المرأة والوعي السياسي (2 )



أماني فؤاد
2015 / 11 / 15

المرأة والوعي السياسي ( 2 )
د. أماني فؤاد
لماذا شاركت المرأة المصرية بالانتخابات البرلمانية في مرحلتها الأولى بنسبة وصلت إلى ما يقرب من ثلاثة أضعاف الرجال والشباب وفقا للتصريحات الإعلامية ؟ لعلنا نتساءل ما الذي يجعلها دون غيرها من الفئات لم تزل تمتلك الإصرار على استكمال المراحل والاستحقاقات رغم أن المشهد السياسي العام يدعو إلى الإحباط واليأس.
ربما بدا لى الأمر في عمقه ضاربا في الحضارة المصرية الفرعونية القديمة بكل أساطيرها الرمزية ، كأن ( إيزيس ) التي تلم الشتات وتعيد البعث من الموات لم تزل حاضرة ، تطل في العقل الجمعي للمرأة المصرية رغم كل مثبطات الهمم التى نعيش في ظلها ورغم ضبابية القوى . توقفت أمام المشهد لأحلل أبعاده الاجتماعية والنفسية ووجدتني أسجل عدداً من الافتراضات لهذه الظاهرة التي لا أسلم بأنها قاعدة أو قانون بل هي مجموعة من التوقعات التي أقرأ من خلالها المشهد كما أن الكتلة التصويتية التي شاركت من النساء تتعدد منطلقاتها :
ــ في ظني أن المرأة أكثر بحثا عن الأمان، لا الصراع والرغبة في التغيير وما يتطلبه من فترات زمنية قلقة تدفع فيها أفدح الأثمان سواء في أمنها الذاتي أو أمن عائلتها والمحيطين بها، هذا رغم خطورة ما قد يتطلبه شعورها هذا بالأمان من الرضوخ والاستسلام أحيانا فتركن للصبر على أوضاع قلقة في المجتمع . أتصور أن وعي المرأة الاجتماعي أكثر نضجا من وعيها السياسي فوجودها وجود علائقي حاضن يستوعب الآخرين، لا تنحو إلى نزعة انفصالية متطرفة ، كما أنها أكثر نسيانا للخلافات التى تنقضي وأكثر قدرة على النظر إلى المستقبل ، تنشد الاستقرار والبعد عن أي توجه متطرف قد يغامر به الرجل ، توجه ينشد المواجهة والتغيير الذي يتطلب أحيانا نوعا من الهدم والصراع.
ــ ربما لأن المرأة لم تزل تثق وتأمل في السلطة الحالية وعلى رأسها شخص الرئيس السيسي، تحسب له أنه قد أنقذ الوطن من استحواذ الجماعة التي وضعت مصر و المرأة خاصة في مكانة لا تليق بنساء مصر، الجماعة التي تعمدت تهميشها من المشهد العام، بل التعرض العنيف لها أحيانا، لم تزل المرأة صابرة تدرك أن الميراث ثقيل من المشاكل، وأن الرئيس شخصية وطنية محبة وقوية يحمل الكثير من التقدير لدور المرأة بالمجتمع. ربما لم تزل تشعر أن الأيام القادمة تحمل انفراجات فيما يخص الشباب المعتقل وتعديل قوانين التظاهر فلقد طالها هي كشخص، أو أم لشاب أو أخت طائل من هذه الأحكام ، انفراجات تأمل أن تحمل معها أيضاً بعض التنمية الاقتصادية وتحسين أوضاع الخدمات المجتمعية.
ــ ربما لأنها أكثر بعدا عن الصراعات ومتطلبات الحياة لا تتعامل مع الواقع كما ينغمس فيه الرجل ويعاني مشكلاته ويرى ثغراته و تتراكم عليه المتطلبات دون أن يشعر بنهضة اقتصادية أو تحسن في أوضاع لم تزل تشير إلى استشراء الفساد وطغيانه ، لكن يمكن أن يرد على هذا الاحتمال بأن أكثر من 30 % من نساء مصر معيلات لأسرهن وأولادهن ، كما أن المرأة شريك ضالع في كل أسرة مصرية وتتحمل الكثير من التبعات لتدني المستوى الاقتصادي.
