المرأة... سيدة الدنيا الغائبة المغيبة



عدنان الصباح
2015 / 12 / 4

غريب هو أمر النساء فرغم أنهن يدركن مكانتهن الحقيقية وقدرتهن على التأثير إلا أنهن يقبلن الخنوع والرضوخ والاستكانة للرجال والغالبية المطلقة تقريبا من النساء يقبلن المكانة الثانية بعد الرجل في كل الأحوال وبكل بلدان العالم تقريبا وحتى نساء الطبقات الفقيرة والتي تقع على عاتقهن في معظم الأحيان اكبر المهام في المجتمع والأسرة, ففي المجتمعات الريفية تقوم المرأة بدور العبدة البيتية وعبدة الحقل, في الصباح تبدأ دور العبدة البيتية للزوج والأبناء فهي ملزمة بالاستيقاظ قبل الجميع وتحضير احتياجات الجميع وان وجد من هو ملزم بمساعدتها فهي الابنة الأنثى وليس الابن الذكر وبالتأكيد ليس الزوج وحتى وان حصل أن تنازل احدهم وقدم للزوجة أو الأم أو الأخت يد العون فهو يتحرج حتى من إعلان ذلك ويعتبره تنازلا خطيرا وعلى المرأة أن تشعر بالعرفان دائما حيال ذلك.
لا تعرف المرأة الريفية معنى النوم المتأخر فهي تلتقي بنور الشمس في الحقل لا على شباك غرفة نومها وهي تعود إلى المنزل مساء لتقوم بنفس الأعمال كعبده بيتية من طراز رفيع والأخطر من ذلك أنها تقبل بدور الجارية كمصدر متعة للرجل في آخر الليل بعد أن تكون قد خارت قواها ولم يعد لديها حتى القدرة على الاستمتاع بالمتعة الوحيدة التي لا يستطيعها الرجل بدونها, الرجل يصحو على فنجان قهوته وملابسه النظيفة المرتبة والمناسبة وقد يطلب مساعدته في ارتدائها وهو يستمتع بقهوته وإفطاره وحمامه النظيف وبقيلولته المسائية ووجبة الغداء الساخنة وهو أيضا يستمتع بالمقهى مع أصدقائه بالتظار أن يعود ليجد عشاء دافئ وجسد دافئ في فراش دافيء تحت إمرة رغباته.
رغم أن عدد الرجال في الإحصائيات الرسمية يفوق عدد النساء على مستوى العالم إلا أن ذلك لا يمنع من القول أن النساء يشكلن تقريبا ما نسبته نصف سكان الأرض ومع ذلك تبقى المرأة في حال مزري في كافة أنحاء العالم في الوقت الذي يتحدث العالم بأسره عن الديمقراطية وحكم الأغلبية لا يطال المرأة من هذه الديمقراطية سوى الفتات الذي يلقيه إليها عالم الرجال.
إحصائيات كارثية:
*ثلثي أميي العالم البالغ تعدادهم 876 مليون هن من النساء
* 56 مليون من أصل 118 مليون من المهاجرين من بلدانهم إلى بلدان أخرى هن أيضا من النساء
* نصف نساء إفريقيا تقريبا يتعرضن إلى عملية الختان
* يقول تقرير بعثة السوق الأوروبية لتقصي الحقائق في البوسنة إن أكثر من 20000 امرأة تعرضن للاغتصاب هناك خلال أحداث العنف التي اندلعت عام 1992م
* تشكل النساء ما نسبته 70% من مجموع أولئك الذين يعيشون دون مستوى خط الفقر في العالم
* النساء يكسبن اقل ب 40% من اجر الرجال الذين يقومون بنفس العمل.
