نضالات النساء من المقاومة الى البدائل



المناضل-ة
2005 / 10 / 30

شهدت مكانة النساء في العالم، خلال عشرين سنة الأخيرة، تحولا عميقا . فقد تعبأن وحصلن على حقوق، مطبقة الى هذا الحد او ذاك، وولجن مساحات جديدة.
ليس المقصود هنا وصف شامل لكيفية تحرك النساء بوجه العولمة. فعمل التـأليف هذا يظل كليا في انتظار الإنجاز. إننا نسعى، من خلال أمثلة بليغة، الى إبراز كيف حاولت النساء، بعيدا عن خضوع دائم للعولمة والسياسات النيوليبرالية المرافقة لها، تنظيم أنفسهن بقصد المقاومة. اكتست تلك النضالات أشكالا عديدة. لا بل أبدعت النساء في بعض الحالات أشكال نضال جديدة تحدو بنا الى التفكير في أهميتها الرمزية.

مصاعب قصوى بوجه نضالات النساء بالجنوب
نضالات النساء في القطاعات الصناعية الجديدة
جرى تشغيل النساء بكثافة في قطاعات كالنسيج، والالكترونيك، حيث يمثلن يدا عاملة جديدة، اقل كلفة، واقل خبرة، وعرضة للتهشيش الفوري. ليست تلك العاملات الجديدات بروليتاريا كلاسيكية ولا ضحايا كلاسيكية (1) . غالبا ما تعمل النساء في شروط حاطة بكرامتهن كنساء ملؤها استغلال مفرط وانعدام شروط السلامة وعنف. ولا يستفدن،على عكس الرجال الأجراء منذ أمد طويل، من الحماية النسبية للنقابات وما تؤمن من اتفاقات جماعية. وعلاوة على الوتائر التي تفرضها سلاسل التركيب، ثمة التحرش في المصنع والاعتداءات الجنسية في طريق العودة. هكذا تنبعث عبر أشكال العنف تلك تصرفات ذكورية عتيقة بحفز من التحولات الاجتماعية العميقة المرتبطة بالعولمة.
ان ميزان القوى بين الرأسمال وهاته العاملات الجديدات مختل لصالح الأول لدرجة تضع فعالية النضالات المحلية موضع سؤال. هكذا تحكي نساء نقابيات بالسالفادور كيف ان وفرة اليد العاملة الرخيصة بلغت مستوى تدفق 500 عاملة لانتظار العمل عند طرد منشأة لـ100 عاملة. وفي تايلاند لم تحتج نساء مصنع للاكترونيك ضد ما يتعرضن له من تلوث كيميائي رغم وفاة العديد منهن عام 1993. وفي المنطقة الحرة في باتان بالفيليبين كان نضال نساء مصنع بريطاني للنسيج متبوعا فورا بترحيل الإنتاج إلى مصنع آخر نساؤه اقل تنظيما بالنقابة. تبرز هذه الأمثلة اننا بعيدون عن المواجهات المعروفة بين الأجراء وأرباب العمل ببلدان الشمال. غالبا ما تغطس هاته النساء، بعد إبعادهن من العمل الصناعي، في العمل اللاشكلي حيث شروط تنظيم نضالات اشد صعوبة. الأسوأ من ذلك أن لا وسلة لديهن أحيانا للبقاء غير دخول الشبكات الدولية للدعارة.
لكن النساء تنظمن تلقائيا في صناعات التصدير بجنوب شرق آسيا، وأمريكا اللاتينية، رغم الخوف من الطرد والعودة الى المطبخ المنزلي. ولم تتعلق تلك النضالات بشروط العمل- نادرا ما تطبق توجيهات المكتب الدولي للعمل الرامية الى تقنين العمل- وحسب، بل أيضا من اجل حماية من الاعتداءات الجنسية، ومن اجل حماية الأمومة والطفولة، وكذا الإفادة من حضانات للأطفال.