ــ ربما لأنها الأكثر بعدا عن الشعور باليأس والإحباط الذي أصاب الكثير من شباب مصر ورجالاته من استمرار وجود الكثير من المظاهر الفاسدة والوجوه المتغولة في المجتمع التي كانت سببا رئيسا لقيام ثورتين من أجل القضاء عليها ، قد تشعر بفطرتها أن هذه مرحلة ستكتب نهايتها قريبا بعد أن أصبحت الحروب الحالية تدور على أصعدة متعددة ولاسيما على أرض سيناء التي تبذل فيها جهود حثيثة ومتسارعة من أجل تطهيرها من هذه الجماعات الإرهابية.
ــ من المؤكد أنها أدركت بحسها الفطري أن التيارات السلفية لا تختلف كثيرا عن جماعة الأخوان الإرهابية ، وأنها لو أصبحت الأغلبية في البرلمان وكان باستطاعتها أن تشكل حكومة، سيصبح هؤلاء بما نسمعه من دعاتهم ورجالهم من فتاوى وأقاويل هم من يحكمون الحياة بمصر بما تحمله معتقداتهم من تطرف ومغالاة ورجعية وعدم احترام لكيان المرأة الذي يجب أن لا تنقص حقوقه بأي شكل من الأشكال عن الرجل. نزلت لتقول لا لكل فصيل أو تيار يعود بها للوراء رغم أنها تدرك أننا بمرحلة تخبط ومخاض وأن من تختاره من المرشحين لا تعرف عنهم ولا عن توجهاتهم الأيديولوجية الكثير ، فقط لن يكونوا أصواتا لهذه التيارات ، أتصور أن الأغلبية منهن نزلت لموقف الرفض للتيار السلفى وما يتخفى تحت عباءته من أخوان فقط لا ضمن معرفة من تختار ولماذا تختاره ، فهي تدرك بوعيها أن للضرر درجات ، وأننا أضعنا وقتا طويلا في صراعات الإسلام السياسي ومن يمثلونه دون جدوى.
ــ ربما أيضا لأن بعض النساء أكثر تصديقا وخضوعا لتوجيه وسائل الإعلام أو السلطة المتمثلة في العائلة التي رشحت من يمثلها، أو سلطة الأحزاب السلفية والتيارات الدينية أي أنها الأكثر تأثرا بما تسمعه أو ما يمارس عليها من ضغط.
هنا يتطلب النقاش أن يظل قائما أثناء الإعادة والمرحلة القادمة من الانتخابات في نفس كل سيدة حول من تنتخب ؟ خاصة أن الكثير من الوجوه المرشحة لا أحد يعرف عنها الكثير ، الانتخاب حرية فردية ويتحدد التصويت فيها وفقا لاختيار قائم على تفضيل برنامج ورؤى وسياسات تعد بتنفيذها المرشحة أو المرشح ، لكن الأهم لمن يجب أن تقولي لا في الانتخابات ؟ ومن يجب أن تقاطعي وترفضي أن يكون ممثلا لكل إنسان مصري لا المرأة فقط ؟
تجب مقاطعة كل من يتاجر بالدين ويجعله مرجعيته ليتدنى به لمتغيرات السياسة وأهدافها ، من يوظفه من أجل أن يبرر أطماعه ، أي أحزاب أو أفراد يقولون إسلامية وهم لا يشكلون برنامجا اقتصاديا أو ثقافيا أو سياسيا يفسرون به مقولتهم ليطبقوها على أرض الواقع ، من يتاجر بالدين يمكنه أن يتاجر بالوطن وذمته وضميره .
ــ لا لكل من أفسد الحياة السياسية السابقة في العقود الماضية واتخذ من البرلمان الذي يأتي نوابه لخدمة الشعب ، وسيلة للحصانة والقوة والتكسب والنهب عن طريق الامتيازات وعن طريق النفوذ والعلاقات مع المسؤولين ، فإذا بهم يتحولون إلى سارقين تنتفخ بطونهم من نهب مقدرات الشعب واستحقاقات الجميع بدلا من أن يكونوا مشرعين وممثلين للشعب وحارسين لمصالحه. هم وطبقة من رجال الأعمال التي التفت حول السلطة الحاكمة السابقة وتشكلت منهم حكوماتها في أغلب الفترات، في تزاوج بين السلطة ورأس المال لا تستقيم معه أبسط قواعد العدالة الاجتماعية.