* 58% من الوفيات في بعض مناطق الهند الفقيرة جاءت بسبب القتل العمد خلال الأيام السبعة الأولى للولادة
* مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية في العالم العربي لا تتجاوز 9% وفي أكثر بلدان العالم تقدما لا تتجاوز نسبة 40%
* جميع الإحصائيات تخرج كليا دور المرأة في الأسرة وأعمالها المنزلية من أي تأثير في الحياة الاقتصادية دون أن يؤخذ بعين الاعتبار أن هذا يشكل الحافز الأساس لأي نشاط اقتصادي أيا كان
* جميع الإحصائيات لا تشير إلى الدور المزدوج والمعقد لعمل المرأة والذي يحرمها من ابسط حقوقها في العمل الإنساني فكل أنظمة العمل والعمال تشير إلى حق العامل في يوم من ثلاث مراحل 8 ساعات عمل و 8 ساعات للحياة الاجتماعية و8 ساعات نوم وفيما يخص المرأة يتناقص لديها حقها في الراحة وحقها في النوم بينما يزداد ذلك لدى الرجل
* في حين أن مشاركة المرأة العربية في الحياة الاقتصادية لا تتجاوز ما نسبته 9% نجد أن نسبة النساء اللواتي يعلن أسرهن تصل إلى ما نسبته 12.5%
* الإحصائيات المتوفرة عن مشاركة المرأة في الحياة السياسية في العالم العربي
في الأردن مثلا
في المجالس النيابية 2.5%
في المجالس المحلية 2%
في الأحزاب السياسية 10%
في نقابات العمال 27%
في النقابات المهنية 18.7%
في المنظمات غير الحكومية 18.8%
إحصائيات فلسطينية ( تقرير مركز الإحصاء الفلسطيني 2013 ):
*نسبة طالبات الإعلام والصحافة 55% من مجمل الدارسين في حين نسبة العاملات في حقل الصحافة 36%
* 5% من النساء الفلسطينيات المتزوجات تزوجن قبل سن 15 سنة و36% منهن قبل سن 18 سنة
* نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل عام 2012 هي 17.4% في حين أن نسبة مشاركتها في العمل الزراعي في الضفة الغربية 37.9% وفي قطاع غزة 27.4% ورغم أن من المفروض أن يعني ذلك دور أهم للمرأة في المجتمع الريفي إلا أن ذلك ينعكس سلبا ويشير إلى استغلال أكثر وبشكل لافت للمرأة في المجتمعات الريفية وفي الأوساط الفقيرة.
* نسبة تعرض النساء اللواتي سبق لهن الزواج للعنف الأسري في قطاع غزة 51% وفي الضفة الغربية 29.9% ويظهر هنا تأثير الوضع الاقتصادي على العنف ضد المرأة وكذلك التخلف في النظر لحق المرأة بقدرتها على اتخاذ القرار بشان حياتها الزوجية وقدرتها على الانفصال مع عدم فقدان احترامها كانسان.
* 65.3% من النساء الفلسطينيات يفضلن الصمت عن العنف الممارس ضدهن ويدل هذا على شعور المرأة بعدم وجود حماية كافية لها لا رسميا ولا شعبيا إن هي توجهت بالشكوى محاولة حماية نفسها من العنف الموجه ضدها ولا ينظر المجتمع بشكل عام باحترام إلى المرأة المشتكية وعلى العكس قد تصبح ضحية من جديد لدى أولئك الذين من المفترض أن يقدموا الحماية لها
* ما يقارب من 30 امرأة قتلن في العام 2013
* 12.9% نسبة مشاركة المرأة في المجلس التشريعي في حين أن نسبتهن في المجتمع حوالي 49%
* معدل نجاح الإناث في امتحان الثانوية العامة للعام 2011/2012 كنموذج كان 72.2% وبين الذكور كان ما نسبته 56.6% ثم يأتي من يقول إنهن ناقصات عقل!!!
* نسبة العنف الممارس ضد المرأة من قبل شريك حياتها وصل إلى 37%
* تقتصر مشاركة المرأة في النقابات العمالية على ما نسبته 8.5%
* مشاركة المرأة في مجالس الحكم المحلي بلغ 21% فقط
* نسبة النساء العاملات في القطاع الحكومي بلغت 40% في حين أن نسبتها في المراتب العليا متدنية جدا فهي اقل من 1% في المناصب من مدير عام وزارة فأعلى.
اضطهاد بتبريرات سخيفة:
الاضطهاد الذي تعيشه المرأة أو حالة الدونية التي تعيشها في المجتمع لها أسبابها التي يرى الرجل ما يبررها وفي المقدمة الحالة البيولوجية للمرأة وعلى رأسها الحيض الذي يتعقد الجميع أنها حالة نجاسة تمنع الاقتراب من المرأة ويتم التعامل معها على أنها نجسة
تعتبر اليهودية والمسيحية من بعدها فترة الحيض فترة نجاسة لمدة سبعة أيام وتعتبر المرأة نفسها نجسة لمدة سبعة أيام لكل من اقترب منها أو لامسها بل وتحكم التوراة بقتل الرجل والمرأة بالرجم إذا مارسا الجنس أثناء الحيض وفي حين لم يقر الإسلام ذلك إلا انه اعتبر الفترة فترة نجاسة ولكنه أجاز للمرأة فيها مثلا التحلل من كل الالتزامات الدينية كالصوم والصلاة ومس القران الكريم ودعا الرجال إلى اعتزال النساء ولكنه لم يقم حدا ولم يقرر عقابا للمخالف سوى الاستغفار
بكل الأحوال فان الحيض أجاز اعتبار جزء من حياة المرأة نجاسة وبمعنى أن وجود أسبوع من الزمن في كل شهر كذلك فان هذا يعني أن ربع عمر المرأة ملغي من الحياة في العرف اليهودي والمسيحي ومع أن الإسلام خفف هذه الصورة إلى ابعد الحدود إلا انه لم يلغي الدعوة لاعتزال المرأة وكونها تعيش حالة شاذة إنسانيا.