النضالات في الماكيادورا
ادى الانتهاك المنهجي لحقوق العاملات، بما هن نساء وبما هن أجيرات، في الماكيادورا(2) بالمكسيك الى تنظمهن على نحو جديد(3). خلال سنوات 1970 خاضت نساء ماتل في ميكسيكالي ، في ذات الوقت مع عمال الكهرباء، إحدى أجرأ النضالات من اجل الديمقراطية في العمل. هنا أيضا تواجه النساء العاملات الترحيل السريع للصناعة من قبل الشركات متعددة الجنسية نحو بلدان اكثر هدوءا. لكن بعضا من تلك النضالات أحرزت انتصارات هامة: انطلق النضال في منشاة سولترون SOLITRON في تيخوانا بعد محاولة طبيب الشركة اغتصاب عاملة. وتشكلت نقابة مستقلة عن الإدارة ، اسمها SOLIDEV ، ووقعت إحدى افضل الاتفاقيات الجماعية في الماكيادورا . لكن عندما رحلت المنشاة زالت النقابة. وخفتت الحركة في سنوات 1980 لان الشركات متعددة الجنسية ترحل الانتاج بشكل منهجي . ثمة اليوم حركة أوسع موزعة على طول حدود المكسيك الشمالية. إنها حركة فتية وصامتة، مكونة من مجموعات عمال صغيرة تناضل من اجل إنشاء نقابات مستقلة. يبدا التنظيم في المصنع، في سلسلة الإنتاج، وهو سري وتتوقف مدته الى حد بعيد على التضامن. تمنح حركة العاملات بعدا جديدا للنقابة، رغم ان الحركة النقابية الديمقراطية بالمكسيك لا تعتبر تطوير العمل النقابي في الماكيادورا أولوية حاليا. لكن تدهور شروط حياة الطبقة العاملة والنساء في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا أتاح عام 1993 اتصالا بين حركات هذه البلدان والمكسيك. وانشأ عام 1995 " ورش رابع للنساء العاملات في الماكيادورا" مع علاقات دولية. يتيح هذا الطراز من الشبكة العمل محليا والتفكير كونيا بمزج أشكال قديمة بأخرى جديدة من تنظيم الطبقة العاملة والمجموعة القومية والحركات النسوانية والأممية. لا غنى اليوم في الماكيادورا عن تجدد التضامن العالمي هذا بقدر ما تتفاقم أشكال العنف الجنسي ضد النساء. هكذا ُفقدت زهاء 370 امرأة في منطقة JUAREZ بعد اغتصابهن واغتيالهن: وتشير كل القرائن إلى أن هذه الفظائع مقترفة من طرف رجال شرطة وميلشيات "شبه عسكرية ". وقد نددت منظمة العفو الدولية، في تقرير في غشت 2003، بعنوان" اغتيالات لا تطاق" بعدم قيام السلطات بتحقيقات حول هذه الجرائم. يتعين التساؤل عن تواطؤ الدولة المكسيكية التي تبدي تساهلا، وكذا عن صمت الصحافة الدولية. وتناضل منظمات نساء المكسيك من اجل الحقيقة حول هذه الجرائم ونظمن توقيع عريضة مطالبة بذلك .

العاملات بالمنازل في الهند يفزن بوضع عاملات بتنظمهن في نقابة SEWA
الحصول على الاعتراف بعملهن، كعمل باقي الأجيرات، ذلك كان رهان النضال الذي خاضته، وانتصرت فيه، النساء النقابيات في نقابة SEWA (4) في نهاية سنوات 1980(5). SEWA نقابة تأسست عام 1972 بقصد تنظيم العاملات المستقلات، مقدمات الخدمات، تاجرات صغيرات، عاملات بالمنازل عملا هشا ومحرومات من الخدمات الاجتماعية. في GUJARAT و MADHYA PRADESH وUTTAR PRADESH اجتمعت أول مرة لفافات التبغ، ومطرزات الساري، والخياطات، بقصد الحديث عن مشاكلهن والتحركات الواجبة. من هذه الاجتماعات ومن دروس القضاء على الأمية والتثقيف الشعبي المرافقة لها، ظهرت مجموعات نساء نقابيات قادرات على تفسير حقوقهن للعاملات بالمنازل. كانت نتائج هذه الاستراتيجية مذهلة. فلم تتمكن sewa من إقامة إجراءات حماية اجتماعية خاصة بها( مراكز صحة تعاونية، الإفادة من الأدوية المستنسخة) وحسب، بل حققت تقدما فريدا لما انتزعت العاملات بالمنازل الاعتراف بوضعهن كعاملات بفضل أدار بطاقات تعريف. وفيما بعد ادمجن في خطة الأجر الأدنى في gujarat- وهو ما انعكس في رفع أجرة القطعة- وتمكن من الاستفادة من صندوق شيخوخة. باعتبار العاملة مستخدمة لدى مشغل ايا كان مكان العمل ، غيرت sewa التاويل القانوني لعلاقة الشغيل بالمشغل.