ــ لا لكل من يستقوي بعائلته ونفوذه و أمواله ، ومن يتخذ التحالفات والصفقات مظلته التي ترعى سيادته على الفقراء ، يستميلهم بالأموال واللحوم والمواد التموينية التي توزع عليهم وعلى المحتاجين فيشتري أصواتهم بثمن بخس ، لو يعلمون ماذا يدفعون مقابله لحزنوا حزنا شديدا ، يدفعون في مقابله المزيد من التجاهل لمشاكلهم والمزيد من الفقر والعوز والتدني مع ممثلي شعب لا تتحكم فيهم سوى مصالحهم الذاتية.
ــ لا لطبقة جديدة برزت على سطح المشهد السياسي تمثلت في بعض رجال الإعلام أو الوجوه التي تملأ الفضائيات بتواجد مضلل وموجه من بعض الجهات المختلفة التي لكل منها أطماعه ومصالحه ، وجود يقترب من نموذج الفتوة في روايات "نجيب محفوظ" ، ينسون أننا دولة عريقة دولة قانون ودستور منذ قرون مضت ، يتجاهلون قدر الصدق والاحترام الذي يجب أن يتمتعوا به ، يشككون في ضمائر الكل فيما عداهم وهم الأولى بالمساءلة والتحقق من أهدافهم بزرع كل هذه البلبلة في أذهان الجماهير.
هناك بعض المقولات التي ينبغي أن نناقشها في هذا الصدد والتي لا سبيل لتجاهلها في هذه اللحظات المفصلية من تاريخ الأوطان .
يدعي البعض أن الإسلام السلفي يختلف عن جماعة الإخوان المسلمين حيث أنهم جماعة دعوية لا تطمع في الحكم ولا يعنيها سوى رفع كلمة الله ، تلك مقولة خطأ ولا يطلقها سوى الجهلاء والمغيبين فطالما دخل السلفيون سباق الانتخابات هم إذا يبتغون السلطة ويطمعون في الاستحواذ على النسبة الأكبر في البرلمان القادم ومن ثم تشكيل الحكومة، هم إذن راغبو سلطة.
السلفيون لا يختلفون عن أي فكر ديني ينطلق من رؤيته هو للدين ، وتفسيره الخاص له والذي تجمد عند مرحلة ماضية لم تلحقها التطورات اللانهائية التي حدثت بالحياة منذ نزول الرسالة وتصدي من تصدى لها بالتفسير والاجتهاد ، هذا لأن أسسهم الفكرية واحدة وينطلقون منها جميعهم حتى من يدعي وسطيته واعتداله.
كل من يستند على الفكر الديني يعتد بتفسيره هو وحده للنصوص الدينية وفهمه لها رغم اعتراف الجميع بأنها حمالة أوجه. ويرى فيه فقط ما يمثل صحيح الدين وأن أي رؤية أخرى لنفس هذه القضايا تختلف معهم في التوجه خطأ بالضرورة ، بل تصل المغالاة بالكثير منهم إلى حد تكفير هذه الفرق التي تختلف معهم أي أنهم يوحدون بين الدين ورؤيتهم هم للدين ونصوصه. وهو ما يخالف روح الدين الإسلامي السمح المعتدل.
معظم رجال الدين يغفلون تماما فعل التغيير والتطور الذي يحدثه الزمان أي ما يطلق عليه تاريخية الظواهر لذا لا يقيمون وزنا للعصر وضرورة تحديث كثير من المفاهيم التي لم يسهم في الاجتهاد فيها السلف نظرا لحدود سياقات عصورهم وما وجد فيها .
بدأت النهضة الأوربية الحديثة عندما أعلت من قيمة العقل البشري وجعلت له الأولوية على حساب الإفراط بالتمسك بالنص بل طوعت النص للعقل البشري وهذا هو تماما ما دعا له "ابن رشد" منذ زمن طويل حين طالب أن يوؤل النص الديني بما يتفق مع العقل البشري، وحين فصلت سلطة الكنيسة عن الدولة والسلطات الحاكمة، كفانا اتجارا بالدين ومزجا له في السياسة وخلطه معها ، آن لنا أن ندرك أسباب جمودنا وتخلفنا التي نهرب من مواجهتها وهو ما يجب أن تسهم فيه كل امرأة مصرية متعلمة ومثقفة ، نحن بحاجة لإعادة النظر في كثير مما يبدو مسلمات اجتماعية ودينية وإعادة النظر في مواجهة جدواها وفلسفتها العميقة.