديولوجية هو في العمق قول اديولوجي محض إذا كانت الادلوجية تعني في ذهنية هؤلاء كل ما يرتبط بالتضليل و التغليط و إخفاء الحقائق..

إن هذا الموقف هو امتداد لاستراتيجية ثابتة في النظر إلى المرأة باعتبارها فقط قضية فقهية لا تتجاوز الأحوال الشخصية من زواج و طلاق و ولاية و حضانة ...و هو موقف تتقاسمه الأصوليتان: أصولية المخزن و أصولية أحزاب و فقهاء " الإسلام السياسي "، و من ثمة فتعالي الصراخ و العويل و التهويل كلما طفحت على السطح قضية لها صلة مباشرة بالمرأة كمشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية و المساواة و الإجهاض و الإرث...الخ ليس في الحقيقة إلا تعبير عن قوى اجتماعية وسياسية تستمد شرعيتها من استغلال الدين مما يجعل من تحرر المرأة تهديدا حقيقيا لسلطانها المادي و الرمزي و لو تجلى فقط في منبر خطابة تتبوؤه امرأة...، و هكذا فالسلطة الذكورية جزء لا يتجزأ من بنية الاستبداد و القهرفي مختلف مستوياته الميكروسوسيولوجية كالأسرة و المدرسة و المسجد والماكروسوسيولوجية كالقبيلة و العشيرة والدولة ، و هذه آليات حيوية لإعادة إنتاج التمثلات السوسيوثقافية السلبية إزاء النساء و مقاومة كل تواجد لهن بالفضاء العمومي .

ومع ذلك و مهما كانت التبريرات، لا ينبغي أن يتوارى الى الخلف كل المناصرين لحقوق المرأة في كونيتها و شموليتها سواء كأفراد أو جماعات باعتبار المرأة إنسان أولا و قبل كل شيء ،
و يتركون الساحة لصراخ فقهاء الجمود و الانحطاط الذين تخرس أصواتهم لما يتعلق الأمر بالتفقير و القمع و الاستبداد...
على الأقل يجب أن ندافع من موقعنا كيساريين و حداثيين عن الطابع العمومي للنقاش
و ديمقراطيته و تعدديته رافضين كل الرفض مصادرته بدعوى" درئ الفتنة و انقسام المجتمع..." و ذلك للحيلولة دون تكرار سيناريوهات سابقة و يتم نقل هذا النقاش إلى
" الفوق " أي إلى الدوائر المغلقة و تستمر المرأة المغربية كقضية فقهية بامتياز
و ليست قضية استراتيجية ذات أبعاد سياسية و حقوقية و اجتماعية و اقتصادية و ثقافية تعتبر فيها النساء المتحررات من كل ألوان التمييز و التغييب والعنف و الإقصاء من الروافع الأساسية للمعركة من أجل الديمقراطية و مجتمع المواطنة و الحرية و الكرامة و المساواة.



(ّ*)-(**) تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وضعية المساواة و المناصفة بالمغرب. صون و إعمال غايات و أهداف الدستور. ملخص تنفيذي. يوليوز 2015....منشور على موقع المجلس : http://www.cndh.org.ma