نضالات النساء من أجل التنوع الاحيائي
في النضال من اجل الامن الغذائي تنظمت نساء الهند بسرعة من اجل مقاومة سعي شركات الصناعة الغذائية متعددة الجنسية الى فرض يذورها، لا سيما المعدلة جينيا. توجد الحركة من اجل تحرير البذور بالهند منذ 1992. ويتمثل هدفها الرئيس في تمكين القرويين من تسيير مخزونهم من البذور بتوريث السكان المحليين معارف ودرايات متعلقة بإنتاج بذور محلية. قامت Deccan Development Society (DDS) بمساندة نساء داليت المنبوذات المنظمات في sangams (جمعيات نساء) على إنشاء بنوك بذور جماعية في Andrah Pardesh. وجرى بدءا من 1995 تنظيم المبادلات بينهن وبين أعضاء من DDS حول قيمة النباتات المزروعة تقليديا بالمنطقة. وتساعدDDS النساء على رفع إنتاجية أراضيهن، وإنشاء بنوك بذور جماعية محلية ليتمكن من تسيير ذاتي لإنتاجهن من البذور. ويوجد التعرف على افضل الأنواع وانتقائها، وكذا تموين المزارعين، تحت مسؤولية النساء بالكامل. ويجري تبادل البذور أو بيعها داخل القرية او بين منظمات النساء. ويتعين على المشرفات على التسيير ان يضمن وجود كمية من البذور في مخزون القرية كافية لانتاج السنة اللاحقة. يبرز نجاح هذا المثال إمكانية تحويل وظيفة نسائية تقليديا ( فرز يدوي للبذور) الى نشاط رشيد وجماعي يتيح الحفاظ على استقلال الفلاحين. كما يتيح الانخراط في تدبير"حديث" للتنوع الاحيائي بوجه املاءات اللوبيات المساندة للأجسام المعدلة جينيا التي تروجها الشركات متعددة الجنسية.

النساء يناضلن داخل حركة معدومي الارض MST من اجل دور جديد
ساهمت حركة معدومي الأرض البرازيلية، منذ 15 سنة، في نضالها الشعبي من اجل الأرض، في إعادة تحديد لهوية الفلاحين. وهنا أيضا كان للنساء دور هام. في وسط قروي ليس بأي وجه نسوانيا تلقائيا، ُتستعاد المسبقات السائدة في منظمات الفلاحين.اضطرت حركة معدومي الأرض، بضغط من مشاركة نسائية نشيطة، الى اخذ هذه المسائل بعين الاعتبار.ان كانت النساء تقمن بدور أساسي في الطور الأول من العمل( طور احتلال الأرض ACAMPPAMENTO، ثم في ASSENTAMENTO أي تنظيم تعاونيات الاصلاح الزراعي وتسييرها، فثمة ميل الى عودة إلى الدور التقليدي أي العناية بالبيت والأطفال والحيوانات الداجنة الصغيرة. لكن نساء الحركة أدركن بسرعة ان لهن أدوارا أخرى في النضال. وبات عدد من الأدوار بارزا في ارتفاع عدد النساء في هيئات القرار: ثمة حاليا 6 نساء في القيادة الوطنية للحركة الى جانب 15 رجلا. عند وجود تمثيل أوسع للنساء في المنظمات تتجه القرارات نحو كل ما قد يحسن شروط الحياة اليومية: الكهرباء، المغاسل، قاعات طعام جماعية، حضانات. وفي كل اجتماعات حركة معدومي الأرض يجري نقاش منتظم، وعلى كل المستويات، للمسائل المتعلقة بالمساواة بين الجنسين او ذات الخصوصية النسوية. وفي كل الندوات او دورات التكوين الوطنية تهيأ حضانة للأطفال لتيسير مشاركة النساء. ويرمي كل النقاش حول أساليب النضال الى مشاركة نسائية أوسع. (8)

