ترثيث المراة في العراق



وليد يوسف عطو
2015 / 12 / 10


كتبت الباحثة العراقية د. اسماء جميل رشيد , وهي حاصلة على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع ( السوسيولوجيا ) وناشطة في المجتمع المدني مقالا بعنوان ( الاسلمة والرثاثة الجندرية في المجتمع العراقي ) .وتترجم عبارة الجندر الجنسي ب ( الجنوسة ).

تبين الباحثة د .اسماء جميل رشيد ان فترة العقوبات الاقتصادية على العراق ( 1990 – 2003 )قد تمخضت عن تجريف اجتماعي – ثقافي واسع اعقبه صعود الاسلام السياسي والذي يقوم في جوهره على معاداة قيم الحداثة .لذا شهد المجتمع العراقي تراجعا مريعا للقيم المدينية التي تؤسس لحقوق النساء وتعزيز القيم التقليدية القائمة على الهيمنة الذكورية وتابييد دونية المراة .

لقد اشاع الاسلام السياسي ثقافة ثيوقراطية ضد المراة وانتجت هذه الثقافة قيما رثة حول النوع الاجتماعي ( رثاثة جندرية )ادت الى الحد من قيمة النساء ومكانتهن الاجتماعية على نحو غير مسبوق في تاريخ العراق الحديث . ان اكثر من 45%من النساء في العراق اصبحن يتعرضن للعنف بكل اشكاله .

وتضاعفت حالات التعنيف الجسدي تسع مرات عما كان عليه الحال قبل 2003 .واصبح تزويج الفتيات الصغيرات دون عمر 15 سنة تقليدا شائعا في العراق .ومعظم هذه الزيجات تعقد خارج المحاكم على يد رجل دين بعقد شرعي لايوفر اي ضمانات او حقوق للمراة ولاطفالها .ويذكر كاتب المقال شابا بعمر 19 عاما طلق زوجته الشابة الصغيرة ولديه منها طفل صغير ..
ماهو مصير الام والطفل معا ؟

هنالك نسبة عالية من النساء الاميات وخصوصا في الريف العراقي . يوجد في الريف اكثر من 50%من النساء ليس لديهن شهادات دراسية . اما النساء العاملات فمعظمهن يتنازلن عن اجورهن او تسلب منهن رواتبهن استنادا الى فتاوى شرعية تجيز للزوج سلب راتب زوجته .

لقد اشاعت الاسلمة في العراق ثقافة لاتؤمن بحق المراة في المساواة والعمل والتعليم . وتنظر الى دور المراة نظرة تقليدية تتلخص بالانجاب ورعاية الاطفال والطبخ .

تؤكد الثقافة التي اشاعها الاسلام السياسي على ضرورة ان تبقى المراة في بيتها ويصرف عليها ولي امرها . ويروج الاسلاميون لحق المراة في ان تاخذ اجورا عن ارضاع طفلها وعن قيامها باعمال المنزل , بهدف صرف المراة عن التعليم والعمل واعادتها الى المجال الخاص (المطبخ والمنزل ).

لقد قادت ثقافةالمجتمع والاسلام السياسي الى ترثيث المراة . حيث ازدادت القيود على النساءواصبحت كل نظرة تحررية ينظر اليها على انها رذيلة .

تقول د . اسماء جميل رشيد :
(وكان لتركيز الايديولوجيا الاسلاموية على ضرورة طاعة المراة المطلقة لمن له وصاية عليها حد السجود لزوجها , واعتبار ذلك بمثابة طاعة لله واساسا لدخول الجنة اثر في زيادة العنف ضد المراة ).

شهد كاتب المقال رجلا شرطيا تحدث الى زميل له بان زوجته كانت تعد له الفطر فجرا مع الشاي وتقوم بتجهيز بسطاله او حذائه العسكري مع وضع الصبغ عليه والفرشاة . وكانت تقدم له وجبات الطعام في مواعيدها ومع ذلك قام بتطليقها بعد خدمتها لزوجها لمدة ( 12 ) عاما .

تتحدث الايديولوجيا الدينية عن نقصان عقل المراة وضعفها البيولوجي والنفسي وبانها (عورة ) و( فتنة ). وقد قادت هذه التصورات الى اقتناع عدد من النساء بها , فاصبحت المراة تنظر الى نفسها في ضوء هذه التصورات الرثةالتي جرى تعميمها على جنس النساء .

من المؤسف ان تقوم بعض النساء بتبني الايديولوجية الذكورية . في عام 2012 اصدرت ( اللجنة الوطنية العليا للنهوض بالمراة العراقية ) وغالبيتها من النساء توصياتها التي عممت على المؤسسات بضرورة التزام الموظفات بعدم ارتداء ( البديات الضيقة ), والتنورات القصيرة , والبنطلونات الضيقة والستريجات ,والفساتين واضحة المعالم والاحذية الخفيفة والشحاطات والقمصان المبهرجة الالوان واللماعة ).

وفي تشرين الثاني 2009 م اصدر مجلس محافظة واسط قرارا يقضي بتعيين (محرم )مع كل عضوة من اعضاء مجلس المحافظة بناء على طلبهن . وشهد مطلع عام 2014 خروج قوافل من النساء في تظاهرات تؤيد اصدار ( قانون الاحوال الشخصية الجعفري )الذي يمثل انتكاسة حقيقية في وضع المراة لما يتضمنه من تجويز زواج الصغيرات وتحويل المراة الى سلعة للتبادل وامتاعا للرجل , وتقويض للحقوق التي ضمنها قانون الاحوال الشخصية المدني النافذ .