الحمل أيضا اعتبر مانعا لمساواة المرأة بالرجل واعتبرها غير قادرة لفترة ما على ممارسة حياتها الطبيعية سواء أثناء الحمل أو بعد الولادة وما يليها من التزامات الرضاعة والعناية بالطفل.
القدرة الجسدية والتي يرى البعض بالمرأة كائنا رقيقا لا يستطيع القيام بأعمال تحتاج جهد عضلي كالرجل ورغم أن كل الدراسات والأبحاث أكدت أن لا صحة لهذا التصور إلا أن حرص الرجل على أنوثة المرأة يدفعه للإصرار على ذلك.
دور التابع والذي تفرضه الحياة في سائر المجتمعات تقريبا باعتبار المرأة تابعة للرجل فهي تسمى باسمه بعد الزواج وتصبح مسئولة عن تسهيل حياته ليمارس عمله خارج البيت وحتى بعد أن وجدت المرأة طريقها إلى خارج المنزل وبدأت تشارك الرجل في أعباء حياته الاقتصادية بل وتفوقه في بعض الأحيان ظلت المرأة هي المسئولة عن دور الخادم البيتي حتى بعد الانتهاء من العمل جنبا إلى جنب مع الرجل أكان زوجا أو أبا أو ابنا أو أخا وحتى لو كان هذا الرجل غير عامل فهو ينتظر المرأة لتنتهي من عملها لتقوم بتحضير احتياجاته المنزلية وهذا يبين بجلاء أن من تعمل خارج المنزل ثماني ساعات ثم تواصل العمل في المنزل ليل نهار اقدر بما لا يدع مجالا للشك على تحمل الضغط النفسي والجسدي أكثر من سواها.
الموقف الديني من المساواة بين الرجل والمرأة والذي يصر العديد من رجال الفقه الإسلامي على أن الإسلام يحرم ذلك وهنا أسوق مجموعة من الآيات القرآنية الكريمة التي قرنت باستمرار وبدون تمييز ذكر الأنثى والذكر على قدم المساواة ومنها قوله تعالى:
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء )
( هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها )
) من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (
) فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض)
) يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم)
كل الآيات الكريمة الواردة هنا تشير بشكل متلازم إلى الذكر والأنثى وليس للتقديم أو التأخير هنا أية دلائل تنقص الاقتران قيمته فالله سبحانه وتعالى يشير إلى الناس موضحا بشكل جلي أنهم الذكر والأنثى مكونان متلازمان معا للبشرية)
مفهوم المساواة التي كثيرا ما يتندر أعداءها بالقول هل على الرجل مثلا أن يحمل ويحيض وهذا بالتأكيد تسخيف للمساواة من جانب لكنه تأكيد من جانب آخر على أن التمايزات القائمة تطال الجانبين فالمرأة تحيض وتحمل وهذا أمر متعب يأنف منه الرجل بل ويعتبره عبئا ونقيصة متناسيا انه نتاج طبيعي لهذه النقيصة إن جاز التعبير ومشارك بصناعتها فيما بعد فهو طرف من أطراف المعادلة يشارك بها وان كانت الطبيعة الإنسانية والخلق منحته راحة أكثر عليه أن يعطي مقابلها أكثر وليس العكس فرغم إقراره بصعوبة الحمل والولادة والحيض وسعادته بأنه لا يعيش هذه الظروف إلا انه يرفض دفع الضريبة المقابلة فالمرأة من حقها أن تأخذ إجازة الحمل والولادة والأمومة والرضاعة ومن حقها تسهيل دورها كمربية وكل ما يتعارض مع ذلك يجب تسهيله لها والمساواة لا تعني أبدا انطباق الحالات بل انطباق الظروف فالرجال غير متساوون بالقدرات الجسدية والذهنية أيضا وهم يقومون بالأعمال حسب قدراتهم وظروفهم وهذا أيضا ينطبق على النساء.
خلاصة القول أن المرأة سيدة الدنيا وصانعة الحياة والفرح حين نريد لها ذلك بتحويلها إلى مملوك جميل لا يشبه البشر إلا في احتياجات الرجل ومع أنها مالكة ذلك طبيعيا وتملك القدرة على إعلان توقفها عن القيام بدور صانع الحياة والفرح إلا أنها تصر على القبول بحالة الرضوخ هذه وتبقى في حالة التغييب والغياب فهي مغيبة من قبل الرجل عن دائرة الفعل حاضرة بعكسها وهي غائبة حتى لا تخسر الهالة التي يضعها بها الرجل رغبة بدورها التكميلي الخاص به وهي عليها إذن أن تأخذ مكانتها بكل أبعادها كمشارك للآخر وهو الرجل لا كمكمل لاحتياجاته ورغباته كسيد مفروض على الحياة وبها فطبيعة البشر تقول بأنهما أي الذكر والأنثى مكونان مشاركان متساويان بالأدوار مع اختلافهما الضروري لا يوجد لأحد فضل منهما على احد بالحياة.