النساء يناضلن ويقاومن بالشمال أيضا
عندما تقرر levi s وقف صنع ماركة"501" بأوربا وترحل انتاج jeans الى جاكارتا واستانبول
أعلنت Levi s Europe ، عام 1998، عزمها على إعادة هيكلة نشاطها وإغلاق 3 معامل ببلجيكا وواحد بفرنسا، وبالتالي إلغاء 1400 فرصة عمل بالبلدين. وبينما ضاعفت الشركة أرباحها أربع مرات في أربع سنوات، بررت ضرورة التسريحات بقدرة إنتاج فائضة، وارتفاع تكاليف الأجور. والواقع ان Levi s تصنع قسما من إنتاجها بطريقة المناولة (المقاولة من باطن) منذ سنوات عديدة في جاكارتا. وفتحت الشركة مصنعا في تركيا عام 1996 ، ومصنعا آخر للمناولة عام 1998. تبلغ كلفة سروال دجين مصنوع في تركيا 9 يورو، بينما كلفته في بلجيكا 28 يويرو، و23 في فرنسا. وتبلغ الأجرة الشهرية لعاملة بلجيكية لدى Levi s 1000 الى 1200 يورو ، وفي تركيا تكسب العاملات متوسط 220 يورو ، ويعملن حسب الطلب حتى ليلا. أما عاملة جاكارتا فتكسب 60 يورو، وتعمل 80 ساعة في الأسبوع: يعادل الأجر الأساس المحدد من الحكومة 50% من الحاجات الأساسية للفرد.
ابلغت إدارة Levi s النقابات الفرنسية (CGT-CFDT-CFTC ) والبلجيكية أنها تريد مناقشة خطة اجتماعية. وتتركز النقاشات داخل النقابات حول" المنافسة غير الشريفة" و "الإغراق الاجتماعي" التي تمارسهما بلدان الجنوب. وتلح العاملات الفرنسيات أنهن لن يقبلن ابدا العمل مقابل" طبق أرز". ويطالب تنسيق النقابات بقانون ضد" ترحيل الصناعات" يفرض ضرائب على الواردات من تلك الصناعات المرحلة. وتبلغ إدراة levi s النقابات ان خفضا للتكاليف ب20% سينقذ المصانع الأوربية. وبينما ترفض النقابات على المستوى الاتحادي مبدا هذا الاقتراح، تنظم فروعها المحلية استشارة لمعرفة مدى استعداد العاملات لقبول خفض التكاليف بنسبة 10 % . هكذا اضطرت العاملات الى التنكر لمطالبهن والمس بحقوقهن(9). لكن العاملات الفرنسيات لا يؤثرن حتى بقبول خفض التكاليف ب10%، فقد رفضت اقتراحاتهن.. وفي ابريل 1999 جرى تسريح 540 شخص في فرنسا ، 70 منهم فقط وجدوا عملا. وسرح في بلجيكا 970 شخص ، وجد 600 منهم عملا هشا كالمعتاد. ورغم كل التنازلات التي أبدت العاملات استعدادا للقيام بها، لم يتنازل أرباب العمل لانه تقرر تحميل الثمن بالكامل للأجيرات ولم يكن ميزان القوى كافيا لفرض تنازلهم.
حقوق عمل منتهكة بالجنوب ومقاومات منظمة لكن مهزومة بالشمال: يمكن وضع حصيلة كارثية لهذا النضال. ومع ذلك نرى جيدا من خلال هذا الصراع ان بناء تضامن بين عمال الشمال وعمال الجنوب، في خضم النضال، سيتيح قلب ميزان القوى الحالي. وفي الحوارات التي ينظمها M-F Collard عبر انترنت بين عاملات اندنوسيا وبلجيكا، تنسج صلات يمكن اعتبارها جنين تضامن على الصعيد العالمي. " ناضلوا للحصول على أجور لائقة" تقول البلجيكيات، وتجيب الاندنوسيات" لا نريد العمل من اجل الأكل فقط... وضعنا اسوء كثيرا من وضعكن ...لقد حصلتم على نقابات مستقلة" . تتعلم عملات الشمال والجنوب، عبر حوارهن، التعارف، وبوسعهن تخيل معارك مشتركة لان مصالحهن في الواقع واحدة على المدى الطويل: النضال ضد الرأسمالية المعولمة. وقد بات الإصلاح الليبرالي المضاد، والتبادل الحر، يواجهان ازدهارا جديدا للروح الأممية. تنشا صلات ومبادلات بين وفود عمالية من الشمال ومن الجنوب في المنتديات الاجتماعية العالمية، كما في بورتو اليغري. ولا يجانب الواقعية في شيء اعتقاد انه ستنشأ منها شبكات نقابية دولية جديدة.

ترحيل في عين المكان: انتصار شغيلة Arcade (7)
أضربت عامللات Arcade بفرنسا عام 2002 للمطالبة بأداء الاجر المحدد في عقد عملهن، وبخفض وتائر العمل، وللتنديد بانتهاك الحقوق الأساسية. جرى التعريف شعبيا وإعلاميا بنضال هاته العاملات بفضل مساندة نقابات sud وcgt. وبعد سنة كاملة من النضال انتزعن نصرا كاملا. ان نضال هاته النساء المهاجرات، معدومات الأوراق الثبوتية في الغالب، ونجاحهن بوجه أرباب عمل شرسين، يرمز الى ان حجة القدرية، في مرحلة الخطط الاجتماعية والاغلاقات هذه، ليست إلا أداة بيد أرباب العمل لتمرير سياسة خفض التكاليف.