هذه الممارسات تقوم بها نساء رثات لادامة عبودية المراة للرجل في المجتمع وتجعل من المراة متواطئة في صناعة الخطاب المعادي للمراة .
تقول د . اسماء جميل رشيد :
(وتمثل هذه الفئة من النساء الوجه الحقيقي للتدجين الذي مارسته الاسلمة .اذ ارتضت النخب النسائية المتاسلمة ان تكون معولا بيد القوى الاسلاموية لهدم ماتبقى من امل في النهوض بواقع المراة ).
وقد كشفت المسوحات ان 3 نساء من بين ( 10 ) نساء يعتقدن بانهن مساويات للرجال . في حين ترى ال (7 ) الاخريات اما انهن مساويات بشكل جزئي او غير مساويات .
هذا الموقف المتقبل للعنف يجعل المراة منخرطة في صناعة خطاب العنف الممارس ضدها ,وتعمل على حماية وتعميم مؤشرات هذا الخطاب ماديا ومعنويا . وبذلك عملت النساء على تكريس حالة اللامساواة وتاصيل الفروقات الاجتماعية لصالح الذكور .

السيطرة على جسد المراة

تعرضت بعض الجامعات العراقية في عام ( 2004 – 2005 )الى تهديدات بالتفجير مالم يتم فصل الذكور عن الاناث .
وفي نيسان 2006 نشرت جماعات اسلامية في كلية الاعلام بجامعة بغداد بيانات تحذر فيه الطالبات غير المحجبات من ارتداء انواع محددة من الملابس بصيغة تحذيرية موجهة الى مااسموه ب ( النساء الفاجرات اللواتي يمارسن الاغراء الجنسي في ملابسهن )وتهدد فيه بقتلهن .

لم يقتصر الامر على فرض الحجاب على النساء بل ظهرت دعوات لتصحيح الحجاب في بوسترات كبيرة معلقة في بعض الشوارع (مدينة الكاظمية في بغداد مثلا ) تلزم النساء بارتداء ازياء مغالية في الحشمة , وهي تكشف عن منظومة عشائرية – دينية تهدف الى السيطرة على جنوسة المراة وعلى حركتها كجزء من سياسا ت فرض الهوية الجماعية .
في العراق اليوم اكثر من (150 ) منظمة نسائية اسلامية تعمل للترويج على نشر الحجاب .ينطوي الخطاب الديني في جامعات ودوائر العراق على تناقض غريب .فهو خطاب يدعو الى الفصل بين الجنسين في اروقة الجامعات والمعاهد .ويروج في نفس الوقت للزواج المؤقت بهدف منح الشباب الفرصة الشرعية للاختلاط ولممارسة الجنس .
لقد تصدرت قضية الاختلاط بين الجنسين اهتمامات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بدلا من الاهتمام بتطوير التعليم وتحسين مخرجاته .لقد اسهم الحجاب بشكل كبير في تقسيم الفضاء بين الجنسين . وهو من اسباب التمايز الجنسي .وجعل المراة مشطوبة من الفضاء العام , وغائبة حتى وان كانت حاضرة , اذ نزع عنها فردانيتها وفرض عليها سلطة جعلت منها جسدا طائعا وصامتا ومنضبطا , لاتتصرف الا كما يراد لها ووفقا لفعاليات محددة لها .

الخاتمة :

تصل د . اسماء جميل رشيد الى استنتاج مهم وهو ان الاسلمة السياسية قد افلحت في تحول الهوية الانثوية في الادراك الاجتماعي العام الى (وصمة ) سوسيو – جسدية تستدعي ( الوصاية )و(التركيع ) و (الحجر ). هذه الوصمة ماعادت تقتصر على الذهنية الذكورية فحسب , بل باتت المراة نفسها تسهم الى حد كبير في ترسيخ هذه الدونية الاجتماعية عبر تبنيها اللاواعي للرثاثة الجندرية المفروضة عليها .
( وكل هذا التراجع المريع في الوعي الجندري لايمكن فصله عن التدهور الشامل الذي اصاب البنية الذهنيةالعامة للمجتمع العراقي بتاثير المسارات الفكرية التي اتخذها التطور السوسيولوجي خلال العقود الاربعة الاخيرة المكتظة بالعنف والاستبداد والفساد .اذ جرى انتاج عدد غير محدد من انماط ( الضحايا )بمختلف هوياتهم الطبقية والاثنية والثقافية والعمرية , الى جانب الضحية الجندرية التي باتت تستوعب ضمنا كل الانماط الاخرى ).

يرى كاتب المقال ان الفكر المسطح والاحادي , مثال ذلك الفكر الذكوري والديني الرث ينظر الى الانسان والمراة كسلعة او (شيء ) يباع ويشترى وهو مانسميه بالتشيؤ .الرثاثة السياسية والدينية الاسلاموية في العراق حولت الانسان والمراة خاصة الى سلعة واصبح الانسان الرث ينظر الى الاخرين بصفتهم اشياءلا كائنات حية لها مشاعر واحاسيس وافكار .من هنا ازداد العنف بزيادة تسليع الانسان والمراة .