أستراتيجيات تحرير المرأة ودورها في المجتمع الإسلامي



عباس علي العلي
2015 / 11 / 23

أستراتيجيات تحرير المرأة ودورها في المجتمع الإسلامي

واحدة من أهداف الأمم الحية أن تجعل المجتمع في حالة من الديناميكية المتفاعلة مع خصيصتها والساعية لتطوير أداء مكوناتها دون التمييز بينها ,فهي تبني رؤية لمجتمع من المفترض أن يكون واحدا منسجما في الأداء كما هو منسجم في التكوين البنائي ليس هناك حدود داخله ولا أمتيازات تقابلها حرمان جزء أو بعض هذا المجتمع من حق أو جملة حقوق ,إنها رؤية تثبت من خلال تصوراتها النظرية وأداءها العملي أن الهدف كلي والبناء شمولي لذا فتوفر فرص النجاح ستكون وافرة لأن الجميع معني بها .
في العالمين العربي والإسلامي تحديد إلا في أستثناءات محدودة تواجه إستراتيجية تنمية المجتمع إشكالية مهمة وهي التفاوت بين مكونات المجتمع في كل النواحي ابتدأ من التفاوت المعرفي والعلمي والأقتصادي ,إلى التفاوت في القيم والنظرة والدور لهذه المكونات والصراع الخفي في طياته ,كل هذه التفاوتات بنيت على إرث فكري مؤثر ومؤسس للنظرة الأجتماعية المعززة والمحافظة لهذا التفاوت ,الريف والمدينة الفقر والغنى التعليم العالي والجهل والتخلف الرجل والمرأة وأخيرا النظرة الدونية التي تتحكم في بناء المخطط التنموي من خلال إقرار هذا التفاوت وعدم وضع البرامج الجادة والفعالة لمكافحته بحجج الواقع والممكن وتحكمات القيم الفوقية الأجتماعية والسياسية .
لا تنجح أي رؤية ولا تمتلك أي إستراتيجية أجتماعية مشروعية وفرصة نجاح ما لم تعتمد على إعادة التوازن الأساسي والطبيعي للمجتمع , وأهم أركان هذا التوازن هو توازن المكونات التي يعيد القدرة لهذه الرؤية أن تنفتح على الأختلالات الأخرى بطريقة عملية وعلمية , الفقر مثلا كعامل عدم أستقرار أجتماعي يصيب المجتمع في صميم حركته لكنه يصيب الجزء الأعظم منه وهو جزء المرأة والطفل بأثر أشد ونتائج أخطر مما يعود بضرر مضاعف على الأسرة التي هي عماد المجتمع ونواته المؤسسة , هذا الركن مهم وأساسي في وضع الرؤية الإستراتيجية طويلة الأمد والنجاح الذي تستحوذه في تضييق الفجوة بين النصف الذكوري والنصف الأنثوي مهم لنجاح التنمية الأجتماعية عموما .
الفقر كما عرفناه ليس فقط نقصا في الموارد المالية للفرد ولا حاجة لا يمكن إشباعها نتيجة التفاوت في التحصيل ,الفقر أساسا يتركز على عدم قدرة المجتمع على منح أفراده فرص متساوية ومتناسبة وميسرة تتيح للجميع أن ينطلق للكسب والتحصيل المعرفي والعلمي والأقتصادي دون النظر إلى من يكون أو ما سيكون ,العدالة والعدل الأجتماعي أهم علاج ناجح لمكافحة الفقر والقضاء على مسبباته الأساسية ومرتكزات هذا العدل هو أن تتساوى النظرة الإنسانية للجميع على أنهم أفراد يمتلكون حق واحد لا مجال للمساومة علية ولا من حق أحد أن ينتهكه .
العلاج الحقيقي لحالة عدم التوازن الطبقي داخل المجتمع لا يصح أو يصحح من خلال توزيع عبء الفقر على الكل بل بتوزيع الفرص الحقيقية المؤدية للإفلات من الوقوع فيه , وهذا يتم عادة بفتح أبواب التعليم والتدريب والتنمية الخاصة بالموارد الفردية أولا وعلى مستوى حر دون تعليقه بشرط الجنس والعمر والفئة وما إلى ذلك من محددات , المهم أن نمنح الفرصة للجميع للنجاة من غوائل نقص الموارد ونقص الفرص المتاحة للتطور وبذلك منحنا المجتمع حرية حركة أكثر وأكبر نحو تجاوز عقبة مهمة في طريقه .
إن الإستراتيجيات الموضوعه اليوم صحيح أنها وضعت حلول لبعض إشكاليات المرأة العربية في المجتمع ووضعت حلول وتصورات لكنها أهملت الجانب المهم والأساسي وإن تطرقت له بخجل , أن المرأة العربية عامة والعراقية خاصة بحاجة الى دعم معنوي ومؤازرة لها على طريق أثبات الوجود كجزء مهم وأساسي من القوى المحركة اجتماعيا ، عليه أن لا يتركها بدون غطاء علمي ومعرفي ,وأن لا ينظر لها على أنها مجرد ظل لوجوده ، الدعم الحقيقي بالمحصلة هو أنتصار عملي للمجتمع وتقليل من حجم مسؤوليات المجتمع عندما تتوزع الواجبات والحقوق بين أبناءه بطريقة قريبة من الحد الطبيعي ، أكتبوا وأفتحوا لهن أي طريق يجدن أنفسهن به ولا تعتبروا ذلك فضلا ذاتيا منكم أنه من واجبات الالتزام بالزمن المتحرك .
إن واقع المرأة العربية عامة بحاجة لمعالجة عميقة تمتد من أساسيات العرف الاجتماعي والديني الذي ينظر لها على أنها عالة أقتصادية وعبء مكلف وبنفس الوقت يحملها مسئولية أكبر من الحجم الطبيعي لها مقارنة مع مجتمعات أخرى تعيش نوعا من التوازن بين مفاهيمها والبعد الإنساني للقضية , هذه الازدواجية بالنظرة تستنزف كل الفرص المتاحة لتطوير واقع حقوق المرأة في داخل المجتمع الذي يعاني انفصاما قيميا في الكثير من الجوانب ,فهو يفتخر بأن نساء النبي مثلا وكثيرا من الصحابيات كن أعمدة أجتماعية في واقعهن وكن معلمات وقائدات ورائدات وخرجن حتى للقتال مع جيوش المسلمين ويعتبر ذلك من المآثر الكبرى , لكنه في نفس الوقت يتشدد في منح أبنته أو زوجته أو شقيقته حق التعليم وحق العمل وحق التعبير عن ذاتها بحرية كما في مثله العليا التي أشرنا لها .
إن التذرع بالتكاليف الدينية والآداب الإسلامية التي يفترضها البعض على أنها أساسيات مهمة في بناء المجتمع وقيمه ما هي إلا تهيؤات نتجت عن قراءات خارج واقعها وخارج الفروض الإنسانية التي أرادها الله تعالى من خلال الخطاب الديني , فتعليم المرأة ومنحها حق الوجود كاملا وحمايتها وعدم تكليفها خارج ما هو طبيعي في الدور المرسوم لها داخل المجتمع كأن تكون زوجة وربة بيت وصاحبة العمل وبدون مقابل مادي أو أجر فرضته الشريعة الإسلامية والزوج يمارس حياته بكسل إتكاليه كونه الذكر الكبير داخل الأسرة , هذا ظلم وإجحاف وهتك لحقوق المرأة الأساسية التي نادى الإسلام بتوازنها على أساس الوظيفة الطبيعية لكل من الرجل والمرأة على حد السواء .