مسيرة نساء الأحياء
انطلقت في فبراير 2003، من Vitry-sur-Seine ، حيث تعرضت سوهان الفتاة المغاربية لاحراق بالبنزين من فتيان رفضت الخضوع لهم. جابت مسيرة نساء الأحياء زهاء 20 مدينة فرنسية، وتصدرت يوم 8 مارس، اليوم العالمي للنساء ، مسيرة 20 ألف شخص بباريس. بدأ كل شيء عام 2001 : انشان لجان نساء في الأحياء لاعلام النساء ومساعدتهن. وعقد جمعانetats generaux في السربون حيث اطلقت 250 منهن نداء "لا عاهرات ولا خاضعات". وفي 2002 قررن توسيع تفكيرهن وعملهن بتطوير " شراكات" مع بنيات من قبيل التخطيط العائلي ونجدة النساء ضحايا الضرب SOS femmes battues . لم يكف وضعهن عن التدهور منذ 15 سنة : هشاشة ، بطالة، عنف، عبء الدين والتقاليد. واستعرضن في ندائهن تناقضات وضعهن: " أمكن انتظار انعكاس الثورة الصامتة، التي شهدتها المدرسة منذ 30 سنة، في تقدم وضعنا في سوق العمل. و الواقع ان النمو لم يصلنا وتدهور وضعنا." وتنضاف بالنسبة للمتحدرات منهن من الهجرة أشكال الميز المرتبطة بأصلهن. ومن جهة أخرى يواصل العنف، المادي والجنسي والمعنوي، جعلهن جروحات. وينضاف الى مناخ العنف هذا انتشار الميز على أساس الجنس بين شباب الأحياء.
ونتيجة للتقهقر الاجتماعي الناتج عن السياسات النيوليبرالية، يتفاقم عبء الدين والتقاليد وتمثل نساء الأحياء ضحيته الأولى. ويختمن نداءهن بالكلمات التالية: "إن الخلاص من وضعنا، يستدعي التعبئة على كل الجبهات.نسعى الى خلق حركة نسوانية حقيقية بالأحياء ... قضيتنا هي قضية كل النساء الساعيات الى التغيير والمناضلات يوميا" .

النساء والنقابات
تضع العولمة الليبرالية تحديا بوجه الحركة النقابية إذ تفاقم استغلال العمل عبر تهشيش العمل المأجور، وتوسيع التشغيل اللاشكلي، والعمل بالمنزل والمناطق الحرة. إنها قطاعات حيث الحركة النقابية ضعيفة و نسبة النساء كبيرة. كيف يمكن ، في شروط تنامي انعدام الأمان الاقتصادي، الوصوصل الى ساء متمسكات بفرص العمل اكثر من سعيهن الى تحقيق حقوقهن وتحسين شروط عملهن؟ كيف يمكن تنظيم العاملات بالمنازل والمهاجرات؟
ان للحركة النقابية دور كبير ان هي أحسنت تكييف طرق اشتغالها مع هذه الأوساط الخارجة عن المجال التقليدي. المقصود في الوقت ذاته الحضور في الميدان والإنصات لانشغالات هاته النساء وإفهامهن مزية الكفاح ومساندة نشاطهن الملموس. (10) إنها، داخل النقابات نفسها، معركة دائمة من اجل إلغاء السلوكات والعقليات الجنسوية، ومن اجل تبوأ النساء مكانتهن في القاعدة وفي الهيئات. ثمة الكثير مما يتعين فعله.
ثمة على الصعيدين الوطني والدولي تشريعات لمحاربة ما تتعرض له النساء من أشكال ميز وتحرش جنسي، تتعلق بوجه خاص بالمساواة في الأجر، وبحق الإجهاض ومنع الحمل، وبحماية الأمومة. وان ملاحظة عدم تطبيق تلك التشريعات أمر، و قول إنها بلا جدوى أمر آخر: غالبا ما كانت النضالات الاجتماعية هي ما أتاح الاعتراف بتلك الحقوق، وباستعمالها يمكن التقدم في تحقيق تساوي النساء والرجال.
أخيرا ، بوجه عالم اقتصادي معولم، ستتعزز الحركة النقابية إذا نجحت في تطوير تضامن دولي لوقف التدهور العام لشروط العمل والتشغيل.

الحركة من اجل عولمة بديلة والنسوانية :
برزت، منذ أواسط سنوات 1980، شبكات نسوانية معولمة عديدة مناضلة ضد السياسات النيوليبرالية. اختار بعضها تنظيم نضالات مطلبية، واتجهت أخرى الى الضغط على المؤسسات الدولية الكبرى. وتدخلت شبكات كبرى من قبيل Wide ( Women in development Europe ) و
Dawn (Development Alternatives With Women for a new Era) و Wedo (Women s Environment and development Organzation) بشكل منهجي خلال مؤتمرات دولية، مثل مؤتمر ريو والقاهرة وكوبنهاغن، وبوجه خاص خلال المؤتمر العالمي حول النساء في بيكين عام 1995. ترمي أنشطتها الى دمج ُبعد النوع في كل تقارير المنظمات الدولية. وتسعى تدخلاتها الى التأثير على النقاشات حول التنمية، وابراز دور النساء في الاقتصاد المعولم، وتشجيع المساواة على الصعيد الاقتصادي كما القانوني في كل مكان بالعالم.
في مؤتمر بيكين عام 1995 بوجه خاص، قامت شبكات نسوانية بالتنديد بالعواقب السلبية للعولمة النيوليبرالية. وسعت الى الضغط لاتخاذ إجراءات هامة ضدها. لكن بوجه مواصلة السياسات الشرسة للمؤسسات المالية، وعدم وفاء الحكومات ببعض الالتزامات النادرة، شعرت حركات النساء بضرورة الانتقال إلى طور آخر. ولدت في بيكين، خلال القمة الموازية التي نظمتها المنظمات غير الحكومية النسوية، فكرة تنظيم مسيرة عالمية للنساء. في هذا المنظور وبمبادرة من فيدرالية نساء كيبيك، أتاحت سيرورة تحضير دامت شهورا تنسيقا عالميا حول برنامج.
ومن 8 مارس الى 17 اكتوبر 2000 ، في اكثر من 160 بلدا، أسمعت عشرات آلاف النساء خطواتهن وأصواتهن على نحو نادرا ما أتيح لحركة النساء. كانت المسيرة العالمية للنساء بالفعل حدثا سياسيا طبع قطيعة مع الانهزامية و الاستخفاف والعجز السياسي. تمكنت النساء من الاقتناع بقدرتهن على التنظيم والاحساس بقوة تضامنهن الجماعي.
طالب برنامج المسيرة العالمية للنساء 2000، المركز على "الوجه المؤنت للفقر"، بالغاء ديون البلدان الفقيرة، ورفضت برامج التقويم الهيكلي لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي. وهكذا طالبت منظمة الأمم المتحدة والدول الأعضاء باتخاذ إجراءات تضع حدا للفقر ومختلف اشكال العنف ضد النساء. ويتصدى البرنامج لاسبابها الجوهرية وليس فقط لنتائجها. وحدد بوضوح " الرأسمالية النيوليبرالية و النظام البطريركي" بما هما نظامين سائدين يتغذيان من بعضهما، ويتعززان لابقاء السواد الاعظم من النساء في وضع دوني ثقافيا واجتماعيا، وتهميش اقتصادي، واخفاء لوجودهن ولعملهن، وتحويل أجسادهن الى سلعة، أي وضع بمثابة ابارتهايد.

من بيكين الى بورتو اليغري
تمثل النساء المنخرطات في هذه الحركة، في الآن ذاته، موجة حركات تحرر سنوات 1970 وأجيال النساء الجديدة المناضلة ضد الفقر وضد العولمة الرأسمالية النيوليبرالية. شاركن في مختلف التعبئات الدولية، مثل سياتل. ويبرزن الأثر الخاص للعولمة النيوليبرالية على النساء. ويساهمن في عمل الشبكات والجمعيات المناضلة من اجل عولمة بديلة مثل اطاك.
نشأت سياسة تحالف حقيقية بين النسوانيات والحركة المناضلة من اجل عولمة بديلة. كان للقاءات خلال التعبئات – مثل جنيف وميو- والمنتديات الاجتماعية العالمية ببورتو اليغري، اثر على الحركات النسوانية وعلى الحركة المناهضة للعولمة على السواء. لكن بقدر بروز هذا الأثر على برامج واستراتيجيات حركات النساء، وبوجه خاص المسيرة العالمية للنساء، بقدر ما لا تزال الحركة من اجل عولمة بديلة لم تدمج بعد النوع في إشكاليتها وفي تفكيرها.
أثناء الدورة الأولى للمنتدى الاجتماعي العالمي ببورتو اليغري، كما خلال دورته الثانية، يمكن الحديث عن الطفرة النوعية وعن نتيجة بليغة أولى. أتاحت الشبكة الدولية التي تشكلها المسيرة العالمية للنساء اعتبار وجهة النظر النسوانية داخلها، وأضحت الحركة المناهضة للعولمة تحمل اثر حضور نسوي: تضمنت كل ندوات النقاش الكبرى مقررات نساء و/أو نسوانيات، وكان زهاء 60 ورشا مخصصا لمواضيع متعلقة بحقوق النساء. كانت ثمة بالطبع اوجه نقص : امرأة واحدة من 13 بالمؤتمر الصحافي الافتتاحي ، غياب نساء في رئاسة منتدى الحركات الاجتماعية. احتجت بشدة امرأة من حركة معدومي الأرض البرازيلية بوجه منصة كلها رجال. لكن هذه الأوضاع صححت الى هذا الحد او ذاك بفضل ضغط النساء. كذلك في المنتدى الاجتماعي في فلورانسا ، توالي زهاء 20 متدخل كلهم رجال، وكانت أغلبية المنابر رجالية ، لكن عدد النساء الفتيات المشاركات كان كبيرا.
يظل الاعتراف بحركة النساء بما هي ذات سياسية في الحركات الاجتماعية المختلطة- وهذا صحيح في حالة الحركة المناهضة للعولمة بوجه عام واطاك بوجه خاص- رهانا كبيرا: كيف يمكن للنساء تفادي التهميش و الطمس invisibilite او إزاحتنا نحو " خصوصيتنا"؟ كيف نعمل كي لا يصبح البعد النسواني"شأنا للنساء" بل يتكفل بها الجميع ذكورا واناثا؟
ان الطابع متعدد الأشكال المميز لحركة العولمة البديلة يتيح نوعا من الانفتاح على ذوات سياسية أخرى (جديدة)، والى بحث حقيقي على صعيد المضامين وبلورات نظرية واستراتيجية ونماذج تنظيمية. وثمة بوجه خاص إمكانية التقاء مع خط التفكير المؤكد على ضرورة تجاوز انفصال البعدين الموضوعي والذاتي للحياة والعمل على نحو يدمج النضالات الاجتماعية لكلا البعدين. لا يمكن تغيير هذا العالم تغييرا جذريا سوى بالانطلاق من مقاربة إجمالية تضم المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وكذا البعد العاطفي والجنسي و الأخلاقي والجمالي .
يتيعن إذن تخطي انفصال الحياتين العامة والخاصة. كما أكدت منذ امد بعيد حركة النساء بقول إن" الحياة الخاصة سياسية"، ويقود هذا الى التفكير على نحو مغاير في المقاومات والبدائل من اجل عالم آخر.

خاتمة
لنضع حدا لفكرة رائجة جدا. لا ليست مطالب النساء ونضالاتهن" خاصة" بالنساء، إنها على العكس في صلب النضال الجماعي ضد العولمة الليبرالية . إنها ليست " نضالات نساء" الى جانب نضالات اجتماعية، إنها ليست " مطالب نساء" "تنضاف" الى مطالب الحركات الاجتماعية. لانها تسائل أسس تنظيم المجتمع ذاتها، فهي تعني مجموع المواطنين، رجالا ونساء.
ان دمج مسالة علاقات الجنس الاجتماعية في دراسة العولمة يغني تحليل سيرورتها وآلياتها وتعقيدها ويعمق تفكيرنا. ان تسليط الضوء هذا يبرز الأبعاد المتجاهلة غالبا لا سيما دور النساء في الاقتصاد والمجتمع او العائلة. على هذا النحو يظهر قسم كامل من الاقتصاد مخفي في الغالب لانه غير تجاري، انه قسم العمل المرتبط بالإنجاب وبخدمات العناية الصحية. يقوم الاقتصاد التجاري بـ"استبعاد" تكاليف إعادة إنتاج قوة العمل والعناية بها الى الدائرة المنزلية المستندة على عمل النساء اللامرئي والمجاني.
رأينا كيف انه، في البلدان التي تطبق بها برامج التقويم الهيكلي،او خفض للنفقات الاجتماعية او في حالة الانحسار الاقتصادي، يقبل ضمنيا ان تعوض النساء عجز الخدمات ويقدمن منتجات قوتية ويحافظن ىعلى بقائهن بالعمل في القطاع اللاشكلي، او يعدن الى المنزل. تفضي خصخصة خدمات الصحة والتعليم العمومية الى تحميل النساء كل المهام وأنظمة الدعم التي كانت الدولة تؤمنها من قبل: عنهاا يقوم عمل النساء المجاني بدور صمام أمان اجتماعي. ان تكامل الأدوار المزعوم بين الرجال والنساء مفهوم ينعكس موضوعيا في قسمة للعمل على حساب النساء.
أدت لبرلة التجارة وحركات الرساميل إلى السعي الى المرونة، وعرفت المنشآت كيف تستعمل القسمة الجنسية للعمل لتطوير التشغيل الهش عبر العمل المؤقت او بالدوام الجزئي. ان اللجوء المتنامي الى المناولة (المقاولة من باطن)، وتنامي العمل بالمنزل، والعمل اللاشكلي، المؤنث جدا، يضعف قدرة الأجراء على فرض احترام الحقوق الاجتماعية، ويخفض معايير التشغيل للجميع. كما انعكست لبرلة التجارة، عبر حرية تصدير واستيراد المنتجات الزراعية، في بلدان كثيرة بالجنوب في تفكيك قدرات الإنتاج الغذائي المحلي الذي غالبا ما تؤمنه النساء.
ان التسليع المبرمج لمزيد من المنتجات والخدمات، وحتى الجسم البشري، يستهدف إخضاع مجموع الأنشطة الإنسانية للسوق، بجعل قانون الربح المحرك الوحيد للاقتصاد مضرا باحترام الحقوق و الحاجات الأساسية وأيضا بالمساواة بين الرجال والنساء.
ان تعبئات النساء، اذ تعارض تدهور شرط حياتهن، تضع بالمقدمة الحاجات اليومية( سكن، تغذية، ماء، صحة...) وحاجات حضانة الأطفال والتعليم وخدمات العلاج والعناية والصلات الاجتماعية. إنهن يناضلن كي لا تبقى هذه الحاجات مسؤولية فردية وعائلي، بل مسؤولية تتحملها الدولة. لا يعني هذا وقف تفكيك الخدمات العمومية، الناقصة اصلا، وحسب، بل أيضا تطويرها في قطاعات مثل حضانة الأطفال ومساعدة الشيوخ والحماية الاجتماعية... كما يبدعن أيضا كيفيات جديدة للتنظيم والتنظيم الذاتي وعلاقات جديدة بين الدولة والمواطن-ة.

رغم كثرة ما يعترضهن من عقبات ، تتنظم النساء بقصد الدفاع عن الحق في عمل جيد. وتدمج مطالبهن الحق في الكرامة، ووقف أشكال العنف، وتشهد على طموحهن الى نوعية جديدة للحياة كما الى الحفاظ على البيئة.
يجب الا يدفع وعي المصالح المشتركة بين النساء الى الاعتقاد ان النساء يشكلن بمجملهن جماعة موحدة المصالح. يجب ان يخلي المفهوم الرومانسي لتضامن نسائي كوني المكان لمفهوم تضامن نسائي ميداني واستراتيجي وفعال. يجب الا نتجاهل الواقع التالي: ان كانت إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي قد أدت، إجمالا، الى مزيد من الفقر، ومزيد من التفاوت بين النساء والرجال، فقد فاقمت أيضا الانقسامات بين النساء ذاتهن، انقسامات تتجسد من جهة في التقاطبات الاجتماعية داخل نفس المجتمع، ومن جهة أخرى بين نساء بلدان الشمال ونساء الجنوب. تتجلى هذه الانقسامات مسالة الديون، وفي برامج التقويم الهيكلي، وفي استغلال اليد العاملة وفي نهب الموارد الطبيعية . تشكلت منظمات نساء عديدة في بلدان الجنوب للتنديد بفضيحة الديون وبالعبء الكبير الذي تلقيه هذه الديون عليهن. لم ُتدمج بعد انشغالاتهن، رغم حيويتها، من قبل كل المنظمات النسوانية بالبلدان المتقدمة، بفعل انعدام رؤية إجمالية للرهانات في غالب الأحيان.
ان سيرورة العولمة ملازمة لتطور الاقتصاد الرأسمالي ولمنطقه القائم على تراكم الرأسمال. يستند هذا الأخير على استغلال العلاقات الاجتماعية الطبقية، والجنسية، وعلاقات شمال- جنوب. تفضي حتما النضالات النسوانية من اجل المساواة بين الجنسين، بذهابها حتى نهاية منطقها، الى وضع هذا النظام الاقتصادي العالمي موضع اتهام ومعه الاستغلال الاقتصادي الذي يرتكز عليه. العكس ليس صحيحا: اتهام نظام التراكم الرأسمالي لا يفضي بالضرورة الى اتهام اضطهاد النساء . وكما تقول Maria Mies (13) :" انطلاقا من الإقرار بكون النظام البطريركي والتراكم على الصعيد العالمي يشكلان الإطار الإيديولوجي الذي يندرج فيه واقع النساء ، ليس بوسع الحركة النسوانية في العالم غير تحدي هذا الإطار، ومعه القسمة الجنسية والدولية للعمل المرتبطة به". ليست النسوانية مرتبطة بالانتماء الى جنس بل إلى تحليل سياسي لتوزيع السلطات والثروات في المجتمع. بهذا المعنى يمكن قول ان النسوانية تتضمن كل النضالات. ان التطلعات الديمقراطية والتحررية للنساء ترفض النظام الاقتصادي الراهن لأنه مؤسس على الاستعباد والاستغلال وعلى ممارسة العنف بواسطة التنافس وعلى سيطرة الرأسمال المالي دون منازع. انها تندرج في صلب النضالات من اجل عولمة بديلة. وتشكل قوة حية في الشبكة الدولية للمقاومة لأنها حاملة للعدالة والتقاسم والحرية للإنسانية برمتها.

الفصل التاسع من كتاب عندما تصطدم النساء بالعولمة – منشورات جمعية اطاك

تعريب جريدة المناضل